817

يقال والعهدة على الراوي وهو صادق 100%: أن محمد علي باشا الكبير منـّور مصر الشقيقة في عصرها الحديث لم يكن يقرأ ولا يكتب ولم يكن لا من التكنوقرات ولا من الديموكرات لكنه وجد أن تطوير الدولة المصرية الحديثة يقتضي إرسال أول بعثة طلابية إلى فرنسا ليتعلموا ويدرسوا فيها كي يعودوا صالحين لبناء أسس دولة متطورة..!
وقد كان هذا الحاكم الأمي يخشى على الطلاب الموفدين من الانحراف أو الوقوع في أحضان الباريسيات ودروب " بيكَال " وغيرها من الطرقات والشئون اليومية الباريسية المغرية فقد قرر إن يرسل معهم وصحبتهم رجلاً من رجال الدين كي ينصحهم كل يوم ويقيم لهم الصلاة في القسم الداخلي ويعلمهم أصول العلوم الدينية خلال فترة تلقيهم العلوم الدنيوية..! كان اسم هذا الشخص: رفاعة الطهطاوي. رحمة الله عليه..!
رجع الطلاب الخمسون إلى مصر بعد إنهاء الدراسة، ساهموا في تشييد وتأسيس ما تحتاجه الدولة من قواعد البناء ، وماتوا جميعا ولم يبق لأي واحد منهم شيء يذكر رحمة الله عليهم..!
غير أن الذكر الطيب بقي وسيبقى إلى الأبد لشخص واحد منهم هو المدعو رفاعة الطهطاوي يذكره الناس المصريون والمسلمون المتنورون بالرحمة والتبجيل..!
فقد تعلم أصول الحياة الراقية وأسبابها في مجتمع أرقى من مجتمعه، درس القانون الفرنسي فتبين له بوضوح ماذا تعني الحرية والديمقراطية، وتعلم الفلسفة ونال شهادتها، وتعلم فنون الأدب فصار كاتبا مرموقا، وأتقن اللغة الفرنسية فصار مترجما بارعا، عاد إلى مصر بعد إكمال دراسته ليكون أعظم داعية للعلم والتنوير وبقي مؤمنا بوجود الله سبحانه وتعالى..!
لكنه لم يجد أن الدين يتنافى مع العلم، ولا العلمانية تتنافى مع الإسلام، ولم يتردد في كيل المديح للشعب الفرنسي الذي حقق عظمته في العلم والحرية..!
ومن العراق أيضا ذهب ألاف الطلاب والطالبات وهرب الآلاف من الأكاديميين والأكاديميات بفضل الدفع القسري والإرهابي الذي مارسه والي بغداد صدام حسين باشا إلى مختلف بقاع الدول الأوربية والأمريكية والكندية والأسيوية فنالوا تحصيهم العلمي والفلسفي والأدبي تماما كما فعل أصحاب المرحوم رفاعة الطهطاوي..!
وبعد سقوط باشا العراق حصل كثير من العلماء العائدين مع الاحتلال الأمريكي أو بعده على مناصب قيادية عليا في الدولة العراقية المؤقتة بعكس ما فعله الطهطاوي عندما رفض كل منصب وظل قاعدا في بيته ينشر النور من شبابيكه في أرجاء المجتمع المصري ..!
تالله.. ما أوسع رحمتك:
صار وزير كهرباء الجمهورية العراقية العائد من بلاد الكهرباء في القارة الأمريكية مهتما باستيرادفوانيس العهد العثماني لينير عقول أبناء الشعب.!
وصار وزير النفط ( الأول ) قادرا على جعل بلاد النفط عاجزة عن ملء الفوانيس بالنفط ، فاستورثه الوزير ( الثاني).!
وصار وزير الداخلية ( الأول ) مثل الوزير ( الثاني ) ومثل الوزير ( الثالث ) لا يعرفون لا (جك ) الخطط الأمنية ولا ( البكم ) فيها..!
وصار وزيرا الزراعة ( الأول والثاني )‏لا يعرفان معنى مشاريع حفظ البصمة الوراثية للتربة والمياه والحيوان والحبوب وإكثارها ونشرها بين عباد الله من الفلاحين‏ الفقراء المساكين..!
وصار وزير الصحة حفظه الله ورعاه يعرف جيدا مغذيات الدواجن المستوردة الفاسدة لكنه لايعرف أسباب انتشار الأورام الخبيثة وغير الخبيثة ولا أسباب الفشل الكبدي والكلوي المنتشرة في المستشفيات العراقية الفاسدة من أقصاها إلى أدناها..!
أما الوزيرات المؤقتات فقد صار الدود من أخطائهن يقتات..‍!
وصار .. وصار .. ما يشيب له شعر الولدان والنسوان..!
وتابعتُ كما تابع الملايين من أبناء الشعب حملات الشتائم بين (وزير) متعلم في لندن وبين (رئيس حزب) كان مقيما في لندن ورغم كل الشهادات الموثقة الموجودة في حقيبتيها إلاً أنهما عاقباها فرحلت عنهما تبحث عن من يحترمها..!
يبقي أن يكون القارئ حكما وفيصلا‏ فيما يبثه رئيس الوزراء ( اللندني الإقامة والثقافة ) من إعلانات الدعاية الانتخابية الباذخة في وطن الجوع والبطالة ليصيب مشاهديها بملل لما تحمله من وعود كلام فيه المرفوع منصوب والمجرور منصوب وحتى المنصوب غير منصوب ..!!
وفوق هذا وذاك بتنا نسمع أخبار "الرشوة" و"السرقات" لا نتذكر في الحياة غير بضعة أبيات قالها المرحوم الشاعر نجيب سرور لا أحفظها نصا بل معنى :
قد أخطئوا سر الإنسان
قالوا أن الإنسان حيوان ناطق
والأصلح أنه حيوان سارق
منذ البدء ضبطت الشرطة
آدم وحواء يسرقان تفاحة
هبط اللصوص إلى العالم
فإذا العالم وكر لصوص . .
كان الله في عونك يا شعب العراق بما تواجهه من مشكلات الأمن والسراق والراشين والمرتشين والاستقرار والحرية.. ونسأل الله أن يساعدنا بعد الثلاثين من " ينوري " الحالي في إغلاق ملف الحكومة المؤقتة إلى الأبد عسى أن يستلهم قادتنا المتعلمون من دعاء رفاعة الطهطاوي لنبدأ بفتح صفحات التغيير والتصحيح والإنقاذ ..!
والله هو المعين على حوار الصراعات " المؤقتة " في بلاد الرافدين..!

بصرة لاهاي