لعل أجمل نكتة في 2005 هي ما تناقلته وسائل إعلام يوم أمس عن الرئيس المخلوع صدام حسين عندما اعتبر " الانتخابات العراقية غير شرعية ". يا لها من نكتة جميلة ! وجمالية هذه النكتة الفريدة أن صدام حسين ما يزال مصرا على " منطلقات " الشرعية في نظره ومنها : السجون، المقابر الجماعية، الاغتصاب، الاختطاف، وسحل الكتاب والصحافيين والمثقفين حتى يكون المثقف الوحيد في أرض الرافدين !

هذا العراق كانت صورته يوم أمس متألقة، رغم أنف الإرهابيين، ورغم أنف الأقلام والعقول التي تزكي الإرهاب. يوم أمس اتجه الناخب العراقي إلى صناديق الاقتراع بلا خوف و بلا جواب محضر مسبقا يسجله في قاعة التصويت ويخرج منهزما. عراق اليوم هو العراق الذي يمكن أن يكون الأكثر خيرا لجيرانه وليس عراق نظام صدام حسين الذي حمل الاستبداد على مدار عقود وأنجب الإرهاب.

العراق الديمقراطي هو خير لسورية وإيران والكويت وبقية الدول وليس شرا يحيق بها. الدولة الديمقراطية تسعى لبناء الداخل وبناء البلد من المدرسة حتى المشفى والجامعة. تقضي على الفساد. تحارب الفكر الإرهابي. تحترم حق الإنسان في الخصوصية وفي الحب وفي الحرية وفي الانتخاب. في هذه الدولة الديمقراطية، ينشغل المواطنون ببناء البلد وتحقيق العدل. ولن يبقى وقت للحكم العراقي على الصعيد الخارجي إلا بالتفكير بتحسين العلاقات مع جميع دول العالم مما ينعكس بالرفاهية على الشعب. تنتهي حروب العراق. تنتهي الأطماع الاستعمارية التي كانت في فكر النظام البائد.

إن العراق الديمقراطي لن يفكر حكامه المنتخبون بإرسال متفجرات للتفجير في دمشق وقتل السوريين كما فعل نظام صدام. لن يفكر باحتلال دولة جارة مثل الكويت. ولن يشن حروبا من دم ولقمة عيش الشعب.

قرأت في مقالة لكاتب ومثقف عربي محترم أنه " يفضّل الوحدة الوطنية ولو كانت في ظل الاستبداد على الديمقراطية التي يأتي بها محتل ". أود هنا أن أعلّق على كلام الزميل المحترم بالقول إننا جميعا ندين الاحتلال والاستعمار بكل ألوانه وأشكاله. لكن، ثمة تناقض كبير في أن نضع الاستبداد والوحدة الوطنية معا فهذا تعبير غير مقبول لغويا ولا فلسفيا ولا واقعيا، ولن أعود إلى المدارس الفرنسية واليابانية في هذا المجال لأثبت خطأ التعبير. لكن أقول ببساطة : لغويا لا يمكن وضع الاستبداد والوحدة الوطنية في تعبير وحيد إلا في نص هزلي قائم على جميع الأضداد. وثانيا : لا وحدة وطنية في ظل الاستبداد وتلك الوحدة الوطنية التي يتم الحديث عنها في ظل الاستبداد ما هي إلا فقاعة صابون تفجّرها إصبع ولد صغير.وطالما قاد الاستبداد، لغويا وفلسفيا و واقعيا، إلى خنق الحرية والعدل والإنسانية وحرية التعبير وحرية الأديان، فمن أين يمكن أن تأتي الوحدة الوطنية وكل أساساتها مدمّرة أو مخنوقة ؟!

وأعتقد أن الرئيس السوري الشاب، وهو رجل منفتح يدرك الأخطار التي تحيق ببلدنا، سوف يسبقني إلى فكرة أن " العراق الديمقراطي خير لجيرانه " لأنه أدرك كما أدركت غالبية السوريين كم أساء النظام المستبد في العراق لسورية وللشعب السوري كما تآمر على سورية وقتل الناس فيها وربما كان سيعيد فعلته مرات عديدة فيما لو كان استمر بحكم العراق الجميل.