كل عام والقراء الأعزاء بخير، ورمضان مبارك على الجميع.
يبدو أن الألفية الثالثة، هي زمن تساقط الحكام الديكتاتوريين العرب، واصطياد ثعالب العرب.
ففي 2003، سقط الديكتاتور صدام حسين، على خلفية حملات الأنفال ومذبحة حلبجة، ومذابح الشيعة في الجنوب العراقي، والتنكيل بالشعب العراقي.
وفي 2005، أطاح الانقلاب العسكري بالديكتاتور ولد الطايع في موريتانيا، على خلفية الفساد والتسيب القائم هناك.
وفي2007، أُقرت المحكمة الدولية لمحاكمة الجُناة في مقتل رفيق الحريري، ومن المنتظر أن يكون الديكتاتور السوري بشار الأسد من المتهمين في ذلك.
وفي 2008، أصبح الديكتاتور عمر البشير مطلوباً من الأمم المتحدة للمثول أمام المحكمة الجنائية على خلفية جرائم دارفور.
وفي هذا العام نفسه، وقبل أيام أصبح الديكتاتور معمر القذافي مطلوباً للمثول أمام المحكمة اللبنانية على خلفية خطف أو قتل الإمام موسى الصدر، وإن لم يحضر للمحكمة اللبنانية فسوف يضطر لبنان لإحضاره عن طريق quot;الإنتربولquot; كأي مجرم آخر، إلى المحكمة الجنائية الدولية.
إنه تاريخ ناصع ومشرّف للعرب وللعروبة، نعتز به جميعاً!

موسم صيد الثعالب
وهكذا يبدو أن مطلع الألفية الثالثة، سيكون موسم صيد الثعالب الديكتاتوريين في العالم العربي. ولكن المحزن والمؤسف أن الصيادين لهؤلاء هم أرانب، لا حول لهم ولا طول. فالأمم المتحدة ولبنان لا حول لهما ولا طول، ولا قوة لديهم تستطيع أن تقيم العدالة، ما لم يتدخل مجلس الأمن.. مجلس الكبار الأقوياء.
فعصرنا أصبح الآن عصر قوة العدالة. فإذا لم يكن ليد العدالة تلك القوة الضاربة، فمن الصعب أن تُحضر المجرمين إلى العدالة. وكان شاهدنا على ذلك، القبض على صدام حسين وإعدامه. ولولا قوة العدالة وعدالة القوة، لظل صدام حسين طليقاً، ولعاد إلى الحكم ثانيةً، وافترس معارضيه بكل بساطة.
فالعدالة تحتاج دائماً إلى القوة، لكي تحقق أهدافها.
وبدون القوة، تصبح العدالة أرنباً، لا يستطيع إحضار الثعالب والذئاب الشرسة إلى قاعة المحكمة. ومن هنا، كان القضاء بين القبائل العربية في الماضي البعيد والقريب بيد القبيلة الأقوى، وبيد شيخ القبيلة القوي.

الثعلب الإرهابي ذو الفراء الثمين
معمر القذافي إرهابي من الطراز الأول. والعفو عنه من قبل الغرب ومن قبل أمريكا، نقطة سوداء، بل صفحة سوداء في تاريخ الغرب وأمريكا على وجه الخصوص.
فهل لو كان القذافي رئيس بلد فقير، على باب الله، لا يملك المليارات التي دفعها ثمناً لمغامراته الإرهابية، فهل كان للغرب وأمريكا أن تعفو عنه هذا العفو، وتنقله من قائمة الدول المارقة إلى قائمة الدول الفائقة، وتعيده إلى حظيرة الدول الصديقة؟
لقد أعلنت ليبيا القذافي عن مسئوليتها الكاملة عن تفجير طائرة quot;بان أميريكانquot; عام 1988، والذي راح ضحيته 270 شخصاً. كما سبق وأعلنت مسئوليتها عن تفجير طائرة quot;يوتاquot; الفرنسية عام 1989، والذي راح ضحيته 170 شخصاً. كما أعلنت ليبيا القذافي عن مسئوليتها عن تفجير ملهى ليلى بألمانيا عام 1986 أسفر عن مقتل وإصابة 260 شخصاً. ووافقت ليبيا القذافي على دفع تعويضات للضحايا بلغت 10 مليون دولار لكل ضحية، حتى تُرفع عنها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من مجلس الأمن الدولي، منذ سبع أعوام.

الغابة القذافيّة الشرسة
كما افترست الغابة القذافيّة المعارضة الليبية في ليلة لا قمر فيها، كذلك افترست الإمام موسى الصدر وصاحبيه.
كان الإمام التنويري موسى الصدر في ضيافة القذافي ومعه اثنان من مرافقيه. وبين عشية وضحاها ضاع الإمام في الغابة القذافيّة مع مرافقيه، ومنذ ثلاثين سنة لم نعرف أين هو؟
هل هو ميت أم حي، مسجون هو أم طليق؟
فالداخل إلى الغابة القذافيّة مفقود، والخارج منها مولود.
ولو أن الوحوش في الغابة افترست الأمام وصحبه، لعرفنا مصيره من خلال بقايا عظامهم، ودمهم الجاف على أرض الغابة. ولكن الغابة القذافيّة أشرس من أية غابة للوحوش.
فالمفقود فيها لا أثر له على الإطلاق ولا جواب على مصيره. ومثل هذه الغابة ليست حكراً على الحكم الديكتاتوري القذافي الذي يحكم ليبيا بالحديد والنار، قرابة أربعين عاماً منذ 1969، ولكن هذا الحال هو حال معظم الأنظمة العربية، والديكتاتورية منها خاصة.
الأرنب اللبناني والثعلب الليبي
الأرنب اللبناني المسكين، يحاول منذ ثلاثين عاماً معرفة مصير الإمام الصدر، ولكن دون جدوى. فكما أن لا جدوى من معرفة مصير السجناء اللبنانيين في سوريا، فلا جدوى من معرفة مصير الإمام الصدر. فهذا حال الديكتاتورية العربية، أينما كانت.
والأرنب اللبناني المسكين مأكول ومستهدف، من بعض الأنظمة العربية الديكتاتورية. فقد قتلوا شيوخه، وقتلوا أئمته، وقتلوا صحافييه، وقتلوا سياسييه، وقتلوا زعماءه، وقتلوا إعلامييه، وقتلوا ضباطه، وقتلوا كل من طالت أيديهم، وهو صامت حزين، يردد دعاء الدراويش: quot;اللهم إنّا لا نسألك ردَّ القضاء، ولكن نسألك اللطف بهquot;.
فمن أراد أن يكون سياسياً، ويقتل في لمحة بصر، دون أن يُعرف من قاتله، فليكن لبنانياً.
ومن أراد أن يكون إعلامياً، حاملاً كفنه على راحته، فليكن لبنانياً.
ومن أراد أن يكون جندياً أو ضابطاً في الجيش، ولا يتوقع مصرعه من قبل إسرائيل، ولكن من قبل أهله وأبناء وطنه، فليكن لبنانياً.
quot;صح النومquot; يا حاج!
قبل ثلاثة أيام، من حلول ذكرى مرور ثلاثين سنة على اختفاء الإمام موسى الصدر، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب، والصحافي عباس بدر الدين، في ليبيا عام 1978، أصدر قاضي التحقيق العدلي سميح الحاج أمس قراره الإتهامي في هذه القضية، ووجه اتهامات إلى معمر القذافي، وستة ليبيين من مساعديه، بالتحريض والاشتراك في جريمة خطف الإمام ورفيقيه. كذلك وجه إليهم تهمة quot; الحض على الاقتتال الطائفيquot; التي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وطلب quot;سوقهم إلى محل التوقيف التابع للمجلس العدلي في بيروت وكان الأول:
العقيد معمر بن محمد أبو منيار القذافي، والدته عائشة، مواليد سرت 1943، ليبي الجنسية، أوقف غيابيا في 23/4/2008، وما يزال فاراً من وجه العدالة.
وهذه أول مذكرة توقيف في التاريخ العربي تصدر على هذا النحو.
ولكن العقيد القذافي، قال بالأمس لقاضي التحقيق اللبناني سميح الحاج:
طز، وستين طز، وأعلى ما في خيلكم اركبوه.
وهو ما قاله الديكتاتور عمر البشير للمدعي العام القاضي لويس مارينو أوكامبو، وهو ما سبق أن قاله صدام حسين. ولكن صدام حسين قال هذا للعدالة الأمريكية صاحبة القوة الكبرى، التي تستطيع أن تأتي برأس أي رئيس في العالم، ما عدا الغربان المختبئة في كهوف أفغانستان.
فهل يلجأ لبنان إلى الأمم المتحدة لسوق القذافي إلى ساحة العدالة، حيث لا رجاء ولا نفع من أمريكا في هذا الظرف، بعد المصالحة الليبية ndash; الأمريكية - الغربية، التي كلفت ليبيا مليارات الدولارات. ولو أن القضاء اللبناني تحرك بما فيه الكفاية قبل سنوات، وقبل تسوية قضية quot;لوكربيquot; وقضايا الإرهاب القذافيّة الأخرى، لكان موقف أمريكا والغرب من القذافي مختلفاً.
فمتى كان للأرانب أمثال لبنان، أن يقاضوا ويحاكموا ثعلباً ماكراً كالقذافي، دون عصا دولة كبرى؟
رحم الله الإمام موسى الصدر ورفيقيه. والعزاء لأهلهم.
السلام عليكم.