الواقع إن خليطا ممتزجا من المآسي والمفارقات والمهازل هو ما يميز عراق اليوم. خليط عضوي، إن صح التعبير، بحيث تكون المأساة مفارقة ومهزلة في الوقت ذاته.
ثرثرة متواصلة عن الفساد، ووعود وتهديدات بالحساب والعقاب. أما على الأرض، فالنهب من المال العام صار ظاهرة عامة وأمام أنظار الجميع.


1- quot;مكافحة الفسادquot;:
السيد المالكي هدد خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وبعدها بالمحاسبة، ولكن المقربين منه ومن قادة الإتلاف هم بين أكثر المتهمين ذكرا.
نشير مثلا للضجة عن المدعو عبد الزهرة الشالوشي، والتقرير المنشور عنه في صحيفة quot;صوت العراقquot; بتاريخ 12 تموز الجاري. هذا التقرير يذكر أن المذكور هو من حزب الدعوة ومقيم في أميركا، وقد جمع من الآلاف من لاجئي معسكر quot;رفحquot; السابقين، والمنقولين من السعودية للولايات المتحدة، مبلغ 28 مليون دولار باسم الاستثمارات والبناء في العراق، ثم تبين لهم أن لا شبح لأي بناء واستثمار. التقرير يربط الشالوشي بالسكرتير الخاص للمالكي، واسمه كاطع الركابي، ويقال إن المنكوبين كانوا ينوون القيام بمظاهرة احتجاج خلال زيارة المالكي ثم تراجعوا. إننا ما زلنا ننتظر تعقيبا رسميا على هذا التقرير الرهيب لنعرف الحقائق بدقة.
الحدث quot;الفساديquot; البارز الآخر وقع في جنيف مؤخرا بحجز بوليس المطار لمندوب العراق في الأمم المتحدة، السيد حامد البياتي، من المجلس الأعلى، وفي حقيبته 40 مليون دولار عدا ونقدا. بعد الاستجواب، قال إن الملايين تعود لعمار الحكيم، ولما اتصلت السلطات السويسرية بالسيد عمار عن طريق ممثلية العراق الدائمة في جنيف، فإنه أيد ما قاله البياني، مدعيا أن الأموال خرجت من العراق بالطرق الأصولية وبعلم الحكومة!
إنه النهب quot;المباحquot; باسم المذهب، والحزب، بل صار تقاسم المغانم عمادا راسخا في النظام العراقي، quot; الذي رسخت فيه الديمقراطيةquot;، كما قال المالكي في أميركا.

2 ndash; quot;مكافحة الطائفية والمحاصصةquot;:
أكثر رئيس الوزراء من الحديث ضد المحاصصة في توزيع المناصب. وقد اطلعنا على قائمتي أسماء السفراء العراقيين الجدد. ونكتفي باستعراض قائمة بأربعة وعشرين اسما الأولى، كما وردت في صحيفة quot;البينة الجديدةquot;، الصادرة في العراق، وقد أرجعت كل سفير للمرجع الذي رشحه. فمن القائمة هناك النصف من الأحزاب والمنظمات السياسية الشيعية، وكالتالي:
1 ndash; حسين محمود الخطيب من المجلس الأعلى؛ 2 ndash; أسعد أبوكلل من المجلس الأعلى؛ 3 ndash; شاكر قاسم،منظمة بدر؛ 4 ndash; محمد حسين بحر العلوم، بدر؛ 5 - لقمان عبد الرحيم، حزب الدعوة؛ 6 ndash; أمال موسى حسين، حزب الدعوة؛ 7 ndash; نزار عيسى الخير الله، حزب الدعوة ndash; تنظيم العراق؛ 8 ndash; جابر حبيب جابر، التيار الصدري؛ 9 ndash; علي عباس العامري، التيار الصدري؛ 10 ndash; باسم حطاب الطعمة، التيار الصدري؛ 11- ماجد عبد الرضا، الفضيلة؛ 12 ndash;عادل مصطفى، الفضيلة.
وسنعود من جديد لهذا الموضوع، لاستعراض كيفية توزيع المناصب الهامة، وكيف أن المعايير الحزبية والمذهبية والعرقية والشخصية وحتى المدائنية، [من المدن كالناصرية مثلا!!]، هي السائدة في كل التعيينات. لكن الأخطر في رأينا، هو من تختار كل جهة، وما هي مواصفاته ومؤهلاته، وهل يستحق المنصب عن جدارة. لا ننكر أن هناك سفراء يبدو أن لهم بعض الخبر والكفاءات، ومن هم على استعداد للتعلم، ولكننا اطلعنا على أجوبة البعض الآخر أمام البرلمان، لنجد أن منهم من ليسوا جديرين حتى بمنصب أدنى من السفارة بكثير.
إن هذه هي المعضلة الحقيقية لتوزيع المناصب في العراق. إنها معضلة سيادة المحسوبية والصداقة والقرابة، ولو كان التوزيع على أساس الكفاءات الحقيقية لكانت الظاهرة أهون.

3 ndash; مفارقات العلاقات مع الولايات المتحدة ومع إيران:
جاء الحكام الحاضرون بفضل تضحيات القوات متعددة الجنسيات، لاسيما الأميركية. ولعبت أميركا الدور الأول لتصفية الديون الهائلة المطلوب أن يدفعها العراق، وقدمت مليارات لتعمير العراق وللخدمات، quot;طارquot; منها ما لا يقل عن 100 مليار ما بين تبذير وفساد. ولم تستطع القوات العراقية تحقيق أمن نسبي بغير مشاركة القوات الأميركية، التي تقوم في الوقت نفسه بتدريب وتسليح القوات العراقية. ولكن، هل صدرت عبارة شكر واحدة من المسئولين العراقيين باستثناء السيد رئيس الجمهورية؟؟ وخلال المفاوضات على الاتفاقية الأمنية راح المالكي يزايد ويضغط، كاشفا في خطبه وتصريحاته العلنية عن العداء لأميركا ndash; هذا ما كان يفهمه الرأي العام. أما بعض الساسة، الذين كان المؤمل أن يلعبوا دورا لبراليا وعلمانيا مؤثرا في مسيرة العراق، فإن منهم من عارض توقيع الاتفاقية، كالدكتورين الفاضلين إياد علاوي وأحمد الجلبي، وهذا أيضا كان موقف الزعيم الإسلامي السيد الجعفري وهو في طهران، وموقفه هو موقف إيران طبعا.
إن المفارقات والتناقضات في المواقف تظهر للعيان في أنه، من ناحية، يطالبون الولايات المتحدة باستمرار العون السخي، وبالعمل لرفع قيود البند السابع، وبالتدخل لحل المشاكل بين حكومة كردستان والحكومة المركزية؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يتعنترون، ويتصرفون وكأنهم أصحاب الفضل على أمريكا، وأن على واشنطن تنفيذ كل طلباتهم، وهم يفسرون الاتفاقية الأمنية على هواهم، وبما يهدد حياة الجنود الأميركيين كما حدث في البصرة، وكمحاولة اغتيال السفير الأميركي في الناصرية، وهي من معاقل المالكي ومستشاريه. وقد تجرأ ضابط عراقي على اعتقال ثلاثة جنود أميركيين لأنهم استخدموا النار ضد إرهابيين هاجموهم بالنار، ورغم إطلاق سراح الجنود، فقد اكتفى المالكي بالقول إن تصرف الضابط كان سوء فهم للاتفاقية! ترى ماذا كان سيقول لو أن المعتقلين كانوا جنودا عراقيين؟! إنها المفارقات، وإنها المزايدات، وإنه لنكران الجميل.
ولا ننسى بالطبع احتفالات المالكي بتنفيذ الاتفاقية الأمنية في المدن، وما نظمه من مهرجانات موسيقى وخطابة ومنابر شعرية بعنوان quot;استرداد السيادةquot;- هذه quot;السيادة التي تدوس عليها إيران كل يوم وكل ساعة، ودون أن يرفع المالكي صوتا ولو كان خافتا ضد تسلل جرذان إيرانية تحمل طاعون الخراب والطائفية. بل نظام ولاية الفقيه يتسبب في تعطيش أهل العراق ووادي الرافدين بتحويل مجاري الأنهار التي كانت تصب في العراق. فهل طالبت الحكومة من طهران بوقف هذه العمليات، التي يشكل شيعة الجنوب ضحاياها الأوائل مع بقية مناطق العراق؟ لحد يومنا هذا حول نظام الفقيه، [ راعي شيعة العالم!؟!] 42 نهرا كانت تجري عبر الأراضي العراقية، ومن ضمنها نهر الكارون الذي يصب في شط العرب. إن هذه مشكلة مأساوية كبرى، تستحق أن يتناولها الكتاب العراقيون، كما تناولها الدكتور رياض الأمير ndash; رئيس تحرير صحيفة عراق الغد ndash; في مقالته المثيرة بتاريخ 24 تموز الجاري، بعنوان quot;ظمأ الفراتين وسكوت مرضى الطائفية.. إلى متى؟!quot;
لا نريد منهم المزايدة والعنتريات على إيران، بل المطالبة باحترام سيادتنا التي تدوس عليها، وبعدم تخريب أمن العراق، وتعطيش أهله وأراضيه. فهل يفعلون؟ طبعا لا، فهم ما بين الموالين لطهران، أو المجاملين بإفراط لمنافع أو خوفا!
لقد ابتلي العراق بنظام صدام ليأتي نظام لا يقل سوءا عنه. فإلى متى سيظل شعب العراق يعاني ويدفع الحساب؟؟