"قرار الاصلاح انطلق ولن يتوقف" (عمرو موسى)

وزراء الخارجية اقروا تأسيس البرلمان العربي الموحد
وصلتنا الاخبار قبل اسبوع والعرب في زحمة مشكلاتهم ومعضلاتهم الداخلية، بأن وزراء الخارجية العرب قد أقروا في اجتماعهم الاستثنائي في القاهرة قبل ايام انشاء برلمان عربي موحد، واحالوا المشروع الى القمة العربية التي ستعقد في الجزائر في 22 اذار المقبل. وجاء اقرار مشروع البرلمان العربي الموحد ومقره دمشق ليجنب فشل الاجتماع بعد الاجواء التي سادت الاجتماع قبل التوّصل الى اي نتيجة! وكانت الجزائر قد طرحت مشروعها الاصلاحي الذي يقضي بالتناوب على منصب امين عام الجامعة من قبل الدول الاعضاء، مما أثار استياء السيد عمرو موسى الامين العام للجامعة الذي قال في مؤتمر صحافي في ختام اعمال الدورة الاستثنائية لمجلس الجامعة المخصصة لاصلاح الجامعة، بأن " قطار الاصلاح انطلق ولن يتوقف "! مؤكدا ان الوزراء اقروا مشروع انشاء برلمان عربي وسيحال الى القمة. وقال دبلوماسيون شاركوا في الاجتماع ان مشروع البرلمان العربي ومقره دمشق، يتكون من 12 مادة، وسيكون جهازا من اجهزة الجامعة العربية الرئيسية على ان يقوم بوضع نظامه الاساسي برلمان انتقالي تبلغ مدة انعقاده خمس سنوات. وسيضم البرلمان العربي الانتقالي، وفقا لهذا المشروع، اربعة من كل دولة عضو تقوم بانتخابهم البرلمانات المحلية وستكون له موازنة مستقلة تتوزع مساهمات الدول الاعضاء فيها طبقا لنسب مساهماتها في موازنة الجامعة. وسيكون للبرلمان امين عام ويعقد دورتين كل سنة ويختص بمناقشة المسائل المنصوص عليها في ميثاق الجامعة والاوضاع والتطورات السياسية في المنطقة العربية والمخاطر الناجمة عنها وتأثيراتها على الامن القومي العربي. وقال موسى هناك مشروعان يتعلقان بتنفيذ القرارات وقواعد التصويت حالت صعوبات دون اقرارها وان لجنة ستشكل وستعمل على وجه السرعة لتعديل هذين المشروعين لعرضهما على اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسبق القمة مباشرة حتى يتسنى التوافق حولهما واحالتهما الى القادة العرب. واوضح موسى، قائلا: " ان المشروعين يتضمنان انشاء محكمة عدل عربية ومجلس امن عربي بحاجة الى مزيد من العمل لأن هناك اقتراحات طرأت بشأنهما في وقت متأخر ". وهنا نسأل: كيف انطلق قرار الاصلاح ولن يتوقف يا اخ عمرو موسى؟؟ هل نحن من السذاجة بمكان تصديق هذه الشعارات العربية الجديدة؟ هل سمع احد من العرب بمثل هذه الانطلاقة ام انهم مشغولون بامور أخرى؟

لماذا نضحك على انفسنا ايها العرب؟
نعم، لماذا نضحك على انفسنا ايها العرب؟ ولماذا نصّر على جعل انفسنا في مصاف الاوربيين الذين اسسّوا لهم برلمانهم الاوربي ام حتى في مصاف الاسيويين في جنوب شرق آسيا الذين اوجدوا لهم كتلتهم الاقتصادية القوية؟ لقد أعاد علينا الاخ السيد عمرو موسى اسطوانة تأسيس البرلمان العربي كجزء من نظريته في الاصلاح العربي ولا ادري هل كان وزراء الخارجية العرب مؤمنين حقا بما وقعّوا عليه، ام انهم ارادوا الخروج من مشكلة ومسألة الاصلاح بهذه الفكرة الجديدة التي لا ادري كيف يمكن تنفيذها في هذه الظروف التي تتطلب من كل حكومة عربية ان تعالج اوضاعها، فالمشكلة الاساسية ليست في العرب مجتمعين بمؤسسة واحدة تتطلب الملايين من اجل الانفاق عليها من دون اي معالجات حقيقية لما يعانية العرب في بلدانهم، ففي كل بلد عربي جملة هائلة من المشكلات الداخلية الصعبة التي لا يمكن لأي برلمان عربي من حلها ابدا .. وكم ناشدنا وكتبنا نحن ثلة من الكتاب والمراقبين بأن جامعة الدول العربية هي نفسها مترهلة وميئوس تماما من علاجها، فهي تعاني صعوبات كبيرة، وانها بحاجة الى تغييرات جذرية تتزامن حقا مع تغييرات كبرى في حياة الدول العربية قاطبة.
ويبدو ان الرجل قد احرق كل ما لديه من اوراق، ولم يعد يفّكر وليست لدبه القدرة على استيعاب التحولات السريعة.. فضلا عن كونه لم يعد يستمع لمن ينصحه خصوصا وان مؤسسته التي لم تزل مترهلة وتعاني من معضلات لا اول لها ولا آخر.. فكيف بنا نحمّلها بناء مؤسسات كبرى أخرى مثل تأسيس برلمان عربي او محكمة عدل عربية او مجلس امن عربي.. ام اجهزة اخرى، واجهزتها الحالية تعاني من الشلل والتردّي؟ بل وكيف نتحدث عن اصلاحات في جامعة الدول العربية، وكأن مشاكل العرب ستحلّ جميعا من خلالها؟ ان الجامعة هي انعكاس للاوضاع التي يعيشها العرب دولا ومجتمعات، وليس العكس. هل وصلت بنا السذاجة الى ان نوهم الاجيال الجديدة بشعارات واوهام تتبناها مؤسسات يصرف عليها الملايين بحجة اصلاحات داخلية! هل هذه هي الاصلاحات الداخلية ايتها الحكومات العربية التي تطالب بها النخب العربية المفكرة والحرة والتي تتطلع الى احداث التغييرات في كل البنيويات الاساسية الداخلية السياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية والاعلامية قبل ان نتبنى بضعة افكار مستهلكة ومشروعات عفا عليها الزمن يقدمها الاخ عمرو موسى او غيره من بقايا ومخلفات القرن العشرين!

هل اصبحنا كالاوربيين حتى نجاريهم في برلمانهم؟
نعم، متى اصبح العرب في بلدانهم كالاوربيين الذين لهم دولهم ومؤسساتهم واجهزتهم وتحكمهم علاقات تعبوا عليها مراحل طوال من الزمن حتى ينتجوا مؤسساتهم في ظروف دولية وتاريخية معروفة لكل الاذكياء؟؟ متى اصبحنا ايها العرب شعوبا وحكومات كالاوربيين في بناء مؤسساتهم على الشفافية والشراكة والتوافقية والمصالح التاريخية والقارية والاقتصادية حتى يمكننا ان ننجح في بناء ما نحلم به من مؤسسات قوية ونافذة ولها توافقيتها على المصالح المشتركة؟ ان التكتلات الكبرى في العالم سواء الاتحاد الاوربي او كتلة الاسيان في جنوب شرق آسيا او كتلة النافتا للامريكتين قد انبثقت جميعا من خلال العمل على بناء المصالح الاقتصادية وتطويرها الى الحالة التوافقية في اجتماعاتهم او برلماناتهم او منتدياتهم.. لا من خلال اصلاحات تمزقاتهم كما هي عند العرب.. فهل يمكننا ان نستفيد من تجارب غيرنا ولو قليلا؟ الا يكفينا من (مؤسسات ) عربية هشة وضعيفة ومحتضرة، لن تستطيع ابدا اتخاذ مواقف جماعية ولا قرارات موحدة؟ الا يكفينا ( مؤسسات شكلية ) يصرف عليها الملايين، وهي لن تقوى على مجابهة متغيرات الحياة المعاصرة، وهي لا تقوى أيضا على مجابهة التحولات العربية الجديدة التي ستمس مصالح الاجيال الثلاثة الجديدة في القرن الواحد والعشرين؟ الا تعتقدون بأن مؤسسات عربية جديدة بحاجة الى ظروف ملائمة وتوافقيات حضارية وشراكات اقتصادية والاهم من كل هذا وذاك انها بأمس الحاجة الى عقليات جديدة بمقدورها استيعابها والتعامل معها من اجل ان يكسب العرب ولو جولة واحدة لصالحهم؟ ان المؤسسات الاتحادية او الكتلوية او البرلمانية في عالم اليوم قد انطلقت من قناعات تامة بما وصل اليه العالم المعاصر اليوم والتوافق مع حركته وعناصره وآليات تفكيره واستمراريته.. فهل يؤمن العرب كلهم بما هو عليه عالم اليوم وبما وصل اليه عالم اليوم وبما يمكن ان يلزم به العرب انفسهم في التعامل مع الاخر من اجل بناء مصالحهم العليا ومستقبل اجيالهم؟ انني اعتقد ان العرب ما زالوا يختلفون في ما بينهم على مثل هذه ( الاسس والاعتبارات الاساسية والركائز الكبرى )، فكيف بهم يتقبلون حالات التعايش والاندماج والشراكة والانفتاح والتوافقية ويعتبرونها ( تبعية ) وخصوصا في الحالات الاقتصادية؟

نحن والاخر
ان الاخ عمرو موسى وطاقمه لابد وان يسمع نداء العقل من الذين ينظرون الى الامور بواقعية وتجرد وموضوعية ومعرفة قبل ان يقرأ او يستمع لاولئك الشعاراتيين الذين يخدعونه كما خدعوا غيره من رؤساء وزعماء وقادة ومسؤولين واعلاميين منذ عشرات السنين. ان ضرورة الاصلاح من الداخل.. لا يمكن ان تنتج ولادة مؤسسة كسيحة اخرى تضاف الى مؤسسات العرب الهزيلة الاخرى التي ستزيد من اعباء العرب في القرن الواحد والعشرين ولا تساعد على اصلاح اوضاعهم ابدا. هل يتصور الاخ عمرو موسى ومن صفق له ولافكاره بأن حال العرب اليوم قد وصل الى مرحلة من النضوج كما هو الحال في القارة الاوربية كي يدعون الى برلمان عربي على غرار البرلمان الاوربي؟ لا يمكن البتة مقارنة العرب بالاوربيين ابدا ولا حتى بالاسيويين او حتى بالمكسيكيين الذين يتعاملون بمنطق العصر، لا ابدا، لا يمكن مقارنة العرب بأية كتل كانت محسوبة على العالم الثالث في القرن العشرين وهي تنطلق اليوم من اجل ان تجد لها مكانا في عالم القرن الواحد والعشرين.. ان العرب ويا للاسف الشديد يختلفون عن غيرهم من ناحية الاوضاع السياسية والدستورية ولا من جانب القدرات الحضارية والانسانية ولا من صوب الامكانات الاقتصادية والانتاجية.. هل قارن العرب ( وخصوصا في دولهم الكبيرة التي مرت بالتجارب الاشتراكية والتقدمية الفاشلة والتي اسهمت في دمار العرب ) بينهم وبين دول كتلة اوروبا الشرقية اليوم؟ هل استفادوا من تجارب دول الكتلة الاشتراكية سابقا؟ ان مشروعات كبرى تقوم اليوم من اجل ضم تلك الدول الى الاتحاد الاوروبي وتوسيع حزام اوروبا الكبرى.. ونحن العرب ما زلنا نبحث لنا عن اصلاحات تموت في مهدها.. لأن اوضاع الدواخل العربية مهترئة وبحاجة الى تحولات جذرية.. حتى يمكنها ان تجد جامعتهم العربية نفسها في حالة انطلاق.

متى تتحررون من رؤاكم القاصرة؟
الا يدري الاخ عمرو موسى ومن يشاركه رؤيته القاصرة وافكاره غير السليمة بأن العرب اليوم ليسوا بحاجة الى برلمان عربي ما داموا لم يعرفوا بعد طبيعة الحياة البرلمانية الحقيقية في بلدانهم؟! ايدرك المتخلفون بأن هناك نوابا عربا في برلمانات عربية معاصرة لا يجيدوا القراءة والكتابة حتى يومنا هذا؟ بل ولم نجد اي تجربة سياسية ودستورية عربية حديثة وناجحة استطاعت ان تنطلق بالحياة المعاصرة الى اعلى درجات التقييم؟ كيف يمكن تأسيس هكذا مؤسسات عربية جمعية وتقرر ان تكون دمشق ( مع اعتزازي بها وعشقي لها ) مركزا للبرلمان العربي من دون ادراك للحساسيات التي سيثيرها اختيار اي عاصمة عربية لهذا الغرض؟ علما بأن الاوربيين لم يتخذوا بروكسل عاصمة بلجيكا مقرا لكل من البرلمان والاتحاد الاوربيين الا لأسباب تاريخية ومركزية وتوافقية لم يشّكل وضعها المسالم في القرن العشرين، اي احراج لكل الاطراف في اوروبا، فاوروبا قد تجاوزت مراحلها الصعبة وحالات غيرها في العالم المتخلف بمئات السنين! وان الدول الاوربية المشتركة في برلمان اوربي مّوحد كان ثمرة حضارية لتقدم سياسي لا رتقا لأي كسر او تنفيذا لأي مطالب، ولا حاجة لأي اصلاحات.. ولابد ان يدرك الجميع بأن الدول الاوربية اليوم لا تعاني من ضراوة العداوات ولا من شراسة المناورات ولا من حرب قنوات فضائية داعرة ولا من محاور وتكتلات ولا من حساسيات لمجرد تصريحات.. ولم يفكر الاوربيون اليوم بأن دولة منهم تدّعي الابوية عليهم واخرى تدّعى اختهم الكبرى واخرى امهم القديمة واخرى رائدة عروبتهم، ولم نسمع بدولة اوربية ارسلت بسيارات مفخخة لجيرانها.. وهلم جرا
كيف يتم انجاز هكذا ( مشروع ) للاصلاح باسم الداخل لا الخارج، ولم تزل الحريات معطلة عند العرب، ولم تزل الشعوب لم تستطع نيل حقوقها، ولا تقديم واجباتها بالشكل السليم؟ هل يريد الطوباويون العرب ان يعالجوا وضع الامة ومشكلاتها بتأسيس مؤسسة جوفاء لا نعرف من يمثلّها اصلا؟ هل الحكومات ام الشعوب؟ فاذا كانت الحكومات فما نفعها اذ ستكون مجمعا لنفاياتهم واختلافاتهم على لسان من يمثل هذا او ذاك! واذا كانت الشعوب، فكيف يتم اختيار ممثّلي الشعوب في برلمانكم العربي ايها الشعارتيون ونحن ندرك ما قيمة نوابنا وبرلمانيينا؟ هل المسألة تنحصر باطلاق المبادرات التي نفع فيها ابدا، وهي كمن يضحك على كل هذه النخب العربية ويستهزئ بها سواء كانت تلك النخب مع مشروع الاصلاحات من الداخل ام كانت مع مشروعات الاصلاحات من الخارج!

الا يكفي العرب مخادعة انفسهم والعالم؟
ان مجرد موافقة الدول العربية على افكار لا يمكن تحقيقها كما اشرت مرارا وتكرارا في مقالاتي النقدية، فهي محاولات بائسة لارضاء تطلعات الشعوب، فالقائمون عليهم لا يريدون ان يخرجوا عن الشرانق التي حبسوا انفسهم فيها، وهيهات لهم ان يتمردوا على اساليبهم العتيقة التي وروثوها عن بقايا القرن العشرين والتي اضرت بهم وبمصالحهم كثيرا ازاء انفسهم، وازاء العالم كله. ان اي ارادة داخلية مفروضة من الخارج من دون قناعة جماهيرية عربية لا يمكن لها ان تنجح، ولكن نقول بنفس الوقت: ان اي محاولة هذا النوع سيصيبها الفشل، ليس لكونها من الداخل، بل لانها جاءت كي ترضي عواطف الناس وامزجتهم، او تسكت من يطالب يالتغيير، ولكنها تنسى الواقع المزري الذي يعيشه العرب في كل بلدانهم. وان اي حصيلة من المبادرات والاصلاحات لا يمكنها ان تبدأ عملها ان لم يكن هناك جملة هائلة من التحولات السياسية والدستورية بعيدا عن اية اجندة قديمة وشعارات قميئة اساءت للعرب جميعا على امتداد اكثر من خمسين سنة.. ان تلبية مطالب الشعوب بضرورة التحرك نحو الاصلاح وتطوير الدساتير ونظم الحكم الديمقراطية وحريات الافراد وحقوق الانسان، واستقلال المؤسسات وتداول السلطة، وتقوية المجتمع المدني سوف لن تأتي من خلال تأسيس برلمان عربي بدمشق او بغير دمشق، تهدر الاموال فيه، ويكون ارضا خصبة لكل الموبقات باسم المبادىء القومية التي تتحدث باسم الامة العربية ومستقبلها.

وأخيرا: ما الذي اقول؟
انني ادعو القمة العربية التي ستجتمع عاجلا ام آجلا ان لا توّقع على قرارات خادعة للجماهير العربية.. اتمنى على الزعماء العرب ان يفكّروا قليلا بمصالح ( الامة العربية ) ومستقبل اجيالها ليس من خلال تأسيس اجهزة لا نفع فيها، بل ومشلولة منذ ولادتها.. وستغدو عبئا ثقيلا على مستقبلنا.. على الزعماء العرب ان يفكروا بأن اي مشروعات للاصلاح لا تتم من خلال منظومة عليلة ومحتضرة لا نفع لها، بل بحاجة الى ان تنبثق من دواخل البلدان العربية نفسها.. انني اكتب هذا ان لم يكن للحاضر، فساكتب للتاريخ والمستقبل، وستكشف قابل الايام صحة كلامي متمنيا ان يبحث العرب عن اساليب جديدة لهم من اجل الحفاظ على مصالحهم العليا وان يفتتحوا عصرا جديدا لهم.. فهل ستصيبهم فرص النجاح؟ هذا ما ساترك جوابه للمستقبل.

د. سّيار الجميل مؤرخ واكاديمي عراقي مقيم في كندا والامارات

[email protected]