"اريد ان ابقى في الذاكرات صديقا، اكثر مني شاعرا" (بورخس)

البتاوين - بغداد 24- 27 - 1ـ 2005

فيما انتِ غارقة في شجنكِ، وانا اتنقل بين عباراتكِ، مثل بلبل مشرد، عثر اخيرا على القفص الذي يغرد فيه، ويطير، ومن ثم... يعود اليه بالاعاجيب والاغاني والقصص - سندباد سومري جنوبي مخبولٌ بالمنسيات ـ وجدتُ نفسي لاتريد الموت على السرير، خاصة وان هناك فرصة اخرى لأن اموت حبا فيكِ، ولكن على ارصفة الشوارع الخلفية، وسيخلـّدني تاريخ العشاق المفلسين ويخلدك، ايتها المتوارية خلف الماسنجر، بانتظار أن احييكِ، مثل نبي مرتبك نزلت عليه الرسالة، ولم يفهم منها شيئا، لأن الملائكة، وهم ينقلون اليه البشارة تعّثروا بضحكتكِ " هههههههههه...ههههه " فكتبوا النار بدل الجنة، والعقاب بدل الثواب، فلم يعد يفرّق بين حواجبكِ واغنية " امحمد عيني امحمد "، وهاهو يغني ايات صفائكِ على شبكة النت، ايتها العراقية المجهولة: ايتها الام والاخت والحبيبة والصديقة والعشيقة، يامن بخل عليها الفن بتمثال نلوذ به، عندما يتعتعنا سُكر الوجد،او تهجرنا حبيباتنا، ايتها المطاردة بتهمة الحب من النظرة الاولى، لأنه من الكثير، في ايامنا الغبراء هذه، ان تنظري الى القمر بعينيكِ المجردتين : ياطفولتي، ياحبي..
اين كنتَ ؟ ينطلق سؤالك كالنسر، فأعيده اليك - اناالساحر - بهيئة روحك، ايتها الفراشة : كنتُ مع " كــلـّوش " و" كلـّوشه " وهما يتفقان على الزواج، وبحضوري انا الملاك المغبـّر، نتيجة الاجنحة التي ربطتيها على جسدي، مثل اي عباس فرناس، سقط بارادته " في هَوْلكِ في رَحابتكِ- ميشو "، راكعا امام جلالة ومضتكِ، يعتذر عنه كَتبة التاريخ المزوّر: بأن الشمس... بأن الريح.. : ترهات، واعذار، كاعذاري يوم نسيت ان اغنية "جاوين اهلنه " بصوتكِ لايساويها روعة - كما اتوقع - الا مشهد كلوش وكلوشه، وهما يتفاوضان بعد دمعتين، حول مسألة خطرة : من يتنازل عن دينه للاخر، فهي من دين، وهو من دين، فيتفقان اخيرا على ان يتـّبعا " دين عادل كمال " ولمـّا كان ديني العراق، فقد وافقتُ، مثلما وافقتُ ان اصب في صحنكِ دموعي وضحكاتي، يوم فتحتي باب الاغنية : " ليه خلتني احبك " فوقعتُ في حبكِ مغشيا عليّ،لآني رايتُ انسانكِ الداخلي مشعـّا، مفتوحا على معاينة شوارعي ودرابيني وازقتي المنسية، لأني رأيتكِ تضمّين الى حضنكِ الاقاصي، ايتها المولودة بقلب وائق من النصر - سركون بولص، وين صرتْ ؟!
ساشرح لكِ، على مهلكِ : اذ يجب ان اجدد لك قسم ولائي، قبل كل شىء :
احبكِ لازلتُ ـ اقسم لكِ بالعيد والمراجيح وبساط الريح، بالكعبة الكونية : اور، بسينما الاندلس في الناصرية، بديوان الريل وحمد، ببار انكيدو: بروحَي حامد الذيقاري وكريم القصاب : من شدة فرحهما برحيل الطاغية: يموتان بالسكتة القلبية - اقسم لكِ: بأغنية : " احميد يامصايب الله "، بسلطان النكتة : كاظم اعريبي، بالقديس امير الدراجي، بغزالة سركون بولص، بـ" ارتين" رينيه شار، بعباداتي للهادئَيَن العميقين : ناصرمؤنس، وهادي ياسين، بتقرير الى غريكو، وبتلك الساعة التي طردوني فيها مع عبد اللطيف الحرز من الواجهات، فالتقطتني الشوارع والازقة اسبح بحبكِ، من قبل ان احبك... وداعتج، وداعة داود امين..

أوه، هذا ايجاز في الحب، ايتها الزهرة، التي ازهرَ، من فرط عطرها، تشرد اخر، حتى صرت لا افرق بين الجوع في ايران وبين الجوع في الناصرية، لأنني من قبيلة السياب، ملفه الامني بيد الشوارع الخلفية، وملف :"............." في حماية الامم المتحدة، ووزارات الثقافة العربية، وبلابوش دنيا.. الله ايرحمك ابو كاطع، لو ما ادري خاف الجماعة قرروا ان الله ما يرحمك : طيب : هاك بوسه، ماعدنا بالشوارع الخلفية اكبر واجمل من البوسات.

اما الشرح: فأن" كلوش" اسم حركي، اطلقناه في الشوارع الخلفية، على زميلنا البدين صاحب الكرش، بعد ان حوّرنا اللفظ، فبدلا من" كرش " قلنا: " كلش " وبالتالي بدلا من "كرّوش" قلنا: " ـلـّوش" : " انزياح " امعائي، زحف على المعنى، فأحدث " خلخلة " طوبغرافية سالبة، هي من تداعيات تحوير اللفظ " تحرير " حين صار " احتلال ". بالمناسبة : العصرتجين على الماسنجر، لو لا ؟ تعالي : " اريد بوسه، لا اسوي هوسه " حسب تعبير " كلوش " عندما يغازل حبيبته، وهو تعبير يعكس المرح الداخلي، لهذا الرجل الطفل في كل شئ، على عكس " كلوشه " الهادئة، والمستقر فيها اعمق احزان الدنيا، من يوم التقيتها في " مشهد " الايرانية، وقد غدر بها الزمن، بعد ان تركها احد " المناضلين " وطار الى الخارج، زارعا في احشائها طفلة، ستولد في بيتي - القبو، لتشرب من صوت امها الشجي اعذب الاغاني : " يمته تسافر ياكمر واوصيك، والوادم الترضه النشد تدليك، كالولي نيتك صافية.." قصيدة زهير الدجيلي الهائلة.

كانت يسارية بائسة : بصراوية القلب والروح والنفس، ومعها كنت اغني : "غريبة الروح... غريبة من بعد عينج ييمه..": موكب من الحنين، سرعان مايذوب بين مواكب اخرى، ويتلاشى.. حتى جاء اليوم الذي غنى فيه بابلو نيرودا اغنيته اليائسة :" انها ساعة الرحيل، ايها المهجور، كالارصفة في الصباح " فتدبرت لها اشرف مهربي الشوارع الخلفية : صنـّاع تاريخنا المجهولين في المنافي، اوصلها الى العراق، وعاد بكلمة السر منها، دلالة على سلامة الوصول : " داد داد... يابغداد " الاغنية التي كتبتُ كلماتها، وغنيناها كيف نشاء، وكانت تلك تجربة في معالجة الحنين داخل الظلام الذي كنا نعيش فيه، اذ كنت - ولازلت - مولعا بكتابةالاغاني بالعامية، وكانت كلوشه تملك ذلك الالم الحقيقي العميق، هو حزن المعدان، الذي تعرف حنجرتها المذهلة كيف تتمرغ بين اطيانه، فتنطلق منها العاصفة المدومة،التي لاتترك حجرا في قيعان النفس، الا وزحزحزته من مكانه، تنطلق لتناجي وتكفر وتعبد وتحب وتكره : بانوراما الحياة العراقية، وهي تتقلب على مقلاة التاميم والجبهة الوطنية والحرب وانتفاضة اذار والمنفى الايراني، الذي يعد الاغنية، النابعة من القلب، فسقا، لأن القلب - حسب مواصفات الحكومة الاسمية هناك- ملك لآخر، يحتله غصبا عنك، هو الرب - حسبهم - الذي لاشأن له في هذا الكون، الا الاطلاع على حميمياتك، والتجسس عليك وانت تبكي على كلوشه، وهي تتقيأ احشائها كل يوم، وتلتهمها مرة اخرى، من اجل طفلتها اليتيمة، التي اخترتُ لها اسم : " ميس " تيمنا بـ " ميس الريم " فيروز، فأشرق وجهها - اقسم على ذلك - بنور جليل، ولم تتمالك فرحها، فغنـّت : " داد داد... يابغداد ـــ هم تنعادين وننعاد... "

اه، منك، ياغرامي الغريب.. تعرّفي، جيدا، على كائنك المحتل بجنونك و وجازة جمالك، الذي لم يعد يعترف باحتلال اولئك او تحرير هؤلاء، يضربني الحنين فــ... على مهلكِ، انت ازاء عاشق يفتقد عبارة : " الـ.... للحمير " التي كانت مكتوبة على الحيطان المواجهة لابواب الحانات، تلك التي بحثنا عنها انا وكلوش، فلم نجدها، مما حدى به لان يطرح سؤاله الفلسفي العميق والجارح : " لعد اني وانته وين انروح، او لسنا حميرا، في زمن الاوادم هذا ؟ "......آخ : لم اكن قد عرفت ان سكرتير المنظمة الفلانية قد اشترى شهادته من سوق الهرج بمئتي دولار، والا لقلت كلاما اخر، ولذلك فقد اجبت على تساؤله الحقيقي ذاك : " اه، كلوش. اعتقد ان الناس رفعوا العبارة، احتراما لاكبر حمارمزيف في الاسطبل الاميركي، الذي قرر حياتنا ومضى : بول برايمر.. "
قال كلوش : " يعني اشتقصد، شو كمت تحجي حجي مال ناس تفتهم ؟ " لااعرف هل اضحك من هذا الطفل، ام ابكي، فجازفت، فان فهمها فهمها والا فهي شقشقة : " اسمع كلوش :القضية أن الاميركان منعوا عبارة الـ... للحمير، حته اتيه فد مرة : اتيه عليك وعليه وعله كلوشه، والصداميين يريدون ايرجعون العبارة، حتى يرجع نفس الاسطبل... وكل هاي المشاكل : البطالة، الجوع، الموت.. كل هاي المشاكل اجت من وره مسح العبارة، الجماعة ايكتبونها بالليل، والاميركان ايمسحوها بالنهار : الله يستر من تاليهه.."
اقسم لكِ، ايتها الناصعة القلب، ان كلوش ما ان سمع جملتي الاخيرة، حتى سقط على الارض من شدة الضحك : " وك فد بوسه، وك والله..استادعادل انته اكبرقشمر خوش ولد بالدنية..الله: اموت عليك، ومن هذا كلوشه اتموت عليك " فطمأنته : " وهي ايضا مغرمة بك، ايها الشقي.." وغمزتُ له بحاجبي الايسر : نفس الحاجب الذي ما أن غمزتُ لكِ به في اخر مرة، وانتِ على الماسنجر، انقطع التيار الكهربائي، فلبثتُ قلقا حول مصير تلك " الغمزة " النادرة، ولازلت افكر فأنا لاامنح هذا الحنو لأي كان - صدقيني - لازلت افكر ان كانت " غمزتي " تلك قد لحقت ان تعبر جدار التابو بسرعة، لتنضم الى موكب العشاق، الذين يتبادلون الحب في الشوارع الخلفية لشبكة النت، حول العالم، رغما عن مهاترات الجلبي والشعلان، او انها وصلتكِ من طفل عجوز يهش الذباب عن الشمس الجميلة بغمزاته وضحكاته، فرفعتيها الى مقام حبكِ اللامتناهي..
سترين كم احبك، ايتها الناصعة، التي احبت عادل كمال بلامقدمات او رتوش : قلتِ : " احبك، احب جمال حزنك.." فألقى راياته ودرابينه وشوارعه امامكِ واستسلم، دون ان يحسب النتائج على قلبه المصدوع مرات ومرات، اذ لابد من جنون : خيط.. ولو من الجنون، جرعة منه كي نتمكن من الاستمرار في الحياة، كي يصبح - علىالاقل ـ تحول " التحرير " الى "احتلال" مستساغا، او" شاكر" الى كلوش، و"خالدة" الى كلوشه، وأنا الى " عادل كمال"، لابد ان نحيـّد المنطق، والا فان حياتنا ستبدو جحيما، تماما مثلما حين تدخل الفلاسفة والعلماء والمتكلمون في الفكرةالبدائية التي انطلق منها الشعر، فلم نعد من يومها بقادرين على كتابته على هوانا. هكذا الحب ايضا: ارجوكِ، لامسطرة ولاقلم ولانظريات : سمعنا فيروز تقول: " كل الابواب امسكّره، هيك الهوه ياامره " فصدقناها، لانها الاعرف كما نعتقد في هذا الفن. هكذا الحب في الشوارع الخلفية : الصاعقة تضرب القلب كله، دفعة واحدة، فنهيم على وجوههنا باحثين عن شبيهات حبيباتنا في اعلانات السينما : الممثلات، اللواتي نجابه عريهن على الشاشة، بحسرات تكسوهن الثياب الشبيهة بثيابك، وانت تمرين في الدربونة،تجرين ورائك مجرة من الخيال السحري الذي نادت به السريالية، تهون علينا زيف الشعارات المكتوبة على الحيطان وبدن السيارات، بدلا من عبارة " ال.. للحمير" او عبارة : " لاتتبعني.. مخطوبة " او " لاتسرع يابابا.."، او تسحبناـ المجرة ـ من دوامة القتل والموت المجاني، الى رحابة الحلم والاغنية والامل، فان اتفقنا وقفنا لك في " راس العكد" : تمرين فنسمعكِ جملة لطيفة : " لج عيني فدوه لهلطول " او سواها، ومن ثم كتبنا لك الرسائل والقصائد والاشعار، راسمين قلوبنا وقد نبتت عليها الدبابات الاميركية والسيارات المفخخة، فقد ولى زمن النبال، هذا ان وقعنا في اغنية الحب العميقة : " اتلولحي بروحي قصيدة.." اما اذا حدث الزعل وراح الوئام... فشدّوا روسكم ياكرعان.. اعرفي ان حربا كونية على وشك الحدوث : خرجنا عن بكرة ابينا الى البارات : سكرنا وبكينا: مزقنا قمصاننا ولطمنا : تمرغنا بالحزن.. يوم او يومين او شهرين او سنتين.. ثم فجأة، وقعنا في الحب من جديد، او.. تلاشينا في موكب الحياة الهادر، مثل نيزك يتآكل وهو يمضي صوب مصيره، ها.. ماذا تقول ابراهيم المصري : ".. تنطيني بوسه، لو اسوي هوسه ؟ "

اخ اخ اخ، كان ممكنا ان يكون هذا التقرير عنها، تلك....،التي تخلت عن بسالتها في بلاد الاخرين، فنسيت ان الرقيب الايراني سجنني لمدة طويلة، وهو يسمعني، في التحقيق، مكالمة هاتفية عن حي سوهو، الذي وعدتني ان تلتقط صورة فيه وتبعثها لي، حين شيعتها بدموعي وحسراتي الى الطائرة، لكنها ما ان وصلت ماعت، فيما احتفظت بوعدي، بعد سقوط صدام، وتحديت الموت، داخلا الى البتاوين، لاكتب يوميات مدينة افترشت ارصفتها العاهرات والقوادات ـ كانت في جيبي رواية " كان كان العوّام " ـ : صورة لحي سوهو الاحتلال.. للتاريخ، يمرح به الاشقاء العرب والكرد والابالسة والترياق الايراني ومخابرات شعوب الارض قاطبة...، حيث سالتقي " كلوشه " وهي تعمل " منظفة " في احد الفنادق : انه من العار عليك، ايتها الحياة،ان تعمل كلوشه خادمة في الفنادق، فيما..... لكنه من الجمال ياحبيبتي - هنا يصير الفن عزاءا- ان يكون لقائنا، انا وكلوشه، مثل حبيبن عاشقين، فتقفز وتتعلق بهامتي : نجلس مثل طفلين على الرصيف، محتفلين بذهاب الفاشية لوحدنا. نغني : " داد داد.. يابغداد ـ صارت صدك وابنج عاد..." : ضحايا كآبة غرامية، كتلك التي كان يشيعها- وان ببهجة - شارلي شابلن، ومن ثم ستأخذني - كلوشه - لأتعرف على فارسها الشهم كلوش، الذي قررت ان ترتبط به رغما عن كل شىء !!!
ايتها الجمرة، لاترفعي حاجبيكِ مثل غيمتين ثقيلتين، فانا على هوى شاكرالسماوي : " كلبي كاغد وجاسه الماي كلبي.." او على مذهب بول ايلوار : " من يمنحني الشجاعة، كي انظر الى قلبي بدون اشمئزاز " لاتحزني من اجلي، هذا انا ببساطة، عاريا لكن بكامل الحشمة واللياقة : انه الغرام، عندما في الشوارع الخلفية، يجمع بين كائنات هامشية، تمر امام العين ولانراها، لانا مأخوذين دائما بالنجوم واقدامنا في الوحل - اللورد بايرون. وعلى مهلكِ فليس " كلوش " بأي عابر على المشهد اليومي : انه العابر الخاص : الشخصية وهي تعطي للمسرح معنى الحضور، فاذا كنتِ قد شاهدتِ مسلسل " ارابسيك " لاسامة انور عكاشة، لايمكن ان تنسي شخصية " رويتر " الهامشية لكن الخاصة، وكلوش يشبهه، انما بمواصفات الشوارع الخلفية العراقية، حيث تنتشر وكالات انباء كثيرة، اشهرها : " وكالة انباء كالو " التي تبث اخبارا ودعايات، لم يعرف حتى عادل كمال مالكها الشرعي : الارجح انها ملك عام : الفوضى الضرورية لمجابهات سرية مجهولة السبب، بين منتجين ومستهلكين في غاية الغموض، ربما ذلك كله لقتل الوقت، او ربما.. هو الاستعداد لقتال او مجابهات قادمة، كتلك التي تعد لها بعض الجهات الحزبية، بعد الانتخابات، حسب وكالة انباء كالو..

كلوش اذن " نجم " على طريقته الخاصة، فهو وارث هواية غريبة : مهنة عجيبة : " جفجير البلد" الذي لايفوته شئ في المنطقة او في المحلة او في البلد: يخبطها ويشرب صافيها، فهو الذي بامكانكِ - جفجير البلد - ان تعتمديه اذا اردتِ السؤال عني مثلا : سيقول لك كل فضائحي، وتاريخي الاسود، او ان اردتِ ان تبحثي عن غرفة للايجار : شقة، بيت.. وهو ايضا يعرف الاخبار : اخبار الساسة، اللصوص، العشاق.. وفوق كل هذه المزايا، يملك كلوش موهبة الصوت الشجي، الذي يؤدي جميع الاغاني القديمة او الحديثة وحسب الطلب، وهو ما دفعه الى ان يطلب مني ترقيته الى ان يكون القمر الاصطناعي للشوارع الخلفية، فصار اسمه : " كلوش سات " على غرار " عرب سات " و" نايل سايت " وباقي الاخوة الاعداء.
انه التطور ياحبيبتي، او انه " التحول الكلوشي " في زمن الدمع الخابط، يصب في راحة ايدينا كل صباح حشرجات المذبوحين، برعاية اقمارالواجهات الصناعية، فيما قمرنا "كلوش سات" يبث صورا غاية بالعذوبة مرة، ومرات يبث نكاتا غاية باالدعابة والسخرية والتهكم : " يقولون ان معارضا لصدام وقع في غرام امرأة، فاراد خطبتها :
هو : اريد اخطبج من الوالد.
هي : والدي ايريد سيارة.
هو : مو مشكلة، باجر انسوي انقلاب على صدام، واجيبلج سيارة من سيارات عدي.
هي : طيب.. الوالد ايريد قصر.
هو : هم مو مشكلة : باجر اخذلج قصر من قصور سجوده.
هي : اذا انته هيج كدهه : بابا ايدور على شغل..
هو : هاي سهله : باجر انسوي انقلاب على صدام، واشغل ابوج رئيس جمهورية.. "

او هو - كلوش سات - الرافد الثقافي الذي كان مغيبا : " النخبوي الضائع " من هامشيي التقافة : الشعراء الرافضة للزيف والتهريج الاعلامي، رسامو الارصفة : مطربو البارات السرية - اندر كراوند- نقاد المقاهي البعيدة عن الاضواء والمراكز : الوراقون، كتـّاب رسائل الجنود في الثكنات، صانعو الطائرات الورقية ولعب الاطفال : الحبيبات اللواتي، الخالقات المجيدات، يحولن اوراق قصائدنا الى مراكب وسفن وزوارق، وهواة تأليف النكات والقفشات : المجهولون الذين يضفون البهجة على ارواحنا، رغما عن غربان الساسة واللطميات..
يصيح احدهم على كلوش : " اريد اغنية دارت الايام بطور داخل حسن " فيأتيه الرد صاعقا : " داخل حسن يسوه راسك، بس ميخالف، راح اغنيلك : اشدعوه عيني اشدعوه - هذا حزب لو كهوه.. لأن انته ذوق منفست - يقصد سيئ الذوق "
فنغرق بالضحك، فيما يطل براسه الى الشارع، كي يرصد " الاعداء " : اعدائنا الجدد، المحتمل ان يكتشفوا هذا البار السري، الذي نروده، في كل وقت، من اجل نعمة مشاهدة كلوش، وهو يقدم نشرة اخباره الطازجة :
" اسمعوا : وصل سعر شراء البطاقة الانتخابية في منطقة الشعب 160الف دينار للراس الواحد، اما في الحرية، فوصل السعر نفس السعر بفارق خمسة الاف زيادة.. هذا وقد افاد مراسنا عادل كمال ان سعرها في الناصرية قد وصل الى 150دولار وبرميلين نفط.." ثم يعقب عليها : " اسمعوا رأي الاذاعة : هاي الفلوس مال حرام، يعني حته لو تشربون بيها عرك ما تسكرون.."

نعم. سينما سكوب، وبالالوان - مرحى سعد سلمان - والدخول اليها خاص. اسأله : لماذا ؟ فيفاجئني : " هسه احنه عدنه بث تجريبي.." وطبعا هو يتلافى ان يقول ما تداولناه من قبل، حول المضايقات الدموية لبعض الجماعات الاصولية، ولذلك فهو يستقبل زبائن موثوق بهم، هادئين ولا يثيرون المشاكل : اخوة سرية من نوع خاص، ضرورية في زمن قاتم، خاصة وان هذا الانسان - ايتها الانسانة الرائعة - يقدم خدماته بروح عراقية اصيلة : " وردنا مايلي : توجد عصابة تسليب في الباب الشرقي.. " ويعطي اوصافها ثم يقول : " العنده شغل اهناك، خل يخلي افلوسه يمي.. وشوكت مايجي ياخذهن "
هكذا كلما زلزلني افلاس في بغداد، تدبرت امري ومضيت صوبه : " هلو ابو البلاوي.. سمعت الحكومة نزلت عملة معدنية بالسوك، تعرف ليش ؟ " فاتوقع منه مقلبا : " ليش..؟ " يهز يديه، ويطلق صاعقته :" حته الناس تلعب طره كتبه على القوائم الانتخابية.. " فأصيح به : " وك بوسه.. " فيرد علي ّ بحزن : " ماتسوه بعد.. صارت هوسه ".. فافهم عندئذ ان طقسه الغرامي ملبد بالغيوم. اساله : " يبيـّن الدنية امغيمه ؟ ".. يقوم : ينظر الى الشارع : " خالدة ما تقبل نتزوج، تكول وره الانتخابات، واني راكب راسي : الا اتزوج يوم الانتخابات.." يضرب الطاولة بكفه، فينكفأ الماء على قدميه، وبحركة عفوية يمد يده الى الاسفل، فيرتطم رأسه بحافة الطاولة، يمسك رأسه من الالم ويصرخ : " مادام هيج.. الا اتزوج يوم الانتخابات وشيصير خل ايصير..."
استفزه بالضحك، فينجن : " شكو عليك.. عندك الف صديقه، واني بس كلوشه، وفوكها امتنكه.."

نسيت ان اقول لكِ : ان خالدة قبلت باسمها الحركي الجديد : " كلوشة "، بناءا على انها قد اصبحت شريكة كلوش- اي شاكر- في هذا الارث الذي يسمونه الحب، ولم تتضايق ابدا منه، بل على العكس كنت اشعرها مغبوطة اذا ناديتها بهذا الاسم : اه، يا الهي هذه المراة الاربعينية، عادت الى الوراء، ما ان مسها الغرام بسحره، فاصبحت طفلة مجنونة، سعيدة، وكأنها مامرت بكل تلك المرارات : هاهي تتزين، وبجمال وعذوبة، تقرا علي قصيدة شاكر السماوي " مواعيد فليحة " : تضحك، وكأنها تريد استفزازي : "... كالت الصورة بفليحة : اني حلوه ؟ - ما اكلج انتي حلوه - بس اكلج انتي متروسه حلاوه.." تتوقف، تنظر الي : " عادل..... اغمزلك ؟ " فارفع يدي مهددا لها، فتلح : " فدوه عادل.. اني حلوه ؟ ". ياالهي اليس من المعجزات ان يستمر الغرام والحب والعشق في الشوارع الخلفية، رغما عن البؤس والخراب والحرب والموت : ان ترسل خالدة شعرها الابيض الطويل على كتفيها : اغنية انسانية عذبة، بيضاء.. تدثرنا نحن اشقاء الهزائم - عقيل علي، بالنور والثلج، والاهم بالجدوى من وجودنا في زمن يابس كالقش..؟
بكلمتين جميليتين تفاهمت معها ومعه : فاتفقا على ان يتزوجا في اليوم الذي حدده شاكر : يوم الانتخابات، اما لماذا فلأنه لايملك مايكفي لأن يصرف على مراسم الزواج والمهنئين، كما انه يريد ان لايعرف احد بزواجه غير الاقربين : " بوسه منك كافيه..
احسن هديه، عادل.. احنه نعرف ظروفك "
افترقنا، ولدى الباب، القيت على خالدة، اه.. خالدتي، القيت نظرتي الاخيرة، قبل ان تلتحق بموكب البشر الفانين، فقد بدى لي انها ستفقد رغبتها في الغناء، او ان حماسها سيخفت حتما : اننا بشكل عام، نحب الابطال السينمائيين والروائيين، ونتعاطف معهم لكننا لانتعاطف مع امثالهم القريبين منا، نزدريهم.. وفي افضل الاحيان نمر بهم عابرين : كلوش وكلوشه، من هؤلاء الابطال في الشوارع الخلفية،الذين حاول هذا التقرير ان يحتفي بهم، تحيةَ لحبكِ لي ياخالدتي الجديدة، وسواهم في الحياة كثيرون.. حبي لك ايتها الاميرة، لايختلف عن حبي لهم، فلنعد ونواصل الغناء:
انطيني بوسه..لا اسوي هوسه..

[email protected]
[email protected]