هكذا راح بعض الكتاب العرب يفسرون ويبررون الجريمة الإرهابية الوحشية التي نفذها نضال مالك حسن، بكل جبن وغدر، ضد زملائه في قاعدة تكساس. يقول أحد هؤلاء في صحيفة عربية مرموقة إن الجاني إذا لم يكن إرهابيا فهو مجنون. لماذا؟ quot;السبب أن السياسة الغربية، والأميركية تحديدا، إزاء الفلسطينيين وفي العراق وأفغانستان وكل بلد تُجنّن العاقل حتى لو كان طبيبا نفسيا...quot;
مثل هذا المنطق قرأناه عند وقوع جرائم 11 سبتمبر. فالمسئولية أولا هي على السياسات الأميركية، حتى ولو كان الإرهاب الإسلامي يقتل الأبرياء بالجملة، ويفتك بالمسلمين بكثافة في الدول الإسلامية نفسها.
آخرون راحوا يقارنون بين جريمة الإرهابي القاعدي نضال مالك حسن بجريمة قتل مروة الشربيني بكل وحشية في درسدن الألمانية. هناك حقد عنصري، كما يقولون، وهنا جريمة مماثلة! والحال، أن المجرم الذي قتل الشربيني بمنتهى الجبن قد يكون يمثل نفسه فقط أو فريقا من العنصريين الألمان، وليس ألمانيا كمجتمع وشعب، ولكن الضجة المصرية والعربية والإسلامية حول جريمة اغتيالها حولوها إلى عملية إدانة لألمانيا ومجتمعها وقضائها، وكأن ألمانيا ضد المسلمين مع أن على أراضيها أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون مسلم لهم كل حرية العبادة، التي لا يتمتع بشيء مثلها غير المسلمين في معظم البلدان العربية والإسلامية. أما نضال حسن، فقد تحول من مسلم متطرف إلى أيديولوجيا القاعدة الإرهابية، فهو أحد امتدادات القاعدة ولو كان فردا، وقد ثبتت اتصالاته بأئمة جوامع كانوا على صلة بأعضاء في القاعدة منهم اثنان من منفذي جرائم 11 سبتمبر.
المغالطات التي تبرر في كل مرة، صراحة أو ضمنا، كل عملية إرهاب إسلامية، تتذرع دوما بقضايا سياسية، المتهمة فيها دول الغرب وأميركا بالذات. أما الصحيح، فهو أن التطرف والإرهاب الإسلاميين، قاعديين كانا أو إيرانيين، قائمان على عقيدة نشر الإسلام المتعصب، شيعيا أو سنيا، على نطاق العالم، وإخضاع العالم للتقاليد والممارسات المتخلفة، سواء ما يخص حرية المرأة أو حرية الرأي والتعبير، وكل تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية.
شيخ الازهر ومفتي مصر وحكومة مصر- جميعهم - يحرمون النقاب، ولكن الإسلاميين واتحاداتهم في الغرب يريدون فرض النقاب والبرقع باعتبارهما جزءا من الدين نفسه، وحتى رئيس مسجد باريس، الذي كان يوصف بالمعتدل، راح يعارض فكرة صدور قانون فرنسي يحرم النقاب في فرنسا.
منظمة المؤتمر الإسلامي، بقضها وقضيضها، والتي ترأسها تركيا أردوغان ndash; غول، طالبت أميركا بـquot;منع الإساءة للأديانquot;، وردت الخارجية الأميركية بان الطلب متطرف لأنه يحظر حرية التعبير وحرية الأديان معا. أما كيف نفسر quot;الإساءة للأديانquot; ndash; والمقصود حصرا الإسلام- فإن مجرد شعار quot;الحرب على الإرهابquot; اعتبروه يعني الحرب على الإسلام والمسلمين، ومجرد نقد النقاب أو تطرف هذا الإمام في الجامع أو ذاك، هو اعتداء على الإسلام. أما حالات كتب ورسوم ومقالات أثارت الضجيج في كل مرة، فهي معروفة.
عجيب حقا. الدول الغربية ديمقراطية وحرية التعبير والرأي مضمونة. هنا حتى المسيح لم يسلم من النقد في كتب وأفلام سينمائية، فكانت الكنيسة هي التي ترد بالإيضاح والقلم واللسان وليس بالسيف والمتفجرات. ونسأل: ماذا لو طالبت الدول الغربية المؤتمر الإسلامي بوقف الفتاوى التي تكفر غير المسلمين، وتلك التي تبرر قتل المدنيين الغربيين وتحث على العنف؟
ما يرتبط بحرية التعبير أيضا، وفي مجال آخر، يأتي قرار محكمة عراقية بإدانة صحيفة الغارديان البريطانية اليسارية لأنها نشرت مقالا يعتبر المالكي يسلك سياسة مستبدة. الله أكبر!! كثيرون من الساسة العراقيين اتهموا المالكي مرارا بالانفراد بالقرارات، وهذا يعني الاستبداد. ولكن المالكي لم يطلب محاكمتهم. المالكي نفى أن يكون وراء المحاكمة ونسبها للاستخبارات العراقية التي تخضع له شخصيا. عذر أفدح من الذنب!! فهل كان المالكي يجهل أن الاستخبارات تنوي المحكمة؟!! علما بأنني لست من المتعاطفين مع اتجاهات صحيفة الغارديان.
أوردت هذا الحدث لمجرد أن الشيء بالشيء يذكر في البلدان العربية والإسلامية: ففي مقدمة الأعداء عندنا: المرأة وحرية الرأي والتعبير.
ونسأل أيضا: ماذا يجري لأجنبي غربي لو سخر من النشيد الوطني لأي بلد عربي أو صفّر لعلمها؟ ماذا كانوا سيفعلون به؟ وهل لم يكونوا يسارعون حالا لاتهام دولته بالعداء وحتى بالتآمر؟؟ ولكن حدث مرارا أن صفّر الشباب الجزائري الفرنسي للنشيد الوطني الفرنسي دون أن يعتبر تصرفهم النابي والمدان من صنع حكومتهم.
نعم، الهواجس تجاه المسلمين في الغرب راحت تتراكم منذ 11 سبتمبر. ذلك أنه في كل يوم اعتقالات في الدول الغربية لأفراد ومجموعات مسلمين يعدون لتنفيذ عمليات إرهابية، مستغلين الحريات الواسعة التي يتمتعون بها في الغرب. وهذا رجل دين إيراني في أستراليا يرسل خطابات لأهالي سبعة جنود أستراليين قتلوا في أفغانستان يشتم فيها القتلى قائلا:quot; لا آسف لأن قاتلا لمدنيين فقد روحهquot;!! أي مجتمع يمكن أن يتحمل أمثال هؤلاء، الذين تملأ الكراهية قلوبهم وعقولهم؟ وهل يلام المواطن الأسترالي البسيط لو تولدت عنده هواجس من جاره المسلم؟
التذرع بفلسطين والعراق وأفغانستان ورقة نفاق وخداع، ولو قدم الغرب لهم دولة فلسطينية حرة quot;على كامل التراب الفلسطينيquot;، لما توقف الإرهاب الإسلامي، ولما تحول الإسلام السياسي إلى باني ديمقراطية وراعي حقوق الإنسان، ورائد سلام بين الأمم والأديان.
إن جريمة نضال مالك حسن مضاعفة لأنه قتل وجرح العشرات من زملائه وأصدقائه في عملية غدر سافلة جبانة. وهو، في الوقت نفسه، أعطى مثلا ساخنا لاوباما بأن اليد الممدودة للمتطرفين وأنظمتهم سترتد بالكوارث على أميركا والعالم، وأنها تشجع كل نظام متطرف وداعية توتر وتوسع، وأن شجبه لشعار الحرب على الإرهاب يدل على سذاجة سياسية وانفصام عن الواقع الحي