لقد تجسدت خارطةعلاقات روسيا بالدول العربية في تصنيفهم الى معسكرين، الاول قريب جدا من موسكو، وتدرجه الدبلوماسية الروسية في اطار مصطلح علاقات الشراكة احينا الاستراتيجية( تبعا لكميات الاسلحة التي تستوردتها)، واخرى ترتبط معها موسكو بعلاقات طبيعية لاغير. ان قرب هذه الدولة العربية او تلك من روسيا يعود بالكثير الى قربها او بعدها من المحور الامريكي. فموسكو تدرك عدم جدوى اهدار الوقت والجهد على دول هي تقليديا في اطار المصالح الحيوية الاميركية .ومع ذلك فثمة اسئلة مشروعة بصدد ماذا تريد روسيا تحقيقة والوصول اليه من خلال علاقاتها بالدول العربية. وماذا يريد العرب من تلك العلاقات؟
ان الرئيس فلاديمير بوتين يواجه على الصعيد الداخلي، ضغوط معسكرين في علاقاته مع الدول العربية، والموقف من قضاياها الملحة. الاول من مستشاريه في الكرملين، الذين يلحون على ادارة الظهر للعالم العربي ووضع الرهان على دول اكثر برايهم مصداقية ومنفعة وثبات ووضوح في المصالح والاهداف بما في ذلك ايران واسرائيل والهند وغيرها، والاخر الذي يسيطر على وزارة الخارجية فانه يدعو الى ان تكون العلاقات بالدول العربية من بين الالويات الروسية لقربها من المنطقة وللعلاقات التاريخية وتشابه المصالح. ولكن التطورات تشير الى ارتكاز سياسة الكرملين ازاء العرب على التعادلية، التي تبقي على العلاقات مع العرب دون التضحية بالعلاقات مع الاخرين حتى من اعدائهم. بما في ذلك على صعيد الموقف من التسوية في النزاع في الشرق الاوسط وغيرها من المناطق. والمسالة الاهم من ذلك ان الكرملين الذي يضع في اولويات استراتيجيته اعادة الاعتبار لروسيا كدولة عظمى على الساحة الدولية، يرى ان احدى وسائل تحقيق هذا الهدف، بالاضافة الى المقدمات الداخلية، تتمثل باقامة عالم متعدد الاطراف يكون لها فيه مكانة مميزة.وهو بحاجة الى اطراف تكون روسيا مركزها. وفي هذا السياق نفسه شرعت موسكو باحياء العلاقات التي باتت وكان الزمن عفي عليها،مع الاصدقاء القدماء خاصة من تلك الدول التي بقيت خارج الاستراتيجية الاميركية والغربية، ومرة تدرجها واشنطن في قائمة الدول المنبوذة واخرى في قائمة محور الشر. ومعظم اصدقاء موسكوفي هذه اللائحة من الدول التي سببت لها المتاعب، فهناك ايران وكوريا الشمالية وبرامجهما النووية وفنزويلا ومفاجئات رئيسها وكوبا والمقاطعة الاميركية وبيلاروسيا والحُكم الغربي الصادر على رئيسها الكسندر لوكاشينكو بانه اخر دكتاتور في اوروبا، وجمهوريا اسيا الوسطى ذات الانظمة الاستبدادية وغيرها.
ان روسيا بحاجة الى هذه الدول التي من ضمنهم الاصدقاء من الدول العربية، كسوق وساحة لتوظيف استثمارات وتنفيذ مشاريع مشتركة واعدة، وتوظيف تلك العلاقات ليكون نفوذها عليها ورقة بيدها تعزز ادوارها على الساحة الدولية.ان العلاقات بهذه الدول وعلى خلفية التململ الاميركي منها، تمنح روسيا فرصة للايحاء باستقلالية سياستها الخارجية، وخلق الاطراف للاقطاب في النظام الدولي الجديد الذي تدعو الية لسحب البساط من تحت القطب الواحد ـ اميركا.
ولكن مدى قدرة روسيا حماية مصالحها، التي سترتبط بمصالح وامن تلك الدول، ام انها ستُهدر كما اُهدرت في العراق دون ان تحرك موسكو ساكنا او تبذل خطوة فعال لحمايتها، دون ان تكون "تابع" للدولة الكبرى الوحيدة في العالم. و وتشير الدلائل الى ان روسيا لاتضع في برامجها التورط في مجابهة لصالح الاصدقاء والحلفاء، وكل ما تقدمه هو وجهة نظر او موقف في مشاورات سرية ماوراء الكواليس، بل التطورات اثبتت انها غير قادرة حتى على استخدام حق النقض( الفيتو) المشروع في مجلس الامن لصالح اصدقائها.وهذا ما يجعل تلك الدول لاتنظر بجدية كافية لعلاقاتها بروسيا. ومن الواضح ان لروسيا في علاقاتها بما في ذلك مع الدول العربية خطوط حمراء لاتستطيع تجاوزها لذلك فانها سارعت على لسان مبار المسؤولين، الى تصحيح ما اعلنته اسرائيل عن استعدادها بيع صواريخ لاسرائيل، ولم تتحدث بلهجة الدولة القوية، بل راحت تقدم البرهان تلو الاخر عن انها لم تجر اية مباحثات بشان الصواريخ، وانها تأخذ بالاعتبار الوضع الاقليمي. وروسيا تعرف ان لدى اسرائيل اسلحة تفوق قدراتها صواريخ اسكندير وغير ها وان ذراعها طويلة، وتدرك ان الموضوع غير قابل للنقاش.
والسؤال الاخر عن ماذا يبغي العرب من العلاقات بروسيا. هل يرون فيها حليف استراتيجي وقطب يمكن الافادة منه لتقوية مكانتهم العالمية والاقليمية،ام شريك تجاري يتحدث عن قضاياهم التي لايسمحون احينا لانفسهم الخوض فيه. ان تفحص الموضوع يرشدنا الى حقيقة غياب استراتيجية عربية في الموقف من روسيا، ، وكيفية استثمار العلاقات مع موسكو لخدمة القضايا العربي والامن العربي. وترتبط الدول العربية بروسيا على الغالب بعلاقات ثنائية وكل دولة تبحث في العلاقات مع موسكو عن اهدافها الخاصة، فالجزائر والمغرب تريدان توظفيها لصالح مشكلة الصحراء والسودان لمشكلة دارفور والعراق وليبيا في وقت سابق لمشكلة رفع الحصار وسوريا لحمايتها من التهديدات الاميركية والتسوية العادلة. ان الدول العربية كانت وستظل لفترة طويلة تحتاج الى الاتفاق ولو على حطوط عامة لاستراتيجية تتعامل فيها مع المستجدات والثوابت على الساحة الدولية بما في ذلك مع روسيا والظهور بمظهر الكيان الاقليمي الواحد.
ان كل ذلك بشير الى ان الصخب الاعلامي سيرافق زيارة كل زعيم عربي لموسكو، والحديث عن نقلة نوعية وافاق استراتيجية جديدة سيظل للاستهلاك الاعلامي وتحقيق اهداف سياسية محلية او اقليمية، ولكن حقيقة العلاقات العربية ـ الروسية ستظل تتحرك في مجرى بطئ جدا، تحركه احينا العواصف التي تهب على شواطئه، قبل ان يكون لدى موسكو الشجاعة لتجاوز الخطوط الحمراء، والدول العربية استراتيجية موحدة للتعاومل مع دولة كبرى كروسيا.