إن انتشار ظاهرة البرقع والنقاب في الشوارع الفرنسية قد تحولت إلى شاغل الدولة والأحزاب الفرنسية على اختلاف اتجاهاتها وقلق المنظمات المدافعة عن حقوق المرأة، وقد أحسن الأستاذ فاضل الخياط بالتعليق على الموضوع في مقاله ليوم 26 يونيو الجاري.
الحجاب الكامل، ومعه النقاب الذي لا تظهر منه غير عيني المرأة، لم يكونا ظاهرة في فرنسا قبل خمس سنوات مثلا، ولكن تزايد نفوذ الأصوليين واتساع نشاط تنظيماتهم المنتشرة، وانجرار جموع المسلمين وراءهم، يجعلهم أكثر جرأة على تحدي العلمانية في فرنسا بعد الضجة المفتعلة حول فانون حظر الحجاب في مدارس الدولة، وهي الضجة التي ألهبها الإسلاميون المتطرفون خارج فرنسا أيضا.

لقد طالب 60 نائبا فرنسيا من اتجاهات مختلفة بتشكيل لجنة تحقيق لدراسة ظاهرة انتشار لبرقع، [ أوquot;البركاquot;، أو quot;البوشيquot; عراقيا ]، أي الحجاب الطالباني، باعتباره عدوانا على شخصية المرأة وكرامتها وحريتها، ودليل استعبادها بوضعها وراء أسوار سجنية مظلمة، وهذا ما دفع سركوزي للتصريح قبل أيام بأن البرقع quot;غير مرغوب فيه بفرنساquot; وأنه quot;استعباد للمرأةquot;، مع التأكيد مجددا على احترام الديانة الإسلامية. فالبرقع ليس هوية دينية بدليل أن الملايين من النساء المسلمات في العالم لا يرتدين هذه الخيمة السوداء الشائنة.
كالعادة، هب الإخوانيون في فرنسا لإدانة الموقف الفرنسي، منددين باحتمال إصدار قانون بالحظر، ومن بيروت هب، وكالعادة أيضا، السيد فضل الله ليصرخ بدوره، ذارفا الدمع على مصير الإسلام في فرنسا، كما ذرفه عام 2004 بسبب رفض المرجعية الدينية في النجف تأييد فتنة مقتدى الصدر الدموية، التي أهانت حرمات المراقد المقدسة وطالت حتى مناراتها.
المتطرفون الإسلاميون في الغرب لا يتورعون في كل يوم عن انتهاك مبادئ وقوانين الدول التي ترعى المسلمين، وتقدم لهم المعونات السخية، وتسمح لهم بحرية العبادة كاملة. إنهم، كما يكتب الصحفي لفرنسي quot; إيفان ريوفولquot;، يتصرفون على الأرض الفرنسية وكأنها أرض محتلة، وقد كشفوا عن وجوههم الحقيقية في إيران، وإن على الحكومة عدم الاستمرار في التساهل معهم، كما أبدى الكاتب أسفه لأن التعديل الوزاري الأخير قصّر في تعيين عدد أكبر من المسلمات الفرنسيات العلمانيات - أي من أمثال الوزيرة السابقة رشيدة داتي ووكيلة الوزير فضيلة عمارة، اللتين تدعوان إلى صدور فانون بالحظر.
نذكر بالمناسبة أن أوباما، خلال زيارته لفرنسا مؤخرا، انتقد بشدة الدول الغربية التي تحظر على النساء ارتداء ملابس بعينها، وكان يقصد فرنسا بالذات، فرد عليه سركوزي بأن الحجاب غير محظور في فرنسا إلا في المدارس العامة، وهو مباح ما دامت المرأة تضعه بإرادتها الحرة،، علما بأن أوباما لم يختر غير محجبة كمستشارة له! السؤال الحقيقي: أما كان من واجبه التذكير بحقوق المرأة المستباحة كليا في العالم الإسلامي؟ أو مجرد إشارة ضمنية لوضعها المأساوي، بدلا من انتقاد العلمانية الفرنسية تزلفا للمتطرفين والمتعصبين الإسلاميين؟؟
الموضوع شائك، ويعيد من جديد الجدل حول العلمانية، التي يقول عنها سركوزي، وهو محق، quot;العلمانية ليست رفضا للديانات بل هي مبدأ يقوم على الحياد والاحترام.quot;
عدا موضوع البرقع، نذكر وقائع أخرى عن ممارسات التطرف الإسلامي في الغرب، وعواقبه السلبية على سمعة المسلمين أنفسهم.
هناك مثلا دعوة إمام مسجد بروكسل لمقاطعة المدارس البلجيكية احتجاجا على قرار حظر الحجاب في المدارس، وقد حرض نساء مسلمات على التظاهر احتجاجا.
هناك أيضا احتجاجات عائلة موريتانية على إسبانيا بادعاء أن القضاء الإسباني quot;ظلمهاquot; لأنه أصدر أحكاما ضد رجل وزوجته من العائلة بتهمة تزويج ابنتهما القاصر من رجل متقدم في السن، كما صدر حكم بالسجن بحق الزوج أيضا. عائلة هؤلاء في نواكشوط يحتجون بنصب خيمة صحراوية قرب الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة وسط العاصمة نواكشوط، وصارت الخيمة قبلة عدد من الساسة، ولاسيما من قادة التيار الإسلامي.
الحدث الثالث، وهو الذي أحدث صدمة للفرنسيين قبل أسابيع، هو افتضاح أمر والدين مغربيين لهما سبعة أبناء وبنات في إحدى المدن الفرنسية. فقد لاحظ عدد من المارة ذات يوم صبيا هزيلا أصفر اللون، في الرابعة عشرة، يبحث في صندوق القمامة ليجد شيئا يأكله، ولما علم البوليس قام بالتحقيق، فوجد أن بقية الأبناء والبنات، باستثناء الأكبر العائش في مكان آخر، هم في منتهى الهزال والتداعي، إذ أن الأب كان يحرم عليهم الأكل إلا لماما، ولما سئل عن السبب، أجاب بأنه يريد تربيتهم تربية إسلامية!!! كان وزن صبية بعمر 14 و15 16 سنة لا يزيد عن 40 كيلوغراما، وقد نقل بعضهم للمستشفيات، بينما اعتقل الوالدان.
هذه بعض الأمثلة الجديدة على مدى استفحال التطرف والتزمت الدينيين في فرنسا وفي دول الغرب الأخرى، ومع ذلك، فالإسلاميون يتباكون، ويدقون الصدور باسم quot;مذبحة الإسلامquot; في الغرب، وما quot;الذابحquot;، لو كان ثمة ذابح، غير الأصوليين أنفسهم.
مع انفجار مشكلة البرقع، راحت مواقع ألكترونية إسلامية عديدة تنشر الاحتجاجات الصاخبة، وبعضها أخذ يهدد سركوزي بالويل والثبور، ويشتمه، وشخص يدعي أنه بروفسور لا يتورع عن التلفيق بأن تقاليد فرنسا ضد الأديان، متناسيا عن عمد مئات الجوامع المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وآخرون يتحدثون عن غوانتينامو فرنسية للمسلمين! حملة تذكرنا بحملة الكاريكاتورات، يشعلونها للتحريض لأغراض سياسية بحتة، بعيدة عن الحرص على الدين.
مسكين هذا الإسلام المختطف أصوليا، ومسكينة سمعة المسلمين في الغرب والتي لا يسئ إليها غير المتطرفين الإسلاميين.