اليوم هو الثامن من اذار (مارس)، يوم لا يعني شيئا لحكومات العرب ولا للكثير من شعوبهم، لأنه يوم المرأة العالمي. هذا اليوم يأتي ويرحل كل عام، والمرأة العربية في هذا الشرق المنكوب، مازالت في قمقمها متوهمة بفضل تفسيرات ذكورية بأنها عورة وفتنة ونجسة وآثمة ومن حزب الشيطان وناقصة عقل وعقيدة. باتت المرأة مضللة بتلك الافتراءات حتى النخاع ورضيت بخنوع ان تعيش بحقوق منقوصة، وفرص محدودة، وطموح مقلّم، وأحلام مبتورة، وأمنيات معلقة الى اجل غير مسمى.
بالرغم أن جميع الأنظمة العربية أصبحت أعضاء في هيئة الأمم المتحدة وصادقت على وثيقة حقوق الإنسان الصادرة في عام 1948 والتي تنص بنودها صراحةً على العدالة والمساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، إلا انه في دولنا الذكورية مازالت المرأة تُعد إحدى مقتنيات محرَمَها. جميع الدول العربية دون استثناء تكتنز بشكل أو بآخر، عداءا مبطنا وتمييزا ظاهرا موجه نحو المرأة، لأنه حتى اليوم مازالت الجهات الرسمية ترفض الخطاب العلمي في حل قضايا النساء، وعلى الضفة الأخرى الذكور المستنفعون من اضطهاد المرأة مازلوا يلوكون ويجترون أن "المرأة مكرمة" لأنهم تفضلوا عليها بالعيش بدلا من وأدها في مهدها.
يقول "روبرت" في معجمه وفي تعريفه لمعنى "الميزوجينية" بأنه "الحقد على النساء وكرههن واحتقار حقوقهن وازدراء رغباتهن" من ذاك التعريف ومن دراسة قامت بها الباحثة فاطمة المرنيسي ونُشرت في "صور نسائية"، بينت ان كل الشواهد تدل أن الدول العربية دول "ميزوجينية"، لأن تشريعاتها تختزل تمييزا سافرا ضد النساء، وانتقاصا واضحا لحقوقهن، وامتهانا لهن كبشر، فما زلن يعاملن كإحدى مبطلات الوضوء أو من مسببات النجاسة أو محرضات للفتنة والرذيلة. الأمر المثير للدهشة هو إن غالبية العرب مازالت على جميع المستويات والأصعدة، حكومات ومؤسسات وأفراد، ينظرون لقضية المرأة على أنها قضية دينية، لذلك يرون انه يجب معالجة أمورها بتفسيرات ذكورية أكل الدهر عليها وتجشأ، وانتهى عمرها الافتراضي.
إن تحسين أوضاع المرأة لن يتم من خلال اجترار حلول منتهية الصلاحية واثبت الزمن عدم جدواها. فالقوانين التي تعطي نصف صوت للمواطن، وتنقص من حقه، وتصنفه بنصف عقل، وتقلل من شأنه، وتشكك في قدراته، وتجيز ضربه وهجره، وتسمح بحبسه بين أربعة حيطان، وتحل تملّكه والتصرف به طبقا لما يراه مالكه، وتوافق على بيعه وشرائه بصكوك شرعية، و اذا تعثر تُبارك إزهاق روحه بوحشية، فهي بالتأكيد قوانين لم تعد صالحة لزمن يتمتع فيه كلاب العالم المتطور وقططه بحقوق أكثر من تلك التي تحصل عليها نساء العرب وحتى رجالهم.
لقد آن الآوان ان يكف ذكور العرب عن ذاك الردح المبتذل فلقد سئمناه وسئمناهم. ان قضايا النساء المعلّقة ليست دينية بل قضايا حقوقية بحتة، ويجب أن تًعامل طبقا للمواثيق العالمية التي تضمن حقوق الإنسان، وتؤمن حريته، وتحفظ كرامته، والتي أقرّتها جميع دول العالم شرقا وغربا، ومن ضمنها بلدان العرب المرتبكة. حكام ومسئولين ملزمون بما ألزموا أنفسهم به في تنفيذ تلك البنود والاتفاقيات الدولية. النساء اليوم يتربعن على الشريحة الأكبر من المجتمع العربي ويشكلن أكثر من نصفه، لكنهن بسبب الأحكام المجحفة مازلن النصف المعطوب المعطل منذ دهور.
التشريعات التي تُنقص من حق المرأة كمواطنة يجب أن تُستبدل بما يضمن حقها الكامل، وهذا أمر لا يحتاج أن يُصرف عليه وقت للتداول والتشاور وتبادل التأويل والتأويل المضاد وتداول النقاشات وعقد المحاضرات والمنتديات والمؤتمرات والحوارات، وكل تلك الأصناف من العروض الذكورية العقيمة والمأكول خيرها هذا ان كان فيها خير يُذكر، لأنه ليس بجديد على دول الإسلام أن تستبدل أنظمتها أو أن تُلغي تشريعاتها الدينية طبقا لما يتوافق مع مصالحها الدولية، وما يتطلبه العصر الذي تعيشه، فمن المعروف في ديار المسلمين انه تم إلغاء النظام الذي كان يجيز امتلاك الرقيق والمتاجرة بهم، وإلغاء نظام الجزية الذي كان مفروضا على أهل الذمة من يهود ومسيحيين، حيث كان مسلطا على رقابهم منذ عهد الفتوحات الإسلامية وحتى القرن المنصرم، بالرغم من وجود نصوص دينية صريحة تحل العمل بتلك التشريعات، لكنها حُذفت مجاراةً للعصر وتمشياً مع الركب، ورُدمت تلك السُنن منذ سنين ونَسيّها الناس، وكأنها لم تكن سارية المفعول بين المسلمين إلى زمن قريب خاصة في دول الخليج. أُلغيت تلك الأنظمة لأنها كانت تتناقض مع حقوق المواطنة والإنسان، فنظامي الرق والجزية خَلقَـا في المجتمع الإسلامي طبقتين متنافرتين، طبقة الأسياد وطبقة العبيد، طبقة مستَبِدة واخرى مستَبَدة وهذه تشكيلة طبقية مربكة لسير عجلة المجتمع وتحركها إلى الأمام ، بالإضافة إلى أن النظامين يتنافان مع جميع الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية وضد سنن المجتمعات المدنية.
يستخدم الذكور العرب التشريعات المعمول بها اليوم في معالجة قضايا النساء، كأسلحة فتاكة ضدهن، مما جعلت من النساء إماء مجردات حتى من سلطتهن الذاتبة، بائسات ذليلات للرجال بدلا من أن يكن شقائقهم ورفيقات دربهم. لذلك لقد حان الوقت أن تُلغى كل تلك التفسيرات والتأوليات الذكورية التي تحرض على العنف والتمييز ضد المرأة واضطهادها وهضم حقوقها، لنفس الأسباب الحقوقية التي حُذفت فيها التشريعات الأخرى، من اجل بناء مجتمعات صحية تطبق قوانين عادلة بين جميع فئاتها من نساء ورجال تحت قاعدة إن كل ما هو في صالح الناس فهو من الدين، والمساواة بين المواطنين بكل أطيافهم ومشاربهم فيه خير للأمة، إذن فهو من الدين!