الثلاثون من حزيران - يونيو كان موعد انسحاب القوات الأميركية من المدن العراقية حسب الاتفاقية بين الحكومة العراقية وإدارة الرئيس بوش.
السيد المالكي، الذي رفض جعل يوم سقوط صدام في 9 نيسان عيدا وطنيا، يحتفل في هذا الثلاثين بالانتصار الشامخ على القوات الأميركية، التي أساءت للعراق وشعبه بتحريرهما من النظام الأكثر دموية في تاريخ العراق الحديث!
هكذا تتداخل المفاهيم والمعايير والقيم في عراق بعد صدام في خليط عجيب، غريب، فتنقلب المقاييس، وتتشوه الوقائع.
الصدريون وفلول صدام يعتبرون يوم التحرر من النظام البائد quot;يوم حدادquot;، وذلك برغم تباين ما يقصده الطرفان- فأولئك يبكون على قائدهم الأوحد الضرورة، وهؤلاء يستوحون من وليهم الفقيه في طهران.
إن من العراقيين من تملأ البهجة صدورهم للانسحاب الأميركي، ولكن فئات غير قليلة تشعر بالقلق الشديد، لأسباب منها:
- القوات العراقية لا تزال غير مؤهلة بعد لتولي المسئوليات الأمنية لوحدها، فضلا عن كونها مخترقة تماما من قبل البعثيين وأتباع القاعدة والحزبيين.
- الخوف من عودة المليشيات الحزبية لانتهاز الفرصة لممارسة عمليات مطاردة وتنكيل طائفية؛
- القلق من أن تملأ إيران كل الفراغ بعد أن اكتسح نفوذها لحد اليوم مجالات المجتمع والحياة ومفاصل الدولة.
أما مجالس الصحوة، التي ساعدت لحد كبير على استتباب الأمن في المناطق الغربية، فهي تخشى اتساع نطاق تحرش القوات الحكومية، والمليشيات بها.
إن مراسلة quot;الشرق الأوسطquot; في بغداد تنقل عن أحد المحامين العراقيين في بغداد قوله:
quot; كنت سجينا في زمن صدام، وللأميركيين فضل علي بتخليصي من ذلك الحكم، ولا أستطيع سوى أن أقول لهم شكرا جزيلا على الرغم من أن بعض الجنود تجاوز الحدود العسكرية، واخترق القانون في الانتهاكات التي حصلت في السجون أو في الشارع، لكن بشكل عام، أنا ممتن لهم.quot; [quot;الشرق الأوسطquot; 29 يونيو 2009 ] .
لم يكن هذا المحامي لوحده سجينا ومضطهدا في عهد صدام، بل الشعب بمختلف فئاته ومذاهبه وأديانه وقومياته، كانوا سجناء. وإذا كانت قد وقعت للأميركيين أخطاء، فلا يجب نسيان الأخطاء والتجاوزات الأكبر للقيادات السياسية والدينية العراقية، ودور تدخل إيران والقاعدة وسوريا وبعض أهل الخليج في الشأن العراقي منذ سقوط صدام.
لقد دعونا السيد المالكي في مقالنا عن عودة الإئتلاف السياسي الشيعي، المنشور في 22 يونيو- حزيران: إلى quot;عدم المبالغة في قدرة القوات العراقية على القضاء على الإرهاب لوحدها بدون القوات الأميركية، وإلى أن لا يجعل من خروجها من المدن quot;انتصاراquot; وطنيا باهرا، فهذه القوات حليفة القوات العراقية، وإن أطراف الإتلاف وكل أطراف الحكم مدينون لتضحيات الجنود الأميركيين بالتحرر من صدام وبلوغ السلطة.quot; ناهيك عن دور القوات الأمريكية في تدريب وتجهيز القوات العراقية وإيصاله إلى مستواها الحالي. لكن رئيس الوزراء مضى في مشروعه الاحتفالي المظفر والتاريخي ليوم الثلاثين، ودعا الشعب للخروج ابتهاجا بالتحرر ممن حرروه!
مفهوم السيادة عند حكومة المالكي لا يشمل طبعا تغلغل التدخل الإيراني الواسع النطاق، حتى في طبيعة الدستور، واليوم الإلحاح على إعادة تفعيل أحزاب الإتلاف الموالية، فضلا عن مواصلة دعم عمليات إرهاب المليشيات، وإيواء إيران لقادة في القاعدة.
ألا ما أحسن ما كتبه مؤخرا الدكتور عبد الخالق حسين منذ يومين في مقاله الممتاز عن العراق، والمعنون: (يا له من بركان ناكر للجميل ).
نعم إنه لنكران، وأي نكران!