نشرت جريدة "الغارديان" البريطانية في عددها ليوم 24 يناير الجاري مقالا للصحفي "ويليام شواركس" بعنوان :" الشعب العراقي سيتحدى البعثيين والإسلامويين الفاشيست".
المعروف أن "الغارديان" كانت ضد الحرب وضد بلير شخصيا، ولا يزال هذا موقفها. ومقال شواركس هذا يعتبر صوتا شبه فريد بين المقالات والتعليقات الأخرى للجريدة. ومع ذلك يمكن القول اليوم إن ازدياد شراسة جرائم الإرهاب في العراق، وتركيزها على منع وتخريب الانتخابات وقتل العراقيين أولا، قد يكون عامل حفز للمكابرين اليساريين وغيرهم في الغرب علهم يعيدون النظر ولو جزئيا في مواقفهم السلبية من العراق.
يعرض الكاتب كيف يستمر التحضير للانتخابات العراقية، ويحدث عن أخبار رغبة نسبة كبرى من العراقيين للمشاركة، متحدين الإرهاب الفاشي، البعثي الصدامي والقاعدي. ونعرف أن من حق الكاتب وصف جناة القاعدة الوافدين باسم الإسلام من الزرقاويين بالفاشية، وقرنهم بصداميي البعث، وكيف اتفق الطرفان على محاربة المشروع الديمقراطي في العراق. وبالأمس نشرت إيلاف نص بيان باسم حزب البعث بذات محتوى الرسالة المنسوبة للزرقاوي عن التصميم على الحرب على الانتخابات وعلى من يرشح نفسه، ومن يصوت، والموظفين المعينين لإجراء الانتخابات. وهذا البيان مجرد تذكير لمن يغالطون وينفون وجود بعثيين دمويين وراء سلسلة العمليات الدموية الجبانة.
ينتهي المقال بقوله:" إن ما يصدم هو أن قلة من الحكومات الديمقراطية تساند الشعب العراقي. أين الاحتجاجات الفرنسية والألمانية والإسبانية ضد الإرهاب الذي يتعرض له المصوتون في العراق؟ ومما يصدم أننا لا نجد في العالم إعجابا أكثر بالشعب العراقي، ومساعدة ودعما معنويين [ وغير معنويين]. أكثر." ويقول الكاتب إن الخيار واضح: فإما التقدم نحو الديمقراطية في العراق، وإما العَدَمية الفاشية.
إننا نعرف تماما المواقف العربية السائدة والمهيمنة بخصوص العراق على كل الأصعدة. وما يجمعها هو التشبث بعقلية الاستبداد، والرعب من الديمقراطية، والخراب الفكري والسياسي، وكراهية أمريكا، وهي مرض سماه المفكر العربي مأمون فندي بالمرض العربي الذي لا شفاء له. وقد كتبنا وغيرنا الكثير عن هذه المواقف العربية من العراق.
لكن كيف يتفق فيالشأن العراقي أن يلتقي التخلف الحضاري والرعب من الديمقراطية في العالم العربي بسلبية وعدم اكتراث عدد من الدول الديمقراطية العريقة في أوروبا؟ لماذا السكوت "الذهبي" لمنظمات حقوق الإنسان وغيرها، والأحزاب السياسية في هذه الدول المعنية وحكوماتهم، عن إدانة الجرائم الوحشية التي تقترف يوميا في العراق، والتي يعلن القتلة المجرمون عن هدفهم علنا وبلا خجل، وهو منع الانتخابات وتدميرها وقتل من يقومون بها؟ أين إذن هذا الحرص على المثل الديمقراطية؟ وأين الإعلان الدولي لحقوق الإنسان؟ وأين ميثاق الأمم المتحدة والسيد عنان؟
إن القاسم المشترك، وبرغم كل الاختلافات الكبرى والجوهرية، هو نفسه مرض كراهية أمريكا، أو "وسواس" العداء لها على حد تعبير المفكر الفرنسي الكبير، "جان فرانسوا ليفيل"، في كتابه اللامع، الصادر قبل عامين بالعنوان المار، وهو كتاب سوف نحاول تلخيص أهم فصوله في حلقات قريبا.
إن أوروبا، وبالأخص فرنسا، لم تنس أن موازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومته، قد تركا الباب مفتوحا لتصدر الولايات المتحدة مركز الصدارة، ليس فقط جراء قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وإنما أيضا بسبب الأخطاء الفادحة للعديد من الدول الأوروبية. وازدواجية دبلوماسيتها. واليسار الغربي خاصة قد ورث عن الحرب الباردة هذه الكراهية لكونه ضد اللبرالية، وهو يعتبر أمريكا رمزا لشر الرأسمالية اللبرالية. وهؤلاء الأوروبيون يرون كل ما تفعله أمريكا خطأ، وكل قضية لأمريكا دور فيها هي شر يجب توقيه. وهكذا نظروا للقضية العراقية قبل الحرب ولحد يومنا هذا، بل إن الكثيرين في أوروبا ليسوا فقط غير معنيين بمعاناة الشعب العراقي بسبب الإرهاب، بل ويتمنون فشل التجربة العراقية أصلا نكاية بأمريكا، وليعلنوا أنهم كانوا محقين وأمريكا كانت على خطأ.
أما عموم العرب والسلمين، فإن الكاتب الأمريكي "فريدمان" يخاطبهم في مقالة له بنيويورك تايمس كما يلي: " عاجل إلى العالم الإسلامي: لا نريد حبكم.. أحبوا أنفسكم أولا ..! [ انظر جريدة "الشرق الأوسط" عدد 17 يناير الجاري]. وبالطبع ليس في هذين العالمين، العربي والإسلامي، الكثير مما يصلح تقديمه كدروس لأمريكا والغرب! فليصلحوا أنفسهم أولا. في المقال نفسه يقول فريدمان:
" صحيح أن الانتخابات لن تغير العراق، أو المنطقة، بين عشية وضحاها، وصحيح أيضا أن توماس جيفرسون ليس بين المرشحين؛ ولكنها ستدشن ما سماه الخبير في شؤون العراق، إسحاق ناكاش، ـ " عملية سياسية تجري حصرا بواسطة العراقيين، ومن أجلهم" ـ"