بكين: لا تزال شياو لي الممرضة البالغة من العمر 32 عاما تبكي حين تتذكر المرة الأولى التي ضربها فيها خطيبها الذي يعمل مرشدا سياحيا. وكان الاثنان يتجادلان حول كيفية تجديد شقتهما التي اشترياها حديثا في بكين حين تحولت المجادلة إلى دفعات ولكمات على مرأى من الجيران وحراس الأمن. وقالت والدموع تنهمر من جفنيها المتورمين "كل مرة كنت أنهض فيها كان يدفعني مجددا وسقط هاتفي النقال على الأرض وظل يسبني ويطالبني بالاعتراف بأنني مخطئة."

وقالت لي التي تبدو ملامحها الرقيقة وبشرتها التي تشبه الخزف الصيني وكأنها نسخة من لوحة مرسومة بالفرشاة تعود إلى عصر أسرة تانج "لم يسبق أن تحدث إلى أو عاملني أي أحد بمثل هذه الطريقة من قبل. "في هذه اللحظة أستطيع أن أفهم لماذا ينتهي الامر بالزوجات الصبورات اللاتي يتعرضن للمعاملة السيئة لسنوات الى قتل أزواجهن. لو كان معي سكين فأعتقد أنني كنت سأستعمله." لي واحدة من بين عشرات الملايين بل ربما مئات الملايين من النساء الصينيات اللاتي يقول خبراء صينيون انهن يتعرضن للمعاملة السيئة بشكل منتظم على يد أزواجهن أو شركائهن. وسجلت معدلات مفزعة لضرب الزوجات وانتحار الإناث في قرى الصين النائية شديدة الفقر.

غير أن الخبراء يقولون ان الشابات المتحررات مثل لي يتزايد سقوطهن ضحايا للعنف المنزلي حيث يتحملن تبعات انقلاب اجتماعي غير مسبوق يجتاح البلاد شجعه نمو اقتصادي يتجاوز نسبة التسعة في المئة سنويا. وفي تغير غريب تقول كثيرات من النساء ان وضعهن في المجتمع تقوض حيث نحت الاصلاحات الاقتصادية التي أطلق لها العنان قبل 20 عاما جانبا اخر الاثار الباقية للماوية التي اشتهرت بأن النساء كان يقال لهن أنهن "يملكن نصف السماء".

وتصدر ضرب الزوجات عناوين الصحف عام 1999 حين أفادت أنباء بأن ثلاث نساء في شمال شرق الصين قتلن على يد أزواجهن مما أدى الى كثير من مراجعة الضمير. طعنت امرأة وضربت أخرى وأضرمت النيران في ثالثة. وقالت وانج سيمي المسؤولة في اتحاد كل النساء في الصين ان مستوى العنف في قضايا الهجوم المنزلي ارتفع. ووفقا لدراسة مسحية حديثة أجرتها الاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية فان ثلث النساء في 270 مليون أسرة في شتى أنحاء البلاد كن ضحايا للعنف المنزلي. ويقول باحثون ان الدراسات المسحية كثيرا ما تقلل من قدر المشكلة بسبب عدم رغبة نساء كثيرات في "فقد احترام الاخرين" بالاعتراف حتى ولو كان دون الكشف عن اسمائهن ففي المجتمع الصيني التقليدي يفضل عدم الكشف عن الصراع الاسري علنا.

وايا كان الرقم الحقيقي يتفق الخبراء على أن العنف المنزلي أصبح اكثر شيوعا حيث تتجه الصين نحو اقتصاد السوق الذي يتسبب في فقد الملايين لوظائفهم ويؤذن بعودة الى القيم الاكثر تقليدية التي سبقت الحكم الشيوعي. وقال رين يوان الاستاذ في جامعة شنغهاي فودان الذي يدرس قضايا المرأة "الناس يشعرون بمزيد من الضغط. كلنا نشعر بهذا. الصين تتغير بسرعة شديدة ... شديدة للغاية أسرع من تغير خدمات المساعدة الاجتماعية والقانون."

ولا يدهش هذا السيدة وانج (42 عاما) التي كانت بمثابة كيس الرمل الذي يتدرب عليه الملاكمون بالنسبة لزوجها الجراح لعشر سنوات. وقالت السيدة التي تعيش في بكين بالهاتف "انه يقع تحت وطأة ضغط شديد في العمل ويصب جام غضبه علي. "في البداية صفعني وخطوة بخطوة تطور الامر الى ركلي وقذفي بكل شيء يستطيع أن يمسك به في المنزل." وقالت وانج ان أبويها وأقاربها دفعوها الى تحمل الضرب قائلين ان من الصعوبة بمكان بالنسبة لامرأة في سنها أن تكون وحيدة. وأضافت مرددة مخاوف كثيرات من النساء اللاتي يتعرضن للمعاملة السيئة "لا أريد الحصول على الطلاق. ليس لان الشقة التي أقيم بها مملوكة له ولان راتبه الشهري مثلي أو ثلاثة امثال راتبي فحسب. أريد أن أحتفظ بأسرة كاملة وطبيعية لطفلي."ولكن في كل مرة أشعر أنا وابني بالخوف الشديد بل انني فكرت في أن أقتله وأقتل نفسي وأطلب من أبوي تربية طفلي."

وتقول وانج ان مستقبلها سيكون مظلما اذا تركت زوجها. ولا توجد بالفعل أي دور لايواء النساء مدعومة من الحكومة في الصين لان المسؤولين يخشون أن تجلب النساء أطفالهن ويبقين الى الابد. ويقول الخبراء ان المشكلة تفاقمت نتيجة تراجع في الحقوق وفرص العمل حتى بالنسبة للنساء الموهوبات. ويبدو أن السلوكيات الاجتماعية ترتد الى الاساليب الكونفوشيوسية القديمة. ويضيفون أن من يسعين للحصول على وظائف أصبحن سلعا حيث يصل الامر ببعض الشابات الى اجراء عمليات لتجميل الانف والعينين لجذب انتباه أصحاب الاعمال المحتملين. وقالت وانج سيمي من الاتحاد النسائي "المزيد والمزيد من الناس يعتقدون أن على المرأة أن تلعب دورا اكثر أهمية في الاسرة عن المجتمع." ويشكل الزواج ضغطا اجتماعيا لا تستطيع كثيرات من النساء الصينيات في الوقت الحالي مثل الممرضة لي الهرب منه حتى لو اضطرت الى الزواج من شخص يسيء معاملتها. وقالت في حزن وهي تبكي "اذا لم أتزوجه فربما أصبح عانسا."