[ 1-2 ]


عبارة quot;لغز خاتميquot; ليست منا، بل هي عنوان فصل من كتاب quot;غناء الملاليquot;، الذي نشرنا عنه مؤخرا حلقتين.
إن من الصدف نشر الكتاب قبل شهور من الذكرى الثلاثين لثورة خميني الإسلامية، وقد انبرت الصحف العربية والدولية لنشر الدراسات والشهادات والمقالات بهذه المناسبة، قدمت الكثير من المعلومات، التي سبق لمؤلفَيْ الكتاب التطرق لها وتحليلها، ونشير خاصة لسلسلة مقالات quot;الشرق الأوسطquot; في 8 حلقات لحد كتابة هذه السطور، وهي شهادات مهمة جدا وجديرة بإصدارها في كتاب، ومما نلفت إليه لاهتمام هنا هو بداية تأسيس حزب الله اللبناني بمبادرة خميني عام 1982، وإرسال كوادر من حرس الثورة لتدريب المجندين اللبنانيين للحزب، وتذكر الشهادات مقتطفات من خطاب أول أمين عام في طهران بحضور خميني، ممجدا quot;الإمامquot; وquot;ببركة الإمامquot; لمساعدته في تأسيس حزب الله. نضيف أن حزب الله كان طرفا في صفقة quot; إيران غيتquot;، أي مد إسرائيل لإيران بالسلاح أواخر الحرب، مقابل إطلاق سراح أسرى أميركيين في قبضة حزب الله.
إن الملاحظ مما يكتب عن الذكرى المذكورة هذه الأيام، خصوصا في الصحف الغربية، الإشارة المستمرة لمحمد خاتمي والتذكير بدعواته المتواصلة خلال رئاسته للجمهورية الإيرانية إلى quot;حوار الحضاراتquot;، علما بأن الاتجاه الغالب فيما يكتب هو نوع من التفاؤل باحتمال نجاح خاتمي في انتخابات حزيران، مما يجعل ممكنا حل القضايا الشائكة معه، ولاسيما ما يخص النووي. هذا ما يتصورون، ومن هنا النصائح والاستشارات التي تقدم لأوباما بالتريث حتى الانتخابات الإيرانية قبل الدخول في مباحثات مباشرة مع طهران.
ترى ما مدى مصداقية هذه التوقعات؟
قبل ذلك لابد من نبذة عن مسيرة خاتمي، وما حققه في سياسته الداخلية خلال فترتين من رئاسته انتهتا في 2005، ثم سنعود لمواقفه الخارجية التي حققت له سمعة جيدة في الغرب خاصة بسبب مرونته، وحديثه المتكرر عن quot;حوار الحضاراتquot;. إن السياستين الداخلية والخارجية مترابطتان في مواقف أي حاكم، ولا تنفصلان، ولذا نبدأ بحصيلة سياسته الداخلية خلال ثماني سنوات.
في فصل quot;لغز خاتميquot; نتابع سيرته، ومحصلة ولايتيه للرئاسة حتى 2005، وسنجده مريدا مخلصا لخميني وأفكاره منذ شبابه حين كان من ضمن حلقة بهشتي، الذي اغتيل فيما بعد مع عشرات من أتباعه في تفجير غامض المصدر في طهران.

محمد خاتمي من مواليد 1943، وحصل على شهادة علوم الدين الشيعية في قم، ثم على شهادة دكتوراه في العلوم التربوية من جامعة طهران، وقد سافر لألمانيا الغربية قبل الثورة، حيث التحق بحلقة بهشتي الذي كان إمام جامع هامبورغ، والمقرب من خميني، وبعد سفر بهشتي المفاجئ لأميركا في سبتمبر 1978 حل خاتمي محله في إمامة المسجد المذكور.
كان أول مركز شغله بعد الثورة رئاسة تحرير الصحيفة الأكثر انتشارا وهي quot;إطلاعاتquot;، فتحولت لمجرد بوق للنظام، ثم عينه خميني أحد قادة حراس الثورة، وفي عهد الرئاسة الأولى لهاشمي رفسنجاني عين خاتمي وزيرا للثقافة. كان ذلك أسوا عهد للثقافة والمثقفين ووسائل الإعلام. نقرأ في الكتاب[ ص202 ] أن رافسنجاني شن حملة قمع واسعة ضد الصحفيين، وشدد الرقابة، وقد تم وضع 400 كاتب وشاعر وصحفي، منهم من كانوا في الخارج، في قائمة سوداء، [كم تذكرنا بقائمة عدي لعام 2000؟!]، وتمت مصادرة الكتب بنطاق أوسع من قبل فوصل العدد إلى 5000، وحوصر الإنتاج السينائي لتطهيره؛ كل ذلك والوضع المعيشي كان يزداد تدهورا.

في 1992 استقال خاتمي، ولكنه عين مستشارا ثقافيا لدى رفنسجاني نفسه، ولم يرتفع له صوت لإدانة الانتهاكات الفظة، لا زمن خميني، ولا في رئاسة رفنسجاني التي شغلت ولايتين، حتى إذا ما ضجت الشكاوى، وارتفع زخم الغضب والتوتر، لاسيما بين المثقفين والشباب والنساء، وبعد فشل رفنسجاني في تعديل الدستور لتولي ولاية ثالثة؛ بعد هذا دفع رفنسنجاني بمحمد خاتمي للترشيح عام 1997، ليكون صمام أمان يقي من انفجار محتمل. تولى خاتمي رئاستين، من 1997 وحتى 2005، فماذا كانت حصيلتهما في السياستين الداخلية والخارجية؟
دخل خاتمي ببرنامج انتخابي تحت شعارات الديمقراطية، ورفع القيود المشددة على المرأة، وتحسين الأوضاع المعيشية، ورفع شعار quot;دولة القانونquot;، الذي يذكرنا بالشعار الانتخابي للمالكي! وجدت تلك الشعارات حماسا واسعا لاسيما بين الشباب المتعطش للتغيير وانتخب بأغلبية كبرى في وجه مرشح الملالي الأكثر محافظة ورجعية، علما بأن انتخابات إيران مقيدة ومقننة فلا يمكن اعتبارها ديمقراطية. كان الناخبون المتحمسون له يتصورون أنه تنويري كالمثقفين الغربيين ولكن بعمامة، ووصفوا فترة 1997 وإلى 1999 بquot;ربيع طهرانquot;، تذكيرا بربيع براغ، الذي سحقته الدبابات السوفيتية عام 1968.
هكذا انتهى quot;شهر العسلquot; مع نهاية 1999 بقمع تمرد طلابي واسع كان يهدد بثورة جديدة، فقد أصدر خاتمي أمر القمع بعد تردد.
منذ 2000 تزايد عبث الباسداران والباسيدج بالأمن، ومن ورائهم خامنئي وابنه، وكل القوى الأشد شراسة ضد الانفتاح ولتدمير كل فرصة للتغيير، وفي نهاية عهد خاتمي كان عدد السجناء السياسيين قد تضاعف، وزادت وتيرة الإعدام، خصوصا بين الفتيات القاصرات، وظلت وسائل الإعلام تحت سيطرة الباسدران، (حرس الثورة)، والحلقة المحيطة بالفقيه، كما ازدادت الأوضاع المعيشية تدهورا.
لقد انقلب التفاؤل الأولي بالخيبة والغضب، وحل محل quot;ربيع طهرانquot; شتاء أسود في منتهى القسوة، وتدهورت سمعة quot;الإصلاحيينquot; ورصيدهم بين الفئات والتيارات التي كانت تطمح للتغيير وانتخبت خاتمي مع أنه كان أكثر سياسي إيراني يتحدث عن الديمقراطية.
يقول مؤلفا كتاب quot;غناء الملالي، مهدي دادستان وجانيو: quot;إن الكثيرين اليوم يؤكدون أن ثماني سنوات رئاسته لم تكن غير لعبة السلطة الحاكمة لإدامة وتثبيت النظام، وامتصاص السخط الشعبي، وقطع الطريق على أي انفجار متوقع.
هل كان خاتمي عاجزا ومقيد اليدين؟ أم كان أداة واعية لمناورات خامنئي الماسك بالسلطة؟ يمكن الميل للفرضية الأولى، ولكن صمته الطويل على القمع والاغتيالات ليس لصالحه.
إن المجال الوحيد الذي حقق فيه خاتمي بعض النجاحات هو في السياسة الخارجية، وهذا الموضوع سيكون محور مقالنا القادم، وهو الموضوع الذي له صلة مباشرة بالأزمات الدولية والإقليمية الساخنة ذات العلاقة بإيران، ولاسيما موضوع النووي، وسنرى إن كان قادرا، لو نجح في الانتخابات، على الخروج من صلب السياسات المرسومة، أم سيمارسها بطريقة أخرى دون الخروج عنها!.