كنت أرغب في أن تجري الانتخابات في العراق بصورة طبيعية هادئة، بعيدة عن سفك الدماء، لا لأنني آمل منها معجزة سماوية تضع البلاد في الجنة، كما أنني لا آمل عندما تمنع أن تُحجَب مسيرة خطرة تسير إليها البلاد. ولكن من المؤسف أن يذكرني من يمنع الناس من أن تختار بحرية بأنظمة قمعية دكتاتورية تمارس العسف وتصادر الرأي وتعتبر الناس قطيعاً من البهيمة لا رأي لها.هذا ما يفعله الآن من يحاول منع الانتخابات بقوة السلاح وبالموت.

لقد أقرت الانتخابات في الثلاثين من هذا الشهر ( غداً ). وهكذا ستجري ملتبسة غير واضحة سواء أردنا ذلك أم كرهنا. وكما هو معلوم بأن هذه الانتخابات قد اقرت من قبل الامم المتحدة وحدد لها التاريخ منذ فترة طويلة. وسيدلي حوالي 14 مليون شخص باصواتهم ، ولكنها كما يبدو، وعلى عكس ما أرغب، ستجري تحت طائلة الرعب والموت والتدمير. وقد سمعنا وقرأنا بيانات التهديد تحت طائلة الموت للذين سيشاركون في الانتخابات. وفعلا جرى تدمير وحرق ونسف مراكز ومؤسسات انتخابية وتم تهديد المنتخبين بأن تصبغ الشوارع بدمائهم حين يذهبوا للاقتراع.

هكذا لم يُترك للناس، وهي المعنية بمصيرها، أن تقول رأيها بحرية، ما إذا ستسبغ على الانتخابات شرعيتها بملايين الاصوات أم انها ستقاطع الانتخابات طوعاً وتفشلها احتجاجاً بالمقاطعة وبحجب الاصوات. عندئذ يكون الحكم الفصل بيدها دون أن يقال أن الارهاب كان السبب في منع الالاف من الاقتراع.

من الواضح ان المناخ السياسي في العراق متوتر أصلاً، يبعث لدى المواطنين مشاعر وافكارا متضاربة. لا يجمع العراقيون على أمر واحد. هناك اختلاف في المواقف على وجود قوات التحالف، وتباين واسع على القبول بالحكومة الموقتة الحالية وأدائها وصلاتها وأهدافها وربما على الحكومة المنتخبة المقبلة. كما أن الاختلاف عميق بين الطوائف والقوميات، هناك تخوف من سيطرة جهة على جهة اخرى، مثلما تتعمق مشاعر الخوف من تفتت العراق. كل هذه حقائق ملموسة وطبيعية لما يمر به العراق، ولكن الحقائق الاخرى التي لا يمكن تغافلها والتي هي واضحة أيضاً هي أن الخلاص من أرث الديكتاتورية البعثية قد فتح آفاقا جديدة يمكنها أن تمنح الشعب العراقي أمكانية التطور والبدء برسم معالم حياة إنسانية هو بأمس الحاجة اليها.

من المنطقي أن تترك الناس لشأنها لتحاكم الظرف بتجربتها وبخبرتها المكتسبة من المعايشة منذ زوال النظام الكتاتوري. ومن المفروض أن يركن على ضمائر الناس الحية ومبادراتها الجريئة لتقول كلمتها في الانتخابات. الجماهير هي التي ينبغي لها ان تقول للانتخابات كلا أو تقول لها نعم. أن تجعل الانتخابات ناجحة أو أن تدمغها بالفشل

ومن الطبيعي أن صناديق الاقتراع وإحصاء الاصوات هو الذي سيقرر فيما بعد نجاح وشرعية الانتخابات أم فشلها ولا شرعيتها، أما منع الانتخابات بالتهديد وبعمليات النسف والتدمير والخراب فهو احتقار لرأي الجماهير، بل الخوف منها مسبقاً ومنعها بكل الوسائل الاجرامية من أن تقول رأيها. ومهما ادعت الفئات، التي تمنع الناس بقوة السلاح من ابداء رأيها، وقالت بانها تنوب عن الجماهير وتعمل لصالحها ولمستقبلها إنما هي الواقع تقصيها عن دورها، بل تحتقرها وتراها غير مؤهلة لصون حقوقها ومعرفة مصالحها.

دعوا الناس تنتخب بسلام. دعوها تدلي بصوتها لتقول ما تريد. الجماهير بتجربتها وبمعاناتها وبفرحها تعرف بالضبط آفاق حياتها ومستقبلها، ما إذا تمنح الثقة بالمستقبل أم لا تمنحها.
المواطنون بحدسهم وبعواطفهم الحقيقية، ومن دون رقيب وموجه، هم الذين سيقولون كلمتهم.
عندما لاتذهب الناس طوعا للانتخابات ستفشل الانتخابات.
وعندما تدلي الملايين بصوتها فهي تريد ذلكوأعتقد بأن هذه الحقيقة أقوى وأكثر صدقاً من الدماء المسفوحة والتي ستسفح.