بعض العرب، عن قصد أو عن جهل، لا يعرفون من حقوق الإنسان إلا ما يرون فيه فائدة لأغراضهم السياسية أو الحزبية الضيقة، وحقهم في الدعاية لجماعاتهم وآرائهم ومعتقداتهم، وتجاهل حقوق الآخرين، وخاصة الشريحة الأوسع في المجتمع، بدعوى الأولوية، والعادات، والمفاهيم السائدة، وثوابت المجتمع.
إن ألف باء العمل في مجال حقوق الإنسان، أن يكون الناشطون في هذا الحقل على دراية تامة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأن يعرفوا بنوده، والمسائل التي تعالجها، وأن لا يتعاطوا السياسية، وأن لا يكون عملهم موجها لخدمة أهداف حزبية سياسية، فلا ينحازوا بالتالي لفئة دون أخرى، فيسخروا عملهم بكامله لخدمة أحزاب وآراء معينة! كأن يكون همهم الوحيد بعض المعتقلين هنا أو هناك، وبعض الممنوعين من السفر، فحقوق الإنسان ليست وقفا على فئة أو حزب أو طائفة أو جماعة دون أخرى، فكل الناس بحاجة لحماية ورعاية متكافئة، بل يجب أن يتوفر لهم ذلك، بغض النظر إن كانوا سياسيين أم غير سياسيين.
وقبل هذا وذاك، على الجماعات الناشطة في مجال حقوق الإنسان ألا تقف مع المنظمات الشمولية التي تتوهم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة، ومع الأنظمة الدكتاتورية، وخاصة التي ملأت سهول العراق وهضابه وقراه بالقتلى والمقابر الجماعية، ولم توفر حتى الأسلحة الكيميائية لإبادة معارضيها، أو من تشك بولائهم، أي، كان على هذه الجماعات ألا تذهب إلى بغداد قبيل الحرب الأمريكية على العراق بأيام معدودات، لتقدم ولائها ودعمها وتأييدها ومساندتها للطاغية صدام حسين، بدعوى باطلة، وهي أن ذهابها ومساندتها كانا لنصرة الشعب العراقي. وعلى هذه الجماعات أن تحترم القوميات الأخرى، وثقافاتها، ورغبات أبنائها، وألا تعتبرها قوميات تابعة، أو ثقافات من صنف أدنى، فتنكر عليها حقوقها.
إن من واجب العاملين في مجال حقوق الإنسان، احترام آراء الآخرين المختلفين معهم في الفكر، أو الرأي السياسي، لا تسفيهها، واحترام اختياراتهم، لا احتقارها، بل عليهم العمل على نشوء مناخ حرية مناسب لنمو هذه الآراء والأفكار المتعددة، وجو يتيح لأصحابها التعبير عنها بصدق، دون خوف أو وجل، فهم في نهاية الأمر - إن كانوا صادقين، أو كما يدعون- مدافعون عن حقوق الإنسان كما نص عليه الإعلان العالمي، مما يفرض عليهم ألا يكونوا انتقائيين في تعاملهم مع هذا الإعلان، وأن لا يكيلوا الاتهامات لغيرهم جزافا، فالليبرالية ليست خيانة لحقوق الإنسان، إن كانوا حريصين على هذه الحقوق، وليست خيانة للوطن أن كانوا حريصين على الوطن! خاصة وأن الوطن ليس ملكا لفئة دون أخرى.
(أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) هذا ما تذكرته من الأمثال ، بعد لقاء شاء العيد أن يدفعني إليه مع بعض القيادات المحلية لهذه الجماعات (الحقوقية)، وبعض جماعات المعارضة السياسية، باستثناء جماعات الإسلام السياسي، إلا إن كانوا يختبئون تحت عباءات أخرى، وقد يكون لي حديث آخر بهذا الخصوص.
المهم تذكرت هذا المثل، لأن الكثيرين من الناس، وخاصة من هم خارج البلاد، وبالأخص المنظمات الحقوقية العالمية، التي لا تعاني في الغرب مما نعاني، لأن الحريات العامة عندهم مصانة، (السياسية والفكرية والعقائدية والمدنية ... الخ)، والتي تتوهم أن جماعاتنا، جماعات حقوقية بمعنى الكلمة، تُعنى بحقوق الإنسان في العالم عامة، وفي بلدنا خاصة، وتدافع عن هذه الحقوق، ولا تعلم أنهم جماعات مُسيّسة، وفروع خلفية لأحزاب سياسية، لا يعنيها من حقوق الإنسان سوى حرية الحركة والدعاية لأعضاء جماعتها، وإن كنت لا أنكر، بل أؤكد هذا الحق، ولكن ليس للمشتغلين في السياسة دون غيرهم، بل لكل أطياف المجتمع وأبنائه من كتاب وشعراء ومفكرين وسياسيين ودينيين ولا دينيين وعامة الشعب أيضا، وخصوصا النساء وحقوقهن التي هي في الغالب الأعم مدنية لا سياسية، تبدأ من إجبار الفتيات منذ سن الطفولة على سلوك معين ولباس معين ليعتادوا عليه في الكبر. هذا إن كنا نتحدث عن حقوق الإنسان عامة، لا عن حقوق الناشطين السياسيين فقط، الذين لا يصل عددهم في أفضل وأحسن الأحوال إلى (نصف واحد بالألف- 005%) من مجموع السكان، خاصة وأن هذه الجماعات تدعي أنها منظمات حقوقية لا سياسية.
إن الاقتراب من هذه الجماعات، والاستماع إليها عن كثب سيكشف زيف وحجم هذا التوهم، فهؤلاء ضد كل من يصف أعمال الزرقاوي وأتباعه ومسانديه ومموليه، بالعمليات الإرهابية، ويتهمون كل من يعبر عن رأي مخالف لآرائهم بالعمالة والخيانة، وينكرون على الإنسان حقه في اعتناق ما يريد من العقائد، بحجة ظروف المجتمع، ورأي الأكثرية، وثوابت الأمة، ويعتبرون أن الزواج المدني غير ملائم لمفاهيم مجتمعاتنا وعاداتها، وإن هذه القضايا أشبه ما تكون بالترف الليبرالي، وليست بذات أهمية، لأنها ليست من (القضايا المصيرية)! متناسين واجبهم كحقوقيين في دعم هذه القضايا.
وكل هذا قد يهون مقابل قولهم أنهم لم يسمعوا بالمادة السادسة عشر، والمادة الثامنة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! ومع ذلك يسمون أنفسهم منظمات حقوق الإنسان!

[email protected]