لا ينكر المراقبون السياسيون أن الإدارة الأمريكية غاضبة على النظام السورى ويعرفون أن ما يتسرب من أخبار حول زيارة مسئولين أمركيين إلى دمشق وإدلائهم بتصريحات تعبر عن قرب الإنفراج بين الطرفين ما هو إلا تحصيل حاصل لأن التقارب بين وجهات نظر الطرفين لم تبد مظاهر نضجها بعد فى الأفق، فلا الإتهامات الأمريكية التى يحملها الزوار الى العاصمة السورية خصوصا فيما يتعلق بالملف العراقى إنخفض مؤشرها ولا الضغوط التى تمارسها واشنطن فيما يتعلق بملف الصراع العربى الإسرائيلى وموجبات إحياء مسار التفاوض بين دمشق وتل أبيب إعترفت بمطالب الشعب السورى لتحرير هضبة الجولان وحقه فى إستعادة سيادته عليها ولا حتى وعدت بأن تأخذ فى إعتبارها مطالب الأمن التى يحتاج اليه وطن هذا الشعب ككيان قومى معترف به.
وقد لوحظ فى الأيام الأخيرة أصرار الإدارة الامريكية على مساندة الدعاوى الإسرائيلية التى اطلقها إعلامها حول صفقة الاسلحة الروسية التى ستشتريها سوريا خصوصا وأنها تتضمن نظامين من الصواريخ يقال أن أحدهما يصل مداه الى عمق اراضى إسرائيل والثانى يهدد بوقف اعتداءات طائراتها المقاتلة على الأجواء السورية واللبنانية، تمثلت هذه المساندة فى تحركين.. الأول جاء فى شكل تحذير موجه إلى الحكومة الروسية على لسان المتحدث الرسمى بإسم الخارجية الأمريكية يحملها عواقب إتمام هذه الصفقة وما سترتب عليها من قلاقل وإضطرابات فى الشرق الأوسط الذى تسعى واشنطن لتهيئة عوامل الاستقرار بين جنباته، والثانى تلويح بلى ذراع موسكو فيما يتعلق بإحتياجاتها من المؤسسات المالية الدولية التى لا تملك حرية منح القروض الا بموافقة معلنه من واشنطن وتل أبيت إلى جانب أبرام المزيد من التحالفات الأمنية مع الدول القريبه منها والتى كانت إلى وقت قريب تدور فى فلكها فأصبح الدولار مصدر تحديث لأقتصادياتها.
الأدارة الامريكية حتى من قبل أن يصبح لها تواجد عسكرى إحتلالى فوق أرض العراق لا تريد ان تستمع إلا الى ما يمثل مصالحها ومصالح تحالفها الإستراتيجى مع إسرائيل، وهى على قناعة تامه أن حكومة ارييل شاورن الحليفة من حقها أن تشتكى من خطورة إمتلاك سوريا لصواريخ من طراز Iskander E التى تقول صحيفة هآرتس أن مداها يصل إلى صحراء النقب وأيضا من انعاكسات طلبها الحصول على صواريخ من طراز SA – 18 خاصة وانها يمكن أن تحمل على الكتف وتطلق من فوقه.. وبالتالى من حقها أن يقف البيت الأبيض ووزارتى الدفاع والخارجية والمؤسسات التشريعية الى جانبها لمنع إستكمال الخطوات الأخيرة لإبرام هذه الصفقة..
الأدارة الأمريكية لا تعترف لأى نظام آخر فى الشرق الأوسط الكبير كما يعرفه خبراؤها بالحق فى أن يدافع عن نفسه سوى دولة إسرائيل، وهى لذلك تنظر إلى صفقة السلاح التى تمهد دمشق لإتمام خطواتها النهائية أثناء الزيارة التى سيقوم بها الرئيس بشار الأسد إلى موسكو قبل نهاية الشهر الحالى على أنها مصدر للتهديد.. بل وكما قالت بعض الصحف الأمريكية " ربما تتحول الى مصدر لتسليح عناصر إرهابية تهدد السلم والأمن العالمى ".
الأدارة الأمريكية تعرف ان نظام تسليح القوات المسلحة السورية يحتاج الى تجديد وتطوير ويحتاج ألى تقنيات حديثه فى حدود ما تسمح به امكانياتها المادية وقدراتها التدريبية إنطلاقا من موقعها الأقليمى والمحيط البيئى الذى تعيش فيه.. وتعرف أيضا ان هذه وتلك لا تعطى لسوريا كدولة " رفاهية " تخصيص مزيد من الأنفاق على متطلبات قواتها المسلحة إحتزاءا من مدخولاتها المحدودة، كما تفعل إسرائيل التى تحصل على أكثر من ثلثى إحتياجات قواتها المسلحة الهجومية بقروض يتم إسقاطها بعد سنوات معدودة كما تحصل عليها إبتزازا كما فعلت مؤخرا حيث ضغطت على الحكومة الألمانية فمنحتها ثلاث غواصات ذرية قادرة على حمل الصواريخ النووية !!.
الأدارة الأمريكية لن تسمح لروسيا بالعودة الى الشرق الأوسط لا عن طريق ملف خطوات إقرار السلام فى الشرق الأوسط ولا عن طريق مبيعات السلاح، فكلا الأمرين مرتبطان معا بتحالفها الإستراتيجى مع أسرائيل.. وهى لن تسمح بالتالى لسوريا بالذات أن تطور حتى قدراتها الدفاعية لأنها تريد ان تفرض عليها سلاما مشروطا مع أسرائيل لا يناسبه هذا التوجه حيث سيكون من بين متطلباته تحديد نوعية التسليح العام للقوات المسلحة السورية ككل.. ولن تسمح لها أن تزيد مما تظن دمشق انه يمثل ثقلها السياسى فى المنطقة سواء عن طريق " ترطيب علاقاتها " مع تركيا أو توثيق " تحالفها النوعى " مع طهران لأنها تريدها أضعف من أن تقاوم ما سيمارس عليها من ضغوط سواء إنطلاقا من الجبهة العراقية او من الجبهة الإسرائيلية..
نتوقع ان تشهد الأسابيع القليلة القادمة تحركا أمريكيا مكثفا على ثلاث ملفات بالغة السخونة : الملف العراقى والملف الايرانى وملف الصراع الفلسطينى الإسرائيلى فى ضوء الكلمة التى القتها كوندوليزا رايس تمهيدا لحلفها اليمين كوزيرة جديدة للخارجية الأمريكية.. هذه الملفات برغم إنفصالها الظاهر تتداخل فيما بينها بشكل شديد الصعوبة لأن لكل منها إنعكاس لا تخطأه العين على الملفات الأخرى.. فالملف العراقى له تداخلاته الظاهرة والخفية على ملف إيران وملف الصراع الإسرائيلى الفلسطينى والمف الإيرانى له بصماته التى لا يمكن اغفالها على ما يجرى فوق أرض العراق كما له شبهة تدخل فى ملف الشأن الإسرائيلى الفلسطينى، اما الملف الأخير فليس هناك من ينكر إستقطابه لكل الأزمات التى تدور رحاها فوق ارض الشرق الاوسط الكبير والصغير..
سوريا فى القلب من هذه الملفات جميعا ومن حقها أن تستخدم ما تحت يدها من أوراق للحصول على أكبر الضمانات التى توفر الأمن والحياة لشعبها وتحقق لها مطلب تحرير أرض الجولان وإستعادة سيادتها عليها، لكن هذا الحق يتعارض مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة لذا وجب العمل على ممارسة المزيد من الضغط عليها.. ولن يكون التعاون بين واشنطن وتل أبيب لإلغاء صفقة شرائها الاسلحة من روسيا آخر نماذجه !!.

استشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]