كان الشريف علي بن الحسين، الحالم بعرش العراق، يعيش مع عائلته في لندن عيشة هانئة وهادئة ومريحة، يعمل موظفاً صغيراً في أحد فروع مصرف كويتي، بعيداً عن مشاكل السياسة وصداعها. ولكن بعد غزو النظام البعثي- العبثي الإجرامي للكويت وتجاوزه للخطوط الحمراء المرسومة له من اللاعبين الكبار، وبزوغ الأمل في اقتراب نهايته، أوحت للشريف جماعة من العراقيين من بقايا النظام الملكي بأن يجرب حظه لوراثة العرش الذي تم إسقاطه على أيدي العراقيين بثورة 14 تموز 1958. ورغم إن تحقيق هذه الأمنية من سابع المستحيلات، إذ ليس في التاريخ الحديث أي نظام ملكي سقط وعاد بعثه ثانية، أفغانستان وبلغارياً مثالاً، والعراق ليس أقل رفضاً لعودة الملكية من هذين البلدين، ولكن أتباع الشريف يصرون على تحقيق معجزة عودة الملكية لغاية في نفس يعقوب، وهم يعرفون حق المعرفة أنه لا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

لقد راهن هؤلاء لعودة الملكية على استثمار ثلاثة أمور:
أولاً، الكوارث التي حلت بالعراق على يد النظام البعثي وأوعزوا بعناد شديد هذه الكوارث إلى طبيعة النظام الجمهوري وليس إلى طبيعة الحكم البعثي الفاشي. ثانيا، الاعتماد على التذكير بشخصية الملك فيصل الأول المعروف بالكارزماتية والكفاءة والحنكة السياسية ودوره المتميز مع الآخرين في بناء الدولة العراقية. إذ يحاول دعاة الملكية إقناع الناس بأن الشريف على هو نسخة من فيصل الأول، دون أن يذكروا شيئاً عن مظالم عبدالإله ونوري السعيد أو بهجت العطية. ثالثاً، التركيز على المظلومية التي لحقت بالملك الشاب المرحوم فيصل الثاني والعائلة المالكة يوم 14 تموز 1958، أي استغلال المأساة والمتاجرة بها لكسب عطف الشعب العراقي.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن إعادة نظام ملكي سقط قبل ما يقارب النصف قرن، وأكثر من 85% من الشعب ولدوا بعد ذلك التاريخ ولا يتذكرون عنه شيئاً، بالاعتماد على إثارة العواطف ولوم الحظ العاثر والشماتة بالشعب بأن الذي حصل له كان عقاباً من الله لعدم دفاعه عن الملكية أي ( لعنة إلهية- حوبة العائلة المالكة) وأن هذه اللعنة سوف لن ترفع عن الشعب العراقي ما لم يعاد النظام الملكي؟

فيما يخص العامل الأول، أي الكوارث التي حلت بالعراق في العهد البعثي البائد، فقد تعرضنا له بإسهاب في مقال لنا نشر بخمس حلقات بعنوان (لماذا لا يصلح النظام الملكي للعراق؟ ) ، نذكر الرابط في الهامش لمن يرغب العودة إلى المقال كاملاً.
أما العامل الثاني، أي كفاءة الملك فيصل الأول وحنكته السياسية، فلا ينكره أحد، ولكن الماضي لا يعود، ولنقولها بصراحة وإنصاف، لا يمكن تشبيه شخصية الشريف علي بشخصية فيصل الأول والفرق بينهما كالفرق بين الثرى والثريا. ففيصل الأول هو ابن الشريف حسين، شريف مكة وقائد الثورة العربية، حيث عركته الحياة ونشأ في ظروف قاسية وفي عائلة كان جل همها الاغتراف من منهل التراث العربي-الإسلامي وتعلم السياسة المعاصرة آنذاك، دراسة وممارسةً، وشارك مع والده في قيادة الثورة العربية على الإمبراطورية العثمانية، مستفيداً من مستشاره السياسي الإنكليزي تي ئي لورنس، المعروف ب لورنس العرب، والذي رافقه لفترة طويلة كظله، وخاض إلى جانب قوات الحلفاء معارك في الحرب العالمية الأولى في تحرير سوريا الكبرى من الاحتلال العثماني ونصب ملكاً على سوريا لمدة عامين كانت حافلة بالهزات العنيفة، وحضر المؤتمرات الدولية التي قررت مصير العالم ورسمت الخريطة السياسية للدول الحديثة وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، إلى أن اغتيلت المملكة السورية الفتية وطرد منها على أثر الزحف الفرنسي في واقعة ميسلون يوم 25 تموز 1920. وعليه فتعلم فيصل كثيراً من هذه التجارب المريرة، لذلك فعندما رشح إلى عرش العراق كان يمتلك خبرة لا تثمن اكتسبها من تجاربه الكثيرة وخاصة الفاشلة منها في سوريا، إضافة إلى شخصيته السياسية المتميزة بالفطرة.

أما الشريف علي، ومع احترامنا له، فجل خبرته لا تتعدى شهادة جامعية وعمل موظفاً صغيراً في بنك في لندن، فلم يخض أي تجربة سياسية، بل وحتى لغته العربية كانت ومازلت ركيكة، مما اضطر إلى أن يدخل دورة لتعلم اللغة العربية واللهجة العراقية بخاصة. فالرجل لا يعرف عن العراق شيئاً سوى تلهفه على أن يكون ملكاً عليه وكأن العراق صار مثل اليتيم الضائع الذي لا يعرف له أهل ولا تاريخ، بلد معروض للبيع في المزاد الدولي لكل من هب ودب، يبحث عن شخص لينقذه من هذه الكارثة ويستعيد العرش المفقود وكل الشروط المطلوبة في هذا الشخص أن يكون من الأسرة الهاشمية. فشعب العراق معروف بصولاته وجولاته، والكارثة التي يعيشها الآن ليست جديدة عليه ولا بد أن ينهض منها كما نهض من غيرها من قبل.
ورغم ما خاضه الشريف في العمل السياسي القليل في الفترة الأخيرة إلا إنه مازال لم يتعلم بما فيه الكفاية عن غابة السياسية الشائكة والملغومة والمزدحمة بالأفاعي والوحوش الكاسرة. فلم يعرف كيف يدير الأمور ولم يترك له صديقاً بين القوى السياسية العراقية، على عكس فيصل الأول الذي طرح نفسه كقاسم مشترك ومركز جذب لجميع الأطراف السياسية المتصارعة وأطياف المجتمع العراقي المختلفة. فالحكومة الحالية مؤلفة من ائتلاف القوى السياسية الرئيسية من مختلف القوميات والأديان والطوائف، إلا إن الشريف طعن بها جميعاً وقال عنها في صحيفة القبس: "إن الحكومة العراقية الحالية تسير على نهج النظام المقبور". وهذا يعني أنه شبه الحكومة بحكومة صدام حسين. والأحزاب المؤتلفة فيها تسير على نهج حزب البعث. حسناً، هل كان بإمكان الشريف أن يصرح بمثل هذا الكلام ضد النظام المقبور في عهد صدام حسين ويعود إلى العراق بكل حرية؟
يتباهى الشريف قائلاً: "نحن الطرف الوحيد الذي لا يزال لدينا مكتب مفتوح في الفلوجة في ظل جميع الأحداث التي صارت وعلاقاتنا وثيقة وعميقة مع جميع الاطراف هناك..." (القبس، 19/12/2004 ). وهذا يعني أنه كان على علاقة حسنة مع ما يسمى بالمقاومة المسلحة في الفلوجة، وإلا كيف نجى مكتبه من هذه المقاومة التي يشنها فلول صدام ويقودها الزرقاوي؟ وينتقد الحكومة لأنها تستخدم العنف ضد المقاومة المسلحة!! عجبي، إذنْ، كيف كان الشريف يتعامل مع الإرهاب لو كان هو على رأس السلطة؟ لا أعتقد أن لديه أي جواب، ولهذا السبب فضل الجلوس على التل ورفض المشاركة في الحكومة لكي يتمكن من توجيه اللوم على الآخرين بحرية وفق مقولة (الذين لا يعملون ينتقدون الذين يعملون). ونحن إذ نؤكد له أن الحكومة العراقية الحالية تعتبر مقصرة، لا لأنها تستخدم العنف ضد الإرهابيين، بل لأنها لا تستخدم العنف بما فيه الكفاية لمواجهتهم ودحرهم. فالإرهابيون لا يمكن دحرهم عن طريق استمالتهم واسترضائهم والخضوع لهم والاستجابة لمطالبهم، بل بسحقهم لأنهم غير قابلين للاستمالة والاسترضاء. ولو كانت الحكومة حقاً تسير على نهج النظام المقبور لقضت على الإرهاب في بضعة أيام ولما استطاع الشريف علي العودة إلى العراق بعد تهجمه عليها، كما كان شأنه أيام صدام حسين.

أما العامل الثالث وهو استغلال مأساة العائلة المالكة للكسب السياسي فنتائجه معكوسة في مثل هذه الحالة. لا شك إن قتل أفراد العائلة المالكة بتلك الطريقة الوحشية مأساة إنسانية وجريمة مدانة وفق جميع المعايير، ولكن المشكلة، وكما ذكرنا مراراً، أن الثورة هي "مهرجان المضطهدين" وتحصل أخطاء بل وهناك مكان للمجرمين ليقوموا بدورهم ويعيثوا في الأرض فساداً كما هو جار في العراق الآن. والثورة العراقية ليست الوحيدة بهذا الخصوص، بل حصلت الكوارث من هذا القبيل في جميع الثورات ودون استثناء، وليس هذا تبريراً لما حصل. فالثورة الفرنسية أرسلت أبو الكيمياء الحديثة العالم لافوازيه إلى المقصلة خطأً، ناهيك عن العائلة المالكة من آل بوربون. ولكن الشعب الفرنسي ما زال يحتفل بيوم سقوط الملكية وسقوط باستيل ويسمونه بيوم الحرية. أما الشماتة بأن قادة الثورة قتل بعضهم بعضاً، فهو الآخر ليس بالجديد على الثورات، وهناك مقولة (الثورة تأكل أبناءها). ومعظم قادة الثورة الفرنسية مثل ميرابو وروبسبير ذهبوا إلى المقصلة أيضاً. فهذا معروف عندما يكون التاريخ في أشد عربدته. وتاريخ العراق معروف بالعنف. فعبدالإله (الوصي) لم يكتف بإعدام العقيد صلاح الدين الصباغ، أحد قادة حركة مايس 1941، بل علق جثته أمام وزارة الدفاع وبصق عليها أمام الناس. ويقول حنا بطاطوا أنه منذ الانتقام من قادة حركة مايس حصل طلاق مؤبد بين القوميين العرب والعائلة المالكة الهاشمية. فماذا يتوقع المرء من الضباط القوميين أن يعاملوا عبدالإله ومن معه في تلك اللحظة الصاخبة عندما تنزفر لهم الفرصة؟

ومنذ تأسيس الحركة الملكية الدستورية، صار الهم الأول للشريف علي هو إقامة مجالس عزاء يوم 14 تموز من كل عام بمناسبة مقتل الملك الشاب فيصل الثاني ورفع صورته لأغراض سياسية ومعاداة عبدالكريم قاسم الذي يعتبر أنزه زعيم عرفه العراق في تاريخه الحديث، بذات الطريقة التي استغل بها معاوية الأموي مقتل عثمان واتخذ من قميصه رمزاً لإثارة العامة في شن الحرب على علي بن أبي طالب (ع) لغرض اغتصاب الخلافة من الإمام الشرعي. ولكن فات الشريف أن يدرك الفروق بين الظرفين. فلا هو يمتلك دهاء معاوية ولا الشعب العراقي في القرن الحادي والعشرين مثل أهل الشام في القرن السابع حيث استطاع معاوية خدعهم. فغاية الشريف علي معروفة من هذه المسرحية الفاشلة. كذلك يجب أن يكون الوريث للعرش هو من يقرب إلى الملك من جانب الأب وليس من جانب الأم. فالشريف علي هو ابن خالة الملك فيصل الثاني.

اللعنة الإلهية: المحزن أن الشماتة بمعاناة الشعب على يد البعث الفاشي لم تتوقف على دعاة الملكية، بل سرت عدواها إلى أناس كنا ومازلنا نتوسم فيهم الفكر التقدمي والنظرة الموضوعية العلمية في تفسير الأحداث التاريخية والكوارث الطبيعية. ولكن لا عجب، فالعراق يعيش الآن ظروفاً كارثية ويعيش حالة الانهيار الحضاري الذي ضرب القعر بسبب تسلط الآيديولوجية القومية العربية وخاصة بنسختها البعثية الهمجية المتخلفة على حكم الشعب لما يقارب الأربعة عقود. فالانهيار الحضاري دائماً يرافقه انهيار فكري وسياسي وأخلاقي واجتماعي واقتصادي وكل شيء في البلاد يعود القهقرى إلى القرون الغابرة. فالبعثيون الذين ادعوا أنهم يتحدثون باسم الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، قاموا بتفتيت الشعب العراقي وأعادوه إلى ما قبل مرحلة تكوين الشعوب، أي إلى مرحلة العشيرة والقبيلة. ولهذا نرى وزير الدفاع العراقي الحالي يهدد خصمه السياسي بمقاضاته عشائرياً وليس وفق معايير دولة القانون العصرية. فأية كارثة حضارية وفكرية يعيشها العراق اليوم؟ لذلك لا غرابة أن تظهر علينا "جهابذة الفكر" في هذا الزمن الرديء ليعودوا إلى الغيبيات ويعطوننا تفاسير خرافية لما يحصل من أحداث تاريخية وكوارث طبيعية.
فماركسيو الأمس تخلوا عن ماركس وانجلز وهيغل وإشايا برلين وغيرهم من الفلاسفة في التفسير المادي العلمي للأحداث تاريخية واعتمدوا على أحاديث الجدات والدراويش لإيجاد التفسير عن الظاهرة. فالجرائم التي أنزلها حكم البعث على الشعب العراقي كانت لعنة إلهية انتقاماً للعائلة المالكة أي (حوبة- كما نقول بالعراقي)!!
فبدلاً من إلقاء اللوم في الفساد المستشري على مظالم حكم البعث الذي قضى على شعور الانتماء إلى الوطن والدولة، يوعزون هذا الفساد إلى ثورة 14 تموز ويعتبرون هذا التفسير ربطاً منطقياً رغم مرور 42 عاماً على اغتيال الثورة. بينما يؤكد الواقع الذي عشناه ويدركه أبناء جيل 14 تموز 1958، أن الفساد الإداري كان مستشرياً في العهد الملكي بشكل طبيعي وعلني وقد اختفى تماماً في عهد حكومة ثورة 14 تموز، حتى إن دوائر الشرطة لم تسجل أية جريمة في العام الذي تلا الثورة. بل واستمر اختفاء الفساد الإداري والرشوة من دوائر الدولة لأكثر من عشرين عاماً بعد الثورة. فأين الربط المنطقي لهذا الفساد المستشري الآن بثورة 14 تموز؟ الحقيقة الناصعة تؤكد إن الفساد الحالي المستشري في كيان الدولة هو نتاج العشرين عاماً الأخيرة من حكم البعث الذي قضى على الولاء الوطني وفتت النسيج الاجتماعي وأنهى كل شعور بالمسؤولية وكرس الأنانية والذاتوبة والنهب والسلب من أعلى مسؤول إلى آخر زبال في الدولة.
إنهم يدافعون عن الفساد والاضطهاد والإستبداد في العهد الملكي ويوجدون له المبررات ويوعزونه إلى الحكم العثماني الذي سبقه، ولكنهم في نفس الوقت يرفضون رد فعل الشعب العراقي يوم 14 تموز على الفساد والاضطهاد والظلم في العهد الملكي. ولتبرير انقلابهم على الثورة التي رحبوا بها وباركوها بحماس وتنكروا لها اليوم، يحاول هؤلاء وبعد إجهاضها، تجريدها من كل منجزاتها وحسناتها ويدعون أن هذه المنجزات، بما فيها قانون الإصلاح الزراعي، كانت ضمن برنامج مجلس التخطيط في العهد الملكي!!! بينما أنصار الملكية اليوم يقولونها علناً أنهم سيلغون الإصلاح الزراعي ويعوضون الإقطاعيين!!!
يقول الإمام علي (ع) " إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره وإن أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه وأعارته مساوئ غيره". وهذا بالضبط ما يحاوله المفسرون الجدد فيما يخص ثورة 14 تموز.

وعودة هؤلاء إلى الغيبيات، كما ذكرنا، هي نتيجة للإحباط الذي عاشوه بسبب كوارث البعث وما حل بالعراق فيما بعد كامتداد للنظام الساقط والبلبلة الفكرية التي يعيشونها الآن، فراحوا يلقون باللائمة بمناسبة وبدونها على ثورة تموز. إذ يقول هؤلاء وبشكل جازم وكأنه حقائق غير قابلة للدحض، أن ما نزل من كوارث على الشعب العراقي هو عقاب من الله انتقاماً للعائلة المالكة. ولكن لماذا يعاقب الله، المعروف بالعدالة المطلقة، شعباً بكامله بجريرة مجموعة من العسكريين والسياسيين؟ والله تعالى نفسه يقول (لا تزر وازرة وزر أخرى)؟ وإذا كانت كل عقوبة تلحق بفئة من الناس هي لعنة لجريمة ارتكبتها تلك الفئة في الماضي و(حوبة) لفئة مظلومة، إذنْ فما ألحق بالعائلة المالكة من مأساة كان لعنة إلهية لها لجريمة ارتكبتها هذه العائلة من قبل ضد أناس آخرين. وإذا ما جارينا هذا المنطق، فكل كارثة تحل بشعب ما هي عملية انتقامية من الله لجريمة سابقة ارتكبها في الماضي إلى أن نصل إلى أبينا آدم.

كذلك، ما الاختلاف بين "جهابذة الفكر" في هذا الزمن الأغبر في تفسير الأحداث التاريخية بمنطق العجائز والدراويش وبين فقهاء الموت من مصدري فتاوى الإرهاب الذين قالوا أن الزلزال الآسيوي وضحايا السونامي كان غضباً من الله للانتقام من 4 آلاف سائح غربي على ذنوبهم؟ فأين العدالة الإلهية في هذه العقوبة؟ أمن العدالة والمنطق قتل 160 ألف مسلم اندونيسي ومائة ألف إنسان آخر من معتنقي الديانات الأخرى من الفقراء الآسيويين من أجل قتل أربعة آلاف سائح أوروبي وأمريكي؟ لا شك إن مفسري الأحداث التاريخية وفق مبدأ (اللعنة الإلهية) على الشعب العراقي يسخرون من الإسلاميين في تفسيرهم لظاهرة الزلزال الآسيوي، ولكن أليس هناك تشابه تام بين التفسيرين؟

خلاصة القول، في الوقت الذي نعذر فيه جداتنا والدراويش على تبنيهم التفاسير الغيبية والخراقية للأحداث التاريخية والظواهر الطبيعية، ولكن لا يمكن أن نقبل ذات التفاسير من مفكرين نتوسم فيهم الحداثة والفكر التنويري. فتبني هؤلاء عقلية العجائز والدراويش حقاً يبعث على الحزن والأسى وخيبة أمل ودليل على نجاح البعث الفاشي في تحقيق الانهيار الحضاري والتدهور الفكري إلى الحضيض.

نعود إلى الشريف علي وحلمه بعرش العراق. فاعتماد الشريف على استغلال مأساة العالة المالكة ورفع صورة المرحوم فيصل كقميص عثمان ومعاداة عبدالكريم قاسم، لن يعيد الملكية إلى العراق. والذين أوحوا له أن نسبة عالية من الشعب العراقي يريدون عودة الملكية خدعوه. إذ صرح الشريف لإحدى الصحف مرة أن نسبة المؤيدين من العراقيين لعودة النظام الملكي هي 69% ، ولما سئل عن المصدر، قال أن مركزاً خاصاً بالحركة الملكية الدستورية قام بذلك الاستطلاع. ومن هنا بطل العجب. فالمعروف أن الاستطلاع يجب أن تقوم به جهات محايدة ومعروفة بصدقيتها كما يجري في الغرب. أما أن تقوم جهة منحازة للحركة فماذا نتوقع أن تكون النتيجة غير ما يبهج ولي النعمة؟ فهذه الأرقام مشكوك بصحتها. والحقيقة كما ذكرها الأستاذ عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط إذ قال: (اما عودة الحكم الهاشمي الى العراق، فلم اسمع من عراقي واحد انه يصدقها، ولا اعتقد إن الشريف علي نفسه يصدقها...).

http://www.sotaliraq.com/abdulkhaliq.html