يكاد الايمان ان يتلازم مع الصدق والشجاعة، هذا في الاقل ما تعلمناه في صغرنا حين كانت تبهرنا سيرة الرسول (ص) في صدقه وجرأته، والايمان مقرون ايضا بالبساطة، فالأوائل من الباحثين عن الحقيقة توجهوا الى الشمس والقمر والنار، يبتغون إلها حتى اهتدوا الى ما هم عليه الان من اديان مختلفة في شعائرها متوحدة في غاياتها. واذا نظرنا الى حياتنا ومجرى الايمان في ربوعها، نجد ان الناس في غالبيتهم قد أشاحوا عن الصدق في ايمانهم وتفننوا في ابتداع وسائل للتحلل من التزامات يوجبها دينهم، ما انتج انماطا من السلوك المنافق البعيد عن الايمان كصفة علوية يتسامى بفضلها المؤمنون فوق بشريتهم ونزعاتهم المادية. من ذلك اسوق امثلة واقعية لاتحتاج الى شرح أو توضيح:
منذ ايام غادرنا شهر رمضان المبارك وقد عجبت لرجل مؤمن حريص على اداء الصلاة في اوقاتها، ان ينوي السفر لأنه لايطيق الصوم في اشهر الصيف ويبرر ذلك بانه حيلة شرعية، وكأن الله قال:سافروا كي لاتصوموا، مع علمه بان الاعمال بالنيات وانه لاجدوى من التحايل على ربه لانه يعلم مافي الصدور، واذا كان يكذب على خالقه فكيف يتعامل مع الناس؟
وفي رمضان ينسى معظم المؤمنين حكمة الصوم في حفظ الصحة والاحساس بحاجة الفقراء فيبالغون في مآدب الافطار ويزدادون تخمة، ويرفع التجارأسعار الغذاء وينتهي رمضان الى كونه شهر الاغنياء حيث لايجد الفقراء مايأكلون ويصومون فوق صيامهم.
رجل كثير السفر بحكم عمله، يعقد زيجات مؤقتة بحجة الخوف من الوقوع في الفتنة، على الرغم من انه لايغيب عن زوجته سوى اياما ومع كونه ايضا من المحبين للامام علي الذي يؤثر عنه كراهته لتمتع المحصن (المتزوج). وفي باب زواج المتعة روت لي صديقة مهاجرة ماحصل لها مع احد رجال الدين وهو مالك لسوق صغير، كانت تبحث عن عمل وتعيل ابنتها فأرشدتها صاحبتها اليه لمساعدتها. حين التقته يبدو انها راقت له فوافق على تشغيلها في محله كمحاسبة ولكن بشرط ان تقبله كزوج مؤقت لانه لايستطيع النظر اليها دون مسوغ شرعي . شرح لها انواع الزواج المؤقت الثلاثة: منه ما كان بالنظر فقط أو باللمس أو بالمعاشرة الحقيقية، وكل ذلك مقابل مهر أو أجر كما يسميه الفقهاء. فوجئت المرأة بطلبه ورمقته بنظرة ساخرة، قالت له ان صيغة النظر فقط تلائمها لكن مهرها غال لاأقل من مليون دولار، صرخ بها منتفضا: انت مجنونة بالتأكيد لماذا ادفع لك وبامكاني ان انظر اليك كما اشاء فانت متبذلة (غير محجبة). هذا الرجل امام شهواته نسي ان الله امره ان يغض من طرفه ويتعفف.
رجل آخر في الخمسينيات من عمره، متزوج وله اولاد يعقد زيجة مؤقتة مكتفيا بان يقول لقرينته بانها زوجته امام الله و يجدد العقد كل عام، اقول بماذا يختلف هذا السلوك عن الزنا؟ فالزانية والزاني لايعلم بهما الا ربهما الذي يعلم مافي الصدور، وهما ايضا مؤمنان، لكنهما لم يقويا على صد اغراء النفوس.
تاجر واسع الثراء يتزوج خلال اسفاره زواجا سياحيا ثم يترك زوجته الصبية بعد شهر او ايام معدودات، ويأتي غيره وغيره والنتيجة تصبح اللواتي اظطرتهن الحاجة الى مثل هذا الزواج الذي لايختلف عن زواج المتعة الا بالاسم، يصبحن بلا مستقبل، فاقدات لاحترام المجتمع المنافق.
هذا عن الرجال فماذا عن النساء المؤمنات: امراة في ديار الغرب تتزوج مؤقتا من رجل فقير ويصادف ان تزورها صديقتها فتجده عندها، تسألها من هو فتجيب بانه خادمها!! تكذب على الرغم من انها تؤمن بان زواجها محلل بنظر بعض الفقهاء. واحدة اخرى تنفصل عن زوجها صوريا لتتيح له ان يتحايل على الضمان الاجتماعي ويحصل على دار ثانية، يؤجرها فيزيد من دخله، ينكشف امرهما بان تفاجئهما المسؤولة بزيارة ليلية، تجد زوجها عندها الذي يفترض ان يعيش بعيدا عنها، تسألها فتجيب بانه صديقها. تعجب الزائرة وهي مسلمة باكستانية، تزجرها بالقول: كيف يكون لك صديق وانت مسلمة ومحجبة؟
ومن افظع صور النفاق ما سمعناه عن فتوى ارضاع الكبير، التي تنسف كل مباحث الفقهاء عن الحجاب، هم يأمرون النساء بتغطية شعرهن ويجيزون لهن في الوقت نفسه كشف صدورهن بل وارضاع الرجال، اعتمادا على حديث يتمسكون به ولا يجرأون على مناقشته.
أليس في كل ما تقدم احتيال تشمئز له النفوس؟ لاعلينا بمن احتال على ربه وافطر في رمضان ليتبع فتوى عالم أفاق يزين له مايريد، فالامر ليس بخطير وربما جلب فائدة لثلاثين فقيرا، يطعمهم المفطر كفارة عن تركه الصيام، لكن الاهم هو العلاقات الاجتماعية ومايشوبها من تلاعب بالدين والحقيقة، فاذا كان الزواج المؤقت والعرفي والمسفار أوالسياحي والفريند، كل هذه الصيغ اذا كانت جائزة بنظر بعض فقهائنا أو علمائنا فلماذا لايكونوا واضحين ويقرون بان العلاقات في الغرب، التي يصفونها بالاباحية، لاتختلف عنا سوى ان الغربيين اكثر صراحة منا ويسمون الاشياء باسمائها، بينما نحن نلوي اعناق الكلمات ونكثر من اسماء (الزواج) والحقيقة ان جميع الانواع المتقدمة ما هي الا زيجات متعة، التي يحرمها اغلب الفقهاء.
وعن القسوة حدثوا ولا حرج فهناك من العلماء من اجاز العبث الجنسي بالبنات الصغيرات، في اطار مايسمى بالخطبة والعقد عليهن، فالرجل من حقه ان يخطب حتى الرضيعة ويستغلها كيفما شاء الى ان تبلغ التاسعة وعندها يعاشرها معاشرة الازواج.
وفي هذا الشأن احيل القارئات والقراء الى مناقشات تجري على الصفحات الالكترونية، بين مواقع سلفية واخرى شيعية، فالاولى ترى ان استغلال الصغيرات جائز بالنسبة للجواري (ملك اليمين) ولبناتهن، وليس لنظيراتهن من بنات النساء الحرائر، ويتهم السلفيون أعداءهم الشيعة بانهم يجيزون العبث بشكل عام، ويستشري الخلاف بينهم دون ان يلتفتوا الى فداحة الجرم بحد ذاته سواء كانت ضحيته أمة ام حرة. أي منا لايشمئز من تدنيس طهارة الطفولة ولايثور حين تتعرض ابنته لابسط اعتداء؟ في دول الغرب يطلقون على هذا السلوك الذي يسوغه بعض العلماء (جريمة) ويعاقبون عليها اشد العقاب فمالنا نتحدث عن الاخلاق ونسكت عن سلوك شنيع؟
وفي كتب التراث كالطبري والكامل، تتناثر اخبار الفتوحات المصحوبة بالغنائم من البشر وبخاصة االنساء، ويروى عن القائد موسى بن نصير انه اصطحب معه عند عودته الى الشام، ثلاثين الف عذراء كسبايا من الشمال الافريقي. وبمعنى معاصر فان هذا العدد من الفتيات جرى اغتصابهن بشكل جماعي لانهن ببساطة اصبحن ملك يمين المسلمين، افليس هذا هو مافعله جنودالصرب بفتيات البوسنة، ولنتصور ان الجنود الاميركيين قاموا بجمع الآلاف من المسلمات في افغانستان او العراق واخذوهن الى بلادهم، ألا يحاكون بذلك أسلافنا الفاتحين؟ لكنهم لم يفعلوا رغم قسوتهم في حروبهم، الا يبدو غزاة الغرب ارحم منا؟ ومن الملاحظ ان علماءنا ومؤرخينا لم يعتبروا العلاقة بين المالك والأمة اي السبية، غير مشروعة باعتبارها قائمة على الاكراه، بل باركوها وشرعوها وفتحوا لها المباحث في كتبهم الفقهية. هنا قسوة لاشك فيها فالأمة فتاة انتزعت من اهلها وبلدها واغتصبت في ديار المسلمين، لكن هناك نفاق ايضا فالدين الذي يعاقب على الزنا بين طرفين متراضيين،كيف يجيز فقهاؤه الاغتصاب؟
مظهر آخر للقسوة يتجسد في سلوك بعض المسلمين، ثلاثة رجال يقتلون امهم الارملة (قضية في السبعينيات) لانهم شكوا في سلوكها فيعاقبهم القانون العراقي بالسجن ستة اشهر، مستفيدين من العذر المخفف في جرائم الشرف، على الرغم من ان القانون نفسه يعتبر قتل الام والمساهمة الجنائية ظرفين مشددين للعقوبة. كل القوانين العربية تأخذ بالعذر المخفف في هذا النوع من الجنايات اذا فاجأ الرجل زوجته أو أحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا، وليس للمرأة مثل هذا العذر اذا فاجأت زوجها، كما لايحق لها ان تحرك الدعوى ضده الا اذا فاجأته في دار الزوجية.

ومنذ التسعينيات وحتى الآن ازدادت هذه الجرائم في العراق على نحو خطير، وصار قتل النساء على الشبهة لكن العلماء لايستنكرونها، مع علمهم بانها منافية لاحكام الاسلام، يتجاهلون دورهم في ارشاد المسلمين وقول كلمة الحق. ولدعاة الشرف اقول:اذا كان من حقهم قتل زوجاتهم ومحارمهم، فلماذا شرعت شهادة الاربعة لاثبات الزنا ولم شرع اللعان، ولمن لم يسمعوا بهذا المصطلح، اسوق هذا التوضيح: عندما يتهم رجل زوجته بالخيانة عليه ان يجلب اربعة شهود، فان عجزيشهد اربع شهادات بالله إنه من الصادقين، والخامسة ان لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين. أما الزوجة فتدافع عن نفسها بان تشهد اربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين. ويعني كل ذلك ان الزوجين يتلاعنان لدرأ العقاب عن المرأة المتهمة فكأن الآية القرآنية تحمي الزوجة من عقوبة الزنى، بينما يواصل ادعياء الايمان اهدار دمها، مذنبة كانت ام بريئة. وفيما يروى عن الرسول (ص) انه قال لرجل لاعن زوجته: اذهب فلا تحل لك ابدا.
مااوردته كان امثلة قليلة من كم هائل يثقل حياتنا. ولو اصغينا الى كل ما يقدم في الفضائيات من مواعظ لوجدنا ان جانبا كبيرا منها يندرج تحت باب النفاق والقسوة. ان الايمان يرقى بالنفوس الى مدى غير محدود وهو بالتاكيد لايتفق ونزعات الافاقين من الرجال والنساء، وقد آن الاوان لعلمائنا الذين يتحكمون في كل مفاصل حياتنا،ويتدخلون بكل صغيرة وكبيرة، ان يعيدوا الفضيلة الى مكانها الصحيح ويمسحوا الغبار عن وجه الحقيقة، وبذلك ينهضوا بالاسلام من جديد كما كان عند بداية الدعوة نقيا خالصا من الاضافات التعسفية التي لحقت به عبر القرون.

كاتبة عراقية