-1- المتشائمون والمتفائلون
ما أكثر المتشائمين وما أقل المتفائلين في مستقبل العراق. فلماذا كان المتشائمون على خطأ، وكان المتفائلون على صواب؟
يقول المتفائلون في مستقبل العراق، أنه كلما زادت وتيرة الارهاب وارتفعت الأصوات الإعلامية ذات الفحيح العالي المبشِّرة بدمار عراق الحرية والديمقراطية وعودة الديكتاتورية الدينية والقومية للعراق وعهد الفرعنة والطغيان، ازداد الأمل بمستقبل عراق الحرية والديمقراطية. فهذا الارهاب الدموي والإعلامي هو الطَفْح الذي يُصيب وجه المُصاب بالْحُصبة وهو علامة الشفاء القريب، وبدء انخفاض درجات حُمّى الْحُصبة (الارهاب).
ويقول المتفائلون أن ثمن الحرية والديمقراطية في العراق يرتفع يوماً بعد يوم، كلما تقدم العراق نحو الحرية والديمقراطية. وأن سُعار بورصة الحرية والديمقراطية في العراق التي يبيع ويشتري فيها الاحتلال الأصولي الإرهابي المتمثل بالجماعات الإرهابية القومية والدينية يزداد يوماً بعد يوم، مما يؤكد أن الحرية والديمقراطية في العراق أصبحت واقعاً ومستقبلاً محتوماً بخطوات ثابتة لكل خطوة ثمنها من دماء العراقيين الزكية التي تُهدر كل يوم، وأن أعداء المستقبل يفرضون كل يوم على العراق ثمناً جديداً للحرية والديمقراطية، والعراق المعطاء يدفع هذا الثمن كل يوم راضياً مرضياً.

ولو قارنا ما دفعه الشعب الألماني من دماء أبنائه ودمار بلده في سبيل حريته من الديكتاتورية النازية، وما دفعه الشعب الياباني من دماء أبنائه ودمار بلده في سبيل حريته من الديكتاتورية العسكرية، وما دفعه الشعب الكوري والفرنسي والايطالي والاسباني والجزائري والفيتنامي والفلسطيني وغيرهم من شعوب الأرض ثمناً للحرية والديمقراطية، لوجدنا أن العراق ما زال عليه أن يدفع مستقبلاً المزيد من ثمن الحرية والديمقراطية. فالعراق في حرب حقيقية وشرسة مع أعداء الحرية والديمقراطية الذين هم أعداء كل العراق المتمثلين بالاحتلال الأصولي الإرهابي ، ولذا نرى هذه الحملات الارهابية الدموية كل يوم على مراكز الاقتراع وعلى المرشحين وعلى المرشحات وعلى الحرس الوطني والشرطة والمسؤولين، وعلى كل من هو على علاقة بحماية الحرية والديمقراطية ودفع استحقاقاتها المقدسة في العراق.

-2- القديسة وجدان الخزاعي: شهيدة العشق الديمقراطي
أنا متفائل بمستقبل العراق، لأن العراق يقدم على مذبح الحرية والديمقراطية القديسات من النساء. فما أكثر القديسين والقديسات في الديانات وما أقلهم في السياسة. ربما كان ذلك بسبب قداسة الأديان ونجاسة السياسة. وبالأمس راحت قديسة من قديسات السياسة ضحية الحرية والديمقراطية وشهيدةً للعشق الديمقراطي في العراق وثمناً لمستقبل العراق المنير المحتوم. وكانت هي المرشحة للانتخابات العراقية القادمة وجدان الخزاعي التي اختطفها أشرار العراق وملثمو الاحتلال الأصولي الإرهابي وقتلوها حتى لا تكون أول امرأه مرشحة للانتخابات الديمقراطية في تاريخ العراق. فكانت أول شهيدة للعشق الديمقراطي في التاريخ العربي كله. ولم يرْثها أحد من الشعراء أو النُثراء، في حين أن الشعراء والنُثراء العرب مشغولون في رثاء اللصوص والزنادقة والحكام الفاسدين والديكتاتوريين وبائعات الهوى وبائعي الفتاوى.

القديسة، شهيدة العشق الديمقراطي وجدان الخزاعي، هي أول ضحية في التاريخ العربي كله تُقتل في سبيل الديمقراطية والحرية. لقد كانت المرأة العربية في الماضي والحاضر تُقتل غسلاً للعار، وكانت الأنثى العربية توأد خوفاً من العار والفقر، وكانت المرأة العربية تُعذب انتقاماً من زوجها، وكان أول من عذّب المرأة العربية معاوية بن أبي سفيان حين سجن زوجة عمرو الخزاعي في دمشق، وقتل زوجها ورمى رأسه المقطوعة في حُجر امرأته المفجوعة في زنزانتها. وفعل هشام بن عبد الملك الجرائم ذاتها.
وكان أول من قتل امرأة عربية في التاريخ الإسلامي زياد بن أبيه الذي قتل "الشجاء" بأن قطع يديها ورجليها. وقتل زياد كذلك حمادة الصفرية وصلبها عارية (الحيوان للجاحظ، ج5، ص 589). وقتل عبد الله بن زياد العالمة الدلجاء بنت يربوع وكانت من مجتهدات الخوارج. وقتل الشاعر ديك الجن حبيبته بالسيف عندما ظن أنها تخونه وهي بريئة. وكان بعض العرب يقتلون الجواري الحسان مخافة أن يموتوا في حبهن ويبقين بعدهم تحت غيرهم (البصائر والذخائر، 9/109). فتعددت الأسباب والموت واحد.
أما القديسة العراقية، شهيدة العشق الديمقراطي، وجدان الخزاعي، فهي الأولى في تاريخ العراق وفي التاريخ العربي كله تستشهد ضحية شريفة ومقدسة على مذبح الحرية والديمقراطية العراقية الموعودة والتي دفع فيها العراق الآلاف من الشهداء الذين قضوا على أيدي الاحتلال الإرهابي الأصولي، كما لم يحصل في أي بلد في التاريخ. ومن هنا فإن العراق يستأهل الآن هذا المستقبل المنير المحتوم المدفوع الثمن مقدماً وغالياً.

-3- أسباب التفاؤل الأخرى
هناك أسباب أخرى للتفاؤل الكبير بمستقبل العراق والتي على المتشائمين والأعداء الحاقدين وخفافيش الاحتلال الأصولي الإرهابي للعراق أن يقرأوها ويتأملوها جيداً ومنها:

1-
الإصرار الأمريكي على تحقيق ما ذهبت من أجله القوات الأمريكية، وعدم التخلي عن اتمام المهمة، وعدم التخلي عن المسؤولية السياسية والتنموية في العراق.

2-
إصرار الشيعة والأكراد الذين يمثلون ثمانين بالمائة من سكان العراق على عدم عودة حزب البعث إلى العراق حتى ولو قاتل كل الْسُنَّة العرب العراقيين (20 بالمائة من سكان العراق) من أجل هذا الهدف. ولو حاولنا نسيان هذه الحقيقة، فعلينا أن نتذكر ما فعله فرعون الرافدين بالشيعة وبالأكراد.

3-
منذ تسلمت حكومة أياد علاوي الحكم وهي تقوم يوماً بعد يوم بزيادة مساحة الأراضي العراقية التي تسيطر عليها وتحفظ فيها الأمن. فعندما تسلمت الحكومة المؤقتة الحكم في نهاية يونيو 2004 كانت مناطق واسعة من المدن الشيعية في الجنوب تحت حكم مقتدى الصدر وميليشياته، وهي الآن تحت سيطرة الحكومة المؤقتة. وتم دحر الارهابيين في الفلوجة التي عادت إلى سيطرة الحكومة المؤقتة.

4- سوف تتحقق الانتخابات العراقية حتماً في نهاية يناير الحالي . وإصرار امريكا وبريطانيا والحكومة العراقية المؤقتة على تحقيقها هو نصر مؤكد لمستقبل العراق السياسي مهما حاولت فصائل الاحتلال الارهابي الأصولي الدموي والإعلامي محاربتها وعدم تحقيقها.

5- بدء قيام الجيش العراقي بمقاومة الاحتلال الارهابي الأصولي. ويقول روبرت بلاكويل في صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن هناك عشر فرق عسكرية عراقية تحارب هذا الاحتلال، وعدد هذه الفرق يزداد يوماً بعد يوم.


6- انتعاش الاقتصاد العراقي بفضل الدعم المالي الأمريكي (4 مليارات دولار حتى الآن) وإلغاء "نادي باريس" 90 بالمائة من الديون الأوروبية وغير الأوروبية على العراق ، مما سيساعد على تنفيذ 1200 مشروعاً استثمارياً وتشغيل 150 ألفاً من العمالة العراقية. وهكذا نرى أن العالم كله يسعى إلى بناء العراق الجديد، ما عدا فئة قليلة إرهابية من الْسُنَّة العراقية والغُربان من العُربان الأفغان.
وهذه كلها أسباب تدعونا إلى التفاؤل بمستقبل العراق الحر الديمقراطي، وأن فئة قليلة قاتلة وارهابية تمثل الاحتلال الحقيقي والمؤلم للعراق، لن تستطيع وقف عجلة التاريخ العراقي السائرة نحو التقدم والحداثة.

[email protected]