يوم الأحد، الثلاثون من كانون الثاني/ يناير 2005، هو يوم حاسم وعظيم، يوم مشهود وخالد، ليس في تاريخ الشعب العراقي فحسب، بل وفي تاريخ منطقة الشرق الأوسط وكل العالم. يوم تتوجه فيه الأنظار في العالم صوب العراق الذي أختاره التاريخ، كما اختاره من قبل أن يكون مهداًَ لمولد الحضارة البشرية قبل أكثر من سبعة آلاف عام، وساحة للحروب بين الشرق والغرب، كذلك في هذا اليوم، أختاره التاريخ ليكون ساحة لميلاد أولى ديمقراطية حقيقية في الشرق الأوسط و بهذه الشفافية، ساحة للحرب بين الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة، وأعداء الإنسان ودعاة التخلف والهمجية من جهة أخرى.

لقد اختار التاريخ العراق ليكون ساحة للحرب بين التقدم والتخلف، بين قوى النور وقوى الظلام، ساحة لصدام الحضارات، حضارة صاعدة واعدة تمجد الخير وتحمل معها الحداثة والتقدم والديمقراطية وحقوق الإنسان وتعامل المرأة ككيان إنساني، لها ما لأخيها الرجل من حقوق وعليها ما عليه من واجبات دون أي تمييز، وحضارة آفلة تمجد الموت والقتل وأفكار الموتى في العصور الغابرة، ترفض أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بسلام وهدوء، بل تصر على إلحاق أكبر ضرر بالشعب حتى وهي في ساعات الاحتضار وفي النزع الأخير. حرب بين حكم أغلبية تمجد الحرية وإرادة الإنسان الحرة ضد فئة من الأقلية الباغية من الملثمين، تمجد العبودية والاستبداد والاستعباد وعبادة المستبد، كخفافيش الظلام لا تقوى على مواجهة نور الحرية، تريد فرض حكمها على الشعب بالقبضة الحديدية وتحت مختلف المعاذير الواهية، مرة باسم إرادة الأمة وأخرى باسم إرادة الله، يبغون دخول الجنة وحور العين عن طريق ذبح الأبرياء كذبح النعاج.

الثلاثون من كانون الثاني/ يناير، يوم خالد في التاريخ حيث يلتقي فيه الجمعان، جمع الأغلبية التي عقدت العزم على النضال من أجل حريتها والعيش بكرامة وترى في الإنسان أعلى قيمة في الكون والوجود وكل شيء يجب أن يكون في خدمته وتقدس الحياة، وسلاحها قصاصة ورقة لتعبر فيها عن رأيها وتلقيها في صندوق الاقتراع، وجمع آخر من الأقلية المتطرفة المجنونة التي ساوت بين الإنسان والحشرة، تحتقر الحياة وتمجد الموت، اتخذت من الرصاص والعبوات الناسفة والمتفجرات وسيلة لها للتعبير عن رأيها الظلامي وفرض إرادتها الشريرة على الأغلبية بالقوة الغاشمة.

الوقت ما بين السابعة صباحاً والخامسة مساءً حسب التوقيت المحلي، الثلاثون من كانون الثاني/ يناير 2005 والمكان هو العراق، موعدكم مع زمان ومكان صدام الحضارات بأوضح تجلياته وأدق معانية. حضارة إنسانية تنويرية تهفو إلى التقارب والتعايش والتآخي بين الشعوب والاستفادة من منجزات العقل البشري وما أنتجته البشرية في كل مكان من التقدم العلمي والتقني والفني لمواكبة الركب الحضاري واللحاق بالشعوب المتحضرة، وحضارة قديمة بالية تؤمن بالعنصرية والطائفية والظلامية منغلقة على نفسها داخل شرنقة الآيديولوجة الفاشية العبثية التي تمجد المحلية الضيقة والتخلف وتكرس الانغلاق وتنظر إلى الشعوب الأخرى نظرة دونية بلغة "هم ونحن" و "فسطاط كفر وفسطاط إيمان" و "دار حرب ودار سلام"، تريد أن تتعامل مع العالم بالمواجهة الانتحارية وبسلاح عنترة بن شداد دون أن يكون لديها القدرة على مواجهة هذا العالم المتسلح بسلاح العلم والإبداع والحرية والانفتاح.

يوم الأحد العظيم، سيحبس الناس فيه أنفاسهم واضعين أيديهم على قلوبهم ينتظرون حصاد المجازر التي ينوي الظلاميون البعثيون وحلفاؤهم القاعديون ارتكابها ضد الناخبين العزل من الشعب العراقي المسالم. سوف يندهش البريطانيون، كما قال الكاتب الإنكليزي اللامع يوهان هاري في الإندبندنت اللندنية اليوم 28/1 بالفرق بينهم حيث يرفضون الذهاب إلى صناديق الاقتراع بسبب الكسل واللا أبالية رغم ما يتمتعون به من الأمن والحرية، وبين العراقيين الذين يجازفون بحياتهم متحدين تهديدات الإرهابيين لهم بالموت للإدلاء بأصواتهم. لقد كتب البعثيون شعار (سنقتل كل من يصوت) على الجدران ووزعوا رسائل التهديد بالموت على الناس فيما لو شاركوا بعملية التصويت. فأي تخلف هذا؟ لقد كشف البعثيون الصداميون وحلفاؤهم السلفيون الزرقاويون حقيقتهم للعالم، وسيكشفون أكثر عن مدى همجية آيديولوجيتهم وتخلفهم وحقدهم على قيم الخير والديمقراطية وحقوق الإنسان كدليل على إفلاسهم الفكري والسياسي والإخلاقي. سيثبت الدمويون البعثيون لليساريين ومنظمات حقوق الإنسان في الغرب التي وقفت إلى جانبهم بدافع الكراهية لأمريكا، أنهم كانوا على خطأ فضيع وقد جروهم لاتخاذ مواقف مضادة لمبادئهم التي نادوا بها وناضلوا من أجلها ليروا أنفسهم في صفوف أعداء الديمقراطية وحقوق الإنسان لا لشيء إلا لأن الذي يقوم بنشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة هو أمريكا. سيكتف هؤلاء أن الإرهابيين قد خدعوهم وجروهم إلى مواقعهم للدفاع عن الرذيلة والتخلف والهمجية وقتل الأبرياء.

فها هم البعثيون وحلفاؤهم السلفيون قاموا بتلويث مياه دجلة بتفجير الأنابيب النفطية وتركها تصب في دجلة الخير لتسميم العراقيين وتمنعهم من استعمال مياه النهر الخالد، هاهم يعملون ليل نهار على إلحاق الأذى بالعراقيين بكل الوسائل المتاحة لهم، ونشر القتل والرعب والفزع وقطع مياه الشرب والتيار الكهربائي، وتفجير المدارس، بمباركة العرب وإعلامهم وسياسييهم وشيوخ المساجد إنتقاماً من العراقيين بحجة مقاومة الاحتلال الأجنبي. أهذا هو الجهاد ضد الأجنبي أم هو التخريب والإرهاب ضد الشعب العراقي المسالم؟ نعم، يوم الأحد العظيم سيكشف انتهازية الأعراب ومواقفهم المنافقة من شعبنا وسوف لن يبقى شيء يستر عوراتهم القبيحة. سوف يفشل الإرهابيون الأعراب وسوف يعودن إلى بلدانهم بخفي حنين، وعندها وسوف يواصلون إشعال النيران في بلدانهم عما قريب وسيرى الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون.

نعم، الثلاثون من يناير/كانون الثاني، يوم ميلاد الديمقراطية العسير في بلاد الرافدين، البلاد التي اخترعت حروف الأبجدية وعلمت البشرية القراءة والكتابة وبلد أول قانون مدون، يحاول الإرهابيون وأد الوليد الديمقراطي الجديد ولكنه سيولد رغم أنف أعداء شعبنا وأعداء الديمقراطية والحرية والإخاء والتلاحم الوطني. ستولد الديمقراطية لتجعل من العراق منارة لنشر نور الحداثة والحضارة والتقدم والازدهار الاقتصادي لتكون قدوة لشعوب المنطقة. لذلك تعيش بعض دول الجوار في حالة من الرعب والفزع من نجاح الديمقراطية في العراق وتبذل كل ما في وسعها لخلق المشاكل ضدها، بالتشكيك في شرعيتها وبإرسال الإرهابيين لإجهاضها خوفاً على أنظمتهم المنهارة.

يوم الأحد العظيم، يوم الحسم، ونحن على موعد مع الحدث العظيم، ميلاد العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد، ستنتصر فيه إرادة الشعب العراقي بكل مكوناته على قوى الظلام بكل مكوناتها ومن يقف معها من الإعلاميين والسياسيين العرب وفضائياتهم المضللة، ستنتصر الثورة الديمقراطية على الهمجية والتخلف البغيض وسينتصر القلم وقصاصة ورقة الاقتراع على رصاص ومتفجرات الإرهابيين، يوم تبيض فيه وجوه العراقيين وتسود فيه وجوه الإرهابيين وكل من يقف معهم.