دم يغمر الوجه، وعينان تظلان مفتوحتين تتطلعان نحو مستقبل منير، بعد كسر أغلال نظام الفقيه والباسدارن ووحوش الباسيجي.
إنها نِدا آغا سلطاني، ضحية نظام الملالي الوحشي، واستهتاره بكل القيم الإنسانية، وامتهانه لكرامة الإنسان.
سقطت نِدا،[ اسمها من نداء وليس هو ندى العربية]، شهيدة، لتتحول إلى رمز لحيوية الشعب الإيراني، وكفاحية قوى التغيير الديمقراطي، وإلى نداء يدعو الشعب إلى الأمل والإيمان بحتمية الانتصار، والحريق الذي أشعلها، فظلت تنادي quot;إنني أحترقquot;، لابد أن يؤدي يوما لحرق الشر، وتحرير الشعب الإيراني من الكابوس.
إنها صارت، في وقت واحد، ملاكا في أنظار المنتفضين والمتضامنين معهم، ورمزا لنضال الشعب الإيراني، بل ومحفزا لكل الضمائر الحية في العالم ليهبوا لدعم قوى الانتفاضة المجيدة، وإدانة وحشية نظام خامنئي ndash; نجاد، لأن هذا هو واجب الوفاء الحق لقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لا نعتقد أن كل صاحب ضمير حي رأى مشهد الاحتضار، الذي لم يدم غير دقيقتين، إلا وامتلأ بمشاعر الحزن العميق والغضب والاشمئزاز من تلك المخلوقات الآدمية المسماة الباسيج وباسداران، التي حولها نظام ولاية الفقيه إلى أدوات قتل وتعذيب ووحوش كاسرة تفترس كل من هو خيّر، ولاسيما النساء.
ندا ليست الضحية النسائية الأولى في إيران، فالنظام المظلم قد جعل المرأة هدفه السهل، ضربا بالسياط وجلدا ومطاردة مستمرة وقتلا.
قبل ندا كانت مأساة زهرة كاظمي عام 2004، أي في عهد محمد خاتمي.
زهرة كاظمي كانت إيرانية بجنسية كندية، اعتقلت وسجنت في 23 حزيران 2004 بتهمة ملفقة، وتعرضت في الاعتقال للضرب والإهانة والاغتصاب، ثم عذبت حتى لحظات الاحتضار، ونقلوها لمستشفى الطوارئ في نفس اليوم فتموت ويشهد الطبيب بأن الوفاة كانت نتيجة اضطراب قوي في الدماغ. لم يكتف الوحوش بتعذيبها حتى الموت، بل لا يزالون يرفضون تسليم جثتها لعائلتها، ومنعوا إقامة تأبينها كما يمنعون اليوم تأبين ندا في المسجد. أما القاضي، فقد جرت ترقتيته!
إن الصحفيين وبعض رجالات الساسة في الغرب، ممن يقولون إن وحشية النظام الإيراني قد فاجأتهم، قد نسوا أنه ولد دمويا منذ ميلاده، فقد أعدم خلال عامه الأول مئات ومئات، وكلنا يذكر القاضي صادق خلخالي، الذي كان يقتل بيديه حتى في المستشفيات، مستبيحا قتل الناس مثلما كان يلذ له قتل القطيطات خنقا. كما نعرف كيف راح النظام يصفي قوى الثورة من علمانيين وإصلاحيين حقيقيين ومثقفين، ونعرف كيف راح ينشر الرعب والإرهاب في المنطقة، وهو أول نظام يختطف طاقم سفارة أجنبية لمدة 444 يوما.
يقول كتاب quot;الملالي ورقصة الموتquot;، الذي توقفنا عنده مرارا، إن خميني كان معجبا بالمنظمة الإرهابية فدائيي إسلام، التي حاولت قتل مصدق ففشلت، ولكنها نجحت في اغتيال وزيره حسين فاطمي. ويقول المدير العام الأسبق للمخابرات الخارجية الفرنسية، [مارينش]، في حوار طويل معه نشر في كتاب عام 1986، إن ولداً من عائلة خميني تشاجر مع ابن أحد الجيران حين كان خميني في النجف، فغضب خميني، وطالب السلطات العراقية باعتقال وسجن ابن الجيران ومعاقبته بمنتهى الصرامة.
المعارضون الإيرانيون يقولون إن نظام ولاية الفقيه قد طارد أيضا الحس العائلي باعتباره quot;قيمة غربيةquot;، ويوردون لنا أمثلة فظيعة، كتلك الأم التي مجدها النظام لأنها وشت بابنها لأنه معارض، فقتلوه، وحسين حسني في مدينة الرضائية قتل ابنه لأنه يميل للشيوعية، وآية الله موسوي، نائب المحاكم الثورية، حكم على ابنه بالإعدام. ألا تذكرنا هذه الأمثلة بممارسات صدام؟! ألا تذكرنا همجية الباسيج، الذين اغتالوا ندا، بوحشية فدائيي صدام، ومن قبلهم الإس. إس. النازي؟؟
أجل، إن عيني ندا، اللتين أصرتا على النظر رغم الموت، كانتا تستشرفان بثقة ذلك المستقبل الديمقراطي المنير على أنقاض نظام القهر والقتل والظلام ونشر الإرهاب والسباق النووي ndash; النظام الذي سيحين أجله، حتى ولو استطاع إخماد الانتفاضة مؤقتا، وعندما يأتي ذلك اليوم الموعود، فلن ينفعه الفنزويلي شافيز، ولا عرب إيران في لبنان والعراق وغزة، ومعهم إخوان مصر، ولا دعم بوتين، أو الصين التي تقوم، ويا للفضيحة، بتدريب ضباط الباسداران، كما تؤكد معلومات المعارضة الإيرانية.
فمجدا لندا أغا سلطاني، ومجدا لزهرة كاظمي، وتحية للمرأة الإيرانية المناضلة رغم القمع البربري.