جاء في التسجيل الصوتي المنسوب إلى الإرهابي الأردني المدعو (أبو مصعب الزرقاوي) الذي صدر مؤخرا ونشرته وكالات الأنباء قوله: "لقد أعلنا حربا مريرة على مبادئ الديمقراطية وكل من يسعى لتطبيقها". " المرشحون في الانتخابات يسعون لأن يصبحوا أنصاف آلهة والذين يصوتون لهم كفرة. ويشهد الله على قولي فقد بلغت". وأضاف: "إن الانتخابات «مصيدة خبيثة ترمي لسيطرة الرافضة (الشيعة) على مقاليد الحكم في العراق فقد ادخل اربعة ملايين رافضي من ايران من اجل المشاركة في الانتخابات ليتحقق لهم ما يصبون اليه من السيطرة على غالبية الكراسي في المجلس الوثني (الوطني) وبذلك يستطيعون ان يشكلوا حكومة اغلبية تسيطر على مفاصل الدولة الرئيسية الاستراتيجية والاقتصادية والامنية».

لم يجرأ أحد من قبل أن يعلن عداءه ضد الديمقراطية وضد الشيعة بهذه الصراحة وبهذا الوضوح سوى المدعو الزرقاوي. ولم استغرب مما ورد في هذه الرسالة لأن هذا الكلام سمعناه من قبل ومن قِبل مثقفين عرب وإسلاميين وبنفس المضمون ولكن بصيغ أخرى وبشكل مراوغ وملتوي، يستخدمون فيه الكناية والتورية وغيرها من أدوات البلاغة العربية التي يستخدمها فرسان البيان العرب لتضليل أبناء شعوبهم. ليس المهم أن يكون الزرقاوي هو رجل حقيقي بهذا الاسم أو وهمي، بل المهم أن هناك شخصاً حياً يرزق ويكتب هذه الخطابات ويرتكب المجازر على أرض الرافدين باسم العروبة والإسلام وهناك الألوف مستعدون للموت في تنفيذ أوامره في القتل والتدمير ونشر الرعب بين العراقيين. ولا فرق في الواقع أن يكون هناك شخص حقيقي بهذا الاسم (أبو مصعب الزرقاوي) أو أشخاصاً آخرين مثل عزة إبراهيم الدوري أو محمد يونس الأحمد يرتكبون جرائمهم تحت هذا الاسم، فالمهم هو محتوى الرسالة والتنفيذ وليس الاسم.
والمهم أيضاً أن المحتوى يمثل صورة حقيقية طبق الأصل للثقافة العربية-الإسلامية الموروثة، وأن هناك إرهابيين يمارسون القتل والدمار في العراق ويتلقون التأييد والمباركة من العرب والمسلمين، بل وبلغ بهم الحقد إلى حد تدمير أنابيب المياه وقطع التيار الكهربائي وقطع الإمدادات الغذائية والوقود عن العراقيين، ليصرخ فريق آخر من أتباعهم متواجدين في محطات الوقود يحرضون الناس على السلطة ويحملونها مسؤولية أزمة الخدمات ويترحمون على عهد صدام ويلقون اللوم على العهد الجديد. فهل هذا يمت إلى العروبة والإسلام بشيء؟ أم هو الحقد الأسود ضد الشعب العراقي؟ وماذا يتوقع هؤلاء أن يكون رد فعل هذا الشعب إزاء العرب؟
فما يقوله شخص باسم الزرقاوي علناً ضد الديمقراطية والشعب العراقي بهذه الصراحة والوقاحة، يقوله معظم المثقفين والإعلاميين والسياسيين العرب في مجالسهم الخاصة وينشرونه في الإعلام تلميحاً أو تصريحاً، مغلفاً بالنفاق والتلاعب بالألفاظ والبكاء الكاذب على الشعب العراقي في محاولة منهم لتضليل الرأي العام بمختلف الوسائل الممكنة. نعم، أنهم يرددون ذات الأفكار البعثية- الزرقاوية السلفية ولكن بشكل ملتو وخبيث بحيث يمكن أن يتملصوا من المسؤولية فيما لو سيقوا إلى المحاكم. فهكذا كانت فتاوى القرضاوي، والطنطاوي وفضل الله ونصر الله وعلي خامنئي ومشكيني وكتابات خير الله خير الله وعبدالباري عطوان وصافي ناز كاظم وبثينة شعبان وفهمي هويدي وغيرهم من الأعراب والإسلاميين كثيرون. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يثير الزرقاوي مخاوف السنة في المنطقة من الشيعة و"ادخل اربعة ملايين رافضي من ايران من اجل المشاركة في الانتخابات.." ألا يشبه هذا ما حذر به الملك عبد الله من (الهلال الشيعي) يضم إيران وسوريا ولبنان وأن مليون إيراني دخلوا العراق للمشاركة في الانتخابات؟ فما الفرق بين تصريح الملك الأردني والإرهابي الأردني؟

فالسياسيون العرب وكتاب العروبة وفقهاء الموت يحرضون على قتل الأمريكان ومن يتعاون معهم في العراق باسم مقاومة الاحتلال. أما دور البعثيين وحلفائهم الزرقاويين السلفيين فهو التنفيذ. والإرهابيون لم يقوموا بهذا القتل والدمار إلا بعد أن تعرضوا لعمليات غسل الدماغ وأشبعوا بالوعود المعسولة بالجنة الموعودة وحور العين واعتقادهم الراسخ بأن ما يقومون به من قتل الأكراد و"الرافضة" ينالون به رضاء الله ورسوله وإعجاب وتقدير جماهير العرب والمسلمين كمجاهدين في سبيل الله ودينه. حقاً لم نكن لنصدق حجم هذا الحقد العربي على شعبنا العراقي. فأية آيديولوجية هذه التي تحوِّل الإنسان العربي والمسلم إلى وحش كاسر لن يشبع نهمه من قتل الأبرياء ولن يتورع عن ذبح إنسان آخر في الشارع أمام الناس ذبح النعاج على الهوية الطائفية والأثنية فقط. لا شك أن هناك كارثة فكرية أوصلتهم إلى هذا المصير وإنها لا بد وأن تهدد الشعوب العربية والإسلامية وستنفجر عندهم عما قريب. فما يحصل في العراق اليوم من حرائق مدمرة يشعلها الإرهابيون الوافدون، فعما قريب سيصل لهيبها إلى ذات البلدان التي أرسلتهم وسوف تحرق ذات الجماعات التي حرضتهم وأجرت لهم عمليات غسيل الدماغ. وعندها سوف لا ينفع الندم.

جريمة الشعب العراقي أن الله خلقهم من عدة قوميات ومذاهب شتى. وكل ملة فيه لها امتداد من الدول المجاورة، لذلك كل دولة مجاورة تبرر ذبح الأطياف الأخرى باسم الله وعلى الطريقة الإسلامية، لتنفرد شريحة واحدة، كما في عهد صدام، في الاستحواذ على مقدرات البلاد واستعباد بقية الشرائح "الكفرة" خدمة للدولة المجاورة التي ناصرت امتدادها الطائفي والأثني وليصبح العراق تابعاً لتلك الدولة.

لماذا يحمل الأعراب كل هذا الحقد الدفين ضد شعبنا العراقي؟ لقد أعلنوا هذا الحقد في تحالف شيطاني شرير في عهد ثورة 14 تموز 1958 لسبب واحد، لأن تجرأ الشعب العراقي وثار على مستغليه ومستعبديه في سبيل حريته وإكمال سيادته الوطنية وأراد قائد الثورة الزعيم عبدالكريم قاسم أن ينقذ هذا الشعب من الفقر والبؤس واسترجاع ثرواته للبناء ورفع مستواه المعيشي. ولكن أراد الأعراب ثروات العراق لهم وليس لشعبه.فبعد عشرة أيام من الثورة نزل عفلق في مطار بغداد واجتمع بالبعثيين وأعطاهم التعليمات برفع شعار الوحدة الفورية، كوسيلة لإرباك الثورة وتعطيل مسيرتها.
كذلك يقول المطلعون أنه بعد زيارة عفلق بأسابيع أرسل عبدالناصر وفداً إلى عبدالكريم قاسم يطالبه بالوحدة الاندماجية. فأخذهم الزعيم قاسم إلى منطقة في شرق بغداد كان يطلق عليها (خلف السدة)، حيث كان يسكن فيها مئات الألوف من العراقيين البؤساء النازحين من أرياف المحافظات الجنوبية الفارين من ظلم الإقطاع، يعيشون في صرائف مصنوعة من القصب وسعف النخيل وأكواخ طينية بائسة مع حيواناتهم ينخر فيهم السل والبلهارزيا وأمراض سوء التغذية. ولما وصلوا إلى المكان، قال لهم الزعيم انظروا... هذا هو العراق الذي استلمناه. أرجو إعطاءنا مهلة لنتمكن من إنقاذ هؤلاء البؤساء العراقيين من مخالب الفقر والجهل والمرض أولاً ومن ثم سنتحرك لإنجاز الوحدة العربية بإذن الله.
لكن لم يعجب القوم هذا الكلام، فعادوا إلى بلادهم صارخين يشتمون "قاسم العراق" و"آثم العراق" الشعوبي، مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور. وتشكل تحالف عربي إسلامي وعالمي ضم أكثر من أربعين جهة لا يجمعهم أي جامع سوى الحقد الأسود على فقراء العراق وزعيمهم عبدالكريم قاسم "الشعوبي" وأشعلوها قيامة عليه من كل حدب وصوب ووظفوا فرسان القومية العربية وخاصة البعثيين منهم ليقوموا بالدور القذر في إجهاض الثورة وذبح قيادتها فكان لهم ما أرادوا ونفذوا الجريمة المروعة في انقلابهم يوم 8 شباط 1963 الدموي الأسود.
ما أشبه اليوم بالبارحة. فنفس الأعداء الذين حاربوا الشعب العراقي وعبدالكريم قاسم بالأمس بحجة الدفاع عن العروبة وتحت شعار "الشيوعية كفر وإلحاد"، يحاربون العراقيين اليوم بحجة مقاومة الاحتلال والدفاع عن الإسلام وتحت شعار "الديمقراطية كفر وإلحاد". تغيرت بعض الأسماء، فصار الإسلام بدلاً من العروبة والديمقراطية بدلاً من الشيوعية. الأعداء أنفسهم والضحايا أنفسهم والأهداف ذاتها، ألا وهو تدمير الشعب العراقي ومنع نهوضه ومصادرة حريته.
لقد فات الأعراب أن الحرب الباردة قد انتهت وبانتهائها تغيرت الموازين ومواقف الدولة العظمى من الشعب العراقي. أمريكا وبريطانيا اللتان ساهمتا مع أعداء الأمس في تدمير العراق لإعادة الحصان الجامح إلى حظيرة الطاعة، تقفان اليوم إلى جانب شعبنا ونصرته وإعادة بنائه ودمقرطته. وهذا هو منطق التاريخ وقوانين حركة ومسار التاريخ. لقد انتهت الحرب الباردة اللعينة وانهار جدار برلين، ولأول مرة في التاريخ تلتقي مصلحة شعبنا مع مصلحة الدولة العظمى وسوف لن نضيعها هذه المرة ولو كره الكارهون. لذا فنقول لأعداء شعبنا إن التاريخ يقف هذه المرة إلى جانبنا وموتوا بغيضكم أيها الأجلاف، فالقافلة تسير ولا يضيرها نبح الكلاب. ويتحدى العراقيون الشرفاء أعداءهم فيقولون لقد ذبح النظام البعث الصدامي المستبد ما يقارب المليونين من الشعب العراقي، لذلك فهم مستعدون اليوم ليدفعوا عدة آلاف أخرى في معركتهم مع الإرهابيين من أجل الحرية والديمقراطية.
يعادي العرب العاربة والمستعربة الانتخابات في العراق لأنه محتل من قبل القوات الأجنبية كما يزعمون. ولكنهم يؤيدون الانتخابات الفلسطينية ويباركونها ويؤكدون على ضرورتها وأهميتها وشرعيتها في فلسطين رغم أنها محتلة من قبل إسرائيل، وشتان بين الإحتلاين، فالأول مؤقت ولصالح الشعب العراقي والثاني استيطاني وضد الشعب الفلسطيني.
يذبح الإرهابيون البعثيون والسلفيون أبناء شعبنا وكل من يساهم في بناء العراق بحجة أنهم يعملون مع الأمريكان، ولكنهم لا ينبسون ببنت شفة، بل ويرحبون ويباركون عمل عشرات الألوف من الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل وحتى مع القوات الإسرائيلية ويعبرون الحدود عند نقاط التفتيش يومياً نهاراً جهاراً دون خوف. لا بل هناك تقارير موثقة تفيد أن الإسمنت الذي تستخدمه إسرائيل في بناء الجدار العازل بين الضفة الغربية وإسرائيل يستورد من مصر وبجهود عمال وشركات فلسطينية، وتحت مرأى ومسمع المسؤولين الفلسطينين والمنظمات الإسلامية (حركة حماس والجهاد). فما هو حلال على الفلسطينيين حرام على العراقيين. فهل الاحتلال الأمريكي المؤقت للعراق هو أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني لفلسطين؟ التفسير الوحيد هو نفاق وازدواجية العرب وحقدهم الدفين اللامحدود على الشعب العراقي.
وهل قامت المقاومة الفلسطينية ومنظمة حماس بقطع الماء والكهرباء على الفلسطينيين؟ وهل قاموا بتدمير مؤسساتهم الاقتصادية رغم أن بلادهم محتلة من قبل إسرائيل؟ فلماذا إذنْ تدمرون مؤسساتنا الاقتصادية وتفجرون أنابيب مياه الشرب وتقطعون الكهرباء وتحرمون شعبنا من هذه الإحتياجات الضرورية لهم؟ فهل هناك تفسير واحد لهذه العدوانية السلفية الوافدة من العربان ومن البعثيين غير الحقد الأعمى ضد شعبنا؟

خلاصة القول، إن ما صرح به الزرقاوي وبن لادن من حقد دفين ضد الشعب العراقي والعداء الصريح للديمقراطية والحرية وحكم الشعب يمثل الوجه الحقيقي للثقافة السائدة على ذهنية معظم المثقفين والسياسيين والإعلاميين العرب. ولكن مهما كانت التضحيات فلا بد لشعبنا أن ينتصر ولا بد للخير أن يلحق الهزيمة بالشر.