لا خلاص و لا تقدم للأمة بدون الديموقراطيا التي هي اشتراك و مشاركة الناس في عمليات اتخاذ القرارات؛ و لا ديموقراطيا بدون انتخابات يشارك فيها كل راشد و راشدة. نحن على وشك أن نلج باباً أمامياً من أبواب الديموقراطيا في المملكة العربية السعودية بعد بدء تسجيل الناخبين في قوائم الاقتراع و ذلك كخطوة تسبق عملية " التصويت " / " الاقتراع " للانتخاب المباشر للمجالس البلدية في 179 موقع " بلدي " [ إلى وقت قريب، كان مجموع البلديات 178 ، ثم زيد موقع و خصص للقطيف التي فصلت عن "أمانة مدينة الدمام" ] . وهذه المواقع الـ 179 تغطي 13 منطقة في أنحاء البلاد.

المقصود هنا بـ "الانتخابات البلدية"، في هذه المرحلة، أن سيبدأ هذا الإنجاز التاريخي بانتخاب فقط 2/1 أعضاء المجالس البلدية ..بدءاً بمنطقة " أمانة مدينة الرياض " في 10 من فبراير 2005م ..أي لانتخاب 7 أعضاء ..من مجموع 14 في عضوية المجلس هناك. و تختلف بالطبع أحجام المواقع البلدية من جهة لأخرى فلكل " منطقة بلدية " ذات مسمى "أمانة" ( مثل أمانة مدينة الرياض، أو " أمانة العاصمة " (مكة المكرمة )؛ فلكل " أمانة " مجلسٌ بلديٌ مكون من 14 مقعداً، ينتخب لـ 7 منها في كل " أمانة ") ، بينما في بقية " المدن " ..فان المقاعد الإجمالية لكل مجلس تنخفض إلى 12 (الأحساء)، ثم 10( القطيف ) ، ثم 8 ، ثم 6 ، ثم 4 ( الأخيرة في "المجمعات القروية" ) . و يتم انتخاب النصف في كل حالة و فئة. فمع قرب حلول ذلك اليوم الموعود ستبدأ الخطوة التاريخية التي طال انتظارها، ببدء تقليد " إبداء الرأي " المنظم؛ و تبدأ رسمياً أولى مراتب " المشاركة العامة المنظمة في اتخاذ القرار " ، ..و يبدأ إيلاج " البطاقة الانتخابية " في صندوق الاقتراع. و في ذلك اليوم سيبدأ اللحاق بالأمم المتقدمة اجتماعياً/ سياسياً، فنعطي الناس ..عموم الناس..حقهم الأزلي الأبدي في إبداء وجهة نظرهم..و في تحديد مناحي اختياراتهم..و في تقرير مصيرهم، و ذلك عن طريق التعبير المهذب المتحضر..و ذلك عن طريق بالتصويت في قوائم الكشوف، و ليس بالتصويب بالكلاشينكوف، و ليس بالتعبير البذيء المفسد عن طريق إشعال النيران في سيارات مفخخة انتحارية إرهابية في المجمعات السكنية الآمنة.

و بما أننا حديثو عهد بالديموقراطيا، فسنبدأ ارتقاء الدرجةَ الأولى من سُـلَّـمِها، فندخلُ بذلك " الصف الأول" في المرحلة الابتدائية الديموقراطية. فيلزمنا -لذلك- الكثير من التوعية في مجالات و مفاهيم و عمليات " الديموقراطيا" ، بدءاً بألـِفِها و حتى يائها. و حاجتنا هذه تشمل توعية المواطن " الناخب " / " المقترِع " ، ..و كذلك الشخص المتقدم للانتخاب، " المترشح " . بل سيكون من الضروري أن تشمل عمليات التوعية و التدريب أيضاً المسئولين من منظمي و منفذي عمليات الانتخاب برمتها، فهم أيضاً في حاجة إلى التدريب و التمرين و التوعية و التثقيف؛ فالكل هنا حديثُ عهدٍ بالديموقراطيا.

و لكن، أود هنا أن أسارع إلى تكرار إكباري و إعجابي باللائحة التي أصدرتها الدولة السعودية في يوم الاثنين 9 من أغسطس 2004م ؛ فلقد بدت اللائحة في غاية الجودة، و كانت في غاية التفصيل و التوضيح، بما شمل تعميم و شمولية أحقية " من لهم حق التصويت " ، فقد جاءت اللائحة واضحة و صريحة --بأن " كل مواطن " ، كل مواطن له حق التصويت.

كما قد ظهر في الأخبار ما يخلب البصر:أنه سيحق حتى للسجناء أن " يصوتوا " / " يقترعوا " . لا أظن أن أحداً في العالم قد سمع بأن " المساجين " يحق لهم التصويت،.. و في تخميني- لم يحدث مثل هذا حتى و لا في الدول الإسكندنافية! و هذه خطوة تسجل بمداد خاص لصالح الدولة. و اتبع سعادة اللواء علي محمد الحارثي قوله، و هو مدير عام السجون في المملكة، الذي أدلى بذلك التصريح الصحفي، و أضاف بأن " فرصة و حق التصويت مفتوحتان لكل فرد، بلا أي استثناء . " ثم جاء في تصريح السيد اللواء ما فاق كل التوقعات في تصوري، حين أضاف سعادته بأن " المساجين سيكون لهم حق الترشح للمقاعد الانتخابية [ أيضاً ] " إذا انطبقت عليهم متطلبات الترشح " . و ختم سعادة المدير العام اللواء تصريحه بأن: " كل سجين يتساوى مع أي مواطن آخر في مجال الحقوق والواجبات". ثم قرأنا عما جاء مفاجئاً، ..في شكل استبعاد العسكريين(..لا أدري لماذا ؟ ). وأيضاً، بعد مضي عدة شهور على إعلان إقرار مبدأ التصويت، صدر خبر مفاجئ مفاده أن أحقية " المواطن " في التصويت لن تشمل ( هذه المرة ) النساء. و كانت ثمة غرابة ثالثة..هي عدم أحقية " موظفي وزارة البلديات و الشئون القروية " في التصويت أيضا. ولكن، المهم الآن هو أن نبدأ.

ثم إنه مما "يثلج الصدر" حقاً.. أنـّا بدأنا نسمع ( حتى قبل انصرام النصف الأول من الشهر الذي أعلنت فيه اللائحة ) عن بدء تقاطر الراغبين في عدد من مدن المملكة.. في الترشح للمقاعد المعروضة للانتخاب. فلقد جاء ضِمن الراغبين، في مدينة مكة المكرمة مثلاً:الرئيس السابق لجامعة أم القرى، الدكتور راشد الراجح، و كذلك رجل الأعمال عبدالرحمان فقيه؛ كما قرأنا عن رجل أعمال رغب في الترشح لمقعد انتخابي في مدينة الرياض..فقام بالتعاقد مع مؤسسة للترويج الإعلامي، لإدارة حملته الانتخابية. و في هذا و ذاك إشارة واضحة عن تطلع الناس، و استبشارهم ببدء الانتخابات الديموقراطية في البلاد،..و أنهم يأخذونها مأخذ الاهتمام و الجد.

بدأت المرحلة الأولى من التسجيل للانتخاب –في منطقة الرياض (44 مركزاً انتخابياً ) لتكوين قوائم الاقتراع/ التصويت، لمدة شهر، ما بين 23 من نوفمبر إلى 22 من ديسمبر 2004م ؛ ثم القوائم النهائية في 2 من يناير، ثم فترة "الطعون والتظلم"، ثم القوائم النهائية" في 29 منه؛ ثم الحملة الانتخابية. لقد بلغ عدد المسجلين المنتظر أن يدلوا بأصواتهم في منطقة الرياض ما مجموعه 149417 ..منهم 86680 مسجلاً في الرياض، زائداً 73762 في المحافظات التابعة لـ"منطقة الرياض"؛ و بلغ عدد المترشحين قرابة الـ700 [=698] .. لشغل المقاعد الـ7 المنتظر شغلها كمقاعد "منتخبة". ومن هذه الأرقام، لا يسعنا إلا أن نلاحظ ونرصد بفيض من الدهشة العامرة الممزوجة بالفرحة الغامرة،أن المتقدمين للتنافس على المقاعد المعروضة للتصويت قد بلغوا ما معدله 100 لكل مقعد!!ويوم الانتخاب في منطقة الرياض هو 10 من فبراير 2005 م / غرة محرم 1426 هـ . و سيكون الانتخاب لفرصة واحدة،.. حيث أنه تقرر أن لا تـُجرى "جولة " / دورة ثانية للتصويت. أما في حالة تعادل الأصوات عند أعلى مترشحين، فسيتم الاختيار بينهما بطريقة القرعة.

ثم تأتي "المرحلة الثانية": في المنطقة الشرقية (منطقة القطيف و الأحساء..) و معها كذلك مناطق عسير، و نجران، و جيزان، و الباحة، ..فالتسجيل فيها هو كان ما بين 14 من ديسمبر 2004م ..و حتى 12 من يناير 2005م . و يوم الانتخاب هناك هو 3 من مارس .
ثم "المرحلة الثالثة " من عملية تسجيل الناخبين في مناطق مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والقصيم، وتبوك، وحائل، والجوف، والحدود الشمالية..وكل ذلك بعد انتهاء فترة الحج،.. ليستغرق التسجيل فترة شهر. ما بين 15 من فبراير إلى 16 من مارس. و يوم الانتخاب هناك هو 21 من إبريل.
و من الشروط الحالية للتسجيل: 1 ) بطاقة الهوية؛ 2 ) ذكورية المواطن؛ 3 ) سن 21 ؛ 4) تقديم ما يثبت الإقامة في المملكة ( في المنطقة التي سيقترع فيها ) كإبراز صك ملكية (أو عقد إجار) مسكنه؛ 5 ) كشف حساب الهاتف أو الكهرباء. [ وعلى هذا، يـُزودُ(الناخبُ المنتظر) ببطاقة هوية بلاستيكية.. يستعملها -مع إبراز بطاقة هويته- للإدلاء بصوته في يوم الانتخاب الموعود .]
و للمعلومية، فإن " سُلطات " المجلس البلدي [ --التي كان قد أقرها نظام البلديات والقرى الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/ 5 في 21/2/1397 هـ [= 11 من فبراير 1977م ] وفق المادة 23 منه-- ] تنص على أن للمجلس البلدي صلاحية اتخاذ القرارات في جميع المسائل المتعلقة بالبلدية طبقا للنظام .
وتتحدد " المسائل " البلدية في : إعداد مشروع ميزانية البلدية وإقرار مشروع الحساب الختامي بقصد رفعه للجهات المختصة؛ إعداد مشروع المخطط التنظيمي للبلديات بالاشتراك مع الجهات المعنية تمهيدا لاعتماده من وزير الشئون البلدية والقروية؛ وضع اللوائح التنفيذية الخاصة بالشروط التخطيطية والتنظيمية والفنية والواجب توافرها في المناطق العمرانية؛ اقتراح المشاريع العمرانية في البلدة؛ وضع اللوائح التنفيذية اللازمة لممارسة البلدية فيما يتعلق بالصحة والمباني والمرافق العامة؛ تحديد مقدار الرسوم والغرامات؛ مراقبة الإيرادات والمصروفات و إدارة أموال البلدية طبقا للأنظمة والتعليمات السارية وضمن الحدود المبينة في الإعانات الحكومية المختصة لها؛ مراقبة سير أعمال البلديات والعمل على رفع كفاءتها وحسن أدائها للخدمات؛ اقتراح مشاريع نزع الملكية للمنفعة العامة؛ عقد القروض من المؤسسات الحكومية المختصة؛ قبول الوصايا والهبات المتمشية مع الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة؛ تحديد أسعار الخدمات والموارد التي تقدمها البلدية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؛ و إبداء الرأي فيما يعرض على المجلس من قضايا.
و فيما يتصل بإحدى أساسيات الديموقراطيا، فإن من المكونات الأساسية لـ " المجتمع المدني " Non-Government Organizations [ NGO ’s] : 1. الجمعيات التعاونية؛ 2. الغرف التجارية-الصناعية وجماعات رجال –و سيدات- الأعمال؛ 3. النقابات المهنية ؛ 4. جماعات هيئات التدريس بالجامعات؛ 5. النوادي الرياضية والاجتماعية؛ 6. ؛ النقابات العمالية؛ مراكز الشباب والجماعات الطلابية؛ 7. المنظمات غير الحكومية " الضاغطة " والتنموية مثل جمعيات حقوق الإنسان؛ 8. الجماعات النسوية، و منتديات التنمية و جماعات حماية البيئة؛ 9. الصحافة و الإعلام والنشر الأهلية؛ 10. مراكز البحوث والدراسات والنوادي الثقافية.

وبعد، فنتطلع إلى أن ننمو في مضامير "المشاركة" وفي التعاون في تحمل أوزار المسئولية و الخدمة العامة، وأن نحقق ما أود تسميته ـِسمات و"أهداف الديموقراطيا السبعة": 1 . التعددية؛ 2. فصل و استقلال السلطات الثلاث؛ 3. تعزيز الحريات؛ 4. تنفيذ المواثيق الدولية برمتها، نصاً و روحاً؛ 5. الحفاظ على حقوق الإنسان، بما فيها حقوق المرأة في مختلف مناحي الحياة؛ 6. إشاعة التسامح و تحمل الرأي الآخر؛ 7. و ترسيخ العدالة الاجتماعية بعامة.

* يلاحظ القارئ الكريم أني أتهجأ كلمة " الديموقراطيا " ، هكذا بحرف الألف في آخرها.. و ليس كما أصبح معتاداً تهجئته بالتاء المربوطة؛..فإني أرى هجاءة " ديموقراطيا " على وزن "جغرافيا"، "جيولوجيا" ،سوسيولوجيا إلخ و أرى أن التاء المربوطة تخص استعمالها فقط حينما تأتي صفة لموصوف. في مثل: العملية الديموقراط ية . الخرائط الجغراف ية ،الطبقات الجيولوج ية، الدراسات السوسيولوج ية ..إلخ.

و كل انتخاب و انتم بخير!

كاتب المقال عميد سابق في جامعة البترول..(الظهران، السعودية.)

[email protected]