كان دندي مونتجومري وهو مراسل بالقطعة لتلفزيون رويترز في منزله بباندا اتشيه يوم 26 ديسمبر كانون الاول عندما وقع الزلزال قبالة الساحل وقام بتغطية الخسائر التي خلفها الزلزال وأمواج المد التي تلته. وفيما يلي وصفه لما حدث في ذلك اليوم.

باندا اتشيه (اندونيسيا) (رويترز) - كان مراسل تلفزيون رويترز بالقطعة دندي مونتجومري موجودا في منزله مع زوجته في مدينة باندا اتشيه الاندونيسية عندما بدأت الارض تهتز ببطء في البداية ثم بعنف لدقائق كثيرة.

بعد أن هرع مونتجومري الى الخارج أدرك أنها ليست هزة عادية تلك التي عصفت بالبلاد التي اعتادت على الزلازل. واحساسا منه أن وراء هذه الهزة موضوعا صحافيا كبيرا عاد الى منزله وأخذ كاميرته التلفزيونية وركب سيارته الجيب القديمة ولكنها قوية التحمل وانضمت اليه زوجته المصورة الفوتوغرافية نور ريحان.

لم يكن مونتجومري يدري أنه خلال الساعة القادمة سيرى الموت بعينيه في صورة حائط من المياه السوداء التي بلغ ارتفاعها عشرة أمتار متجهة نحو سيارته ثم سيجد فيما يشبه المعجزة والدته في شوارع باندا اتشيه وينقذ أرواح الكثيرين.

قاد مونتجومري (26 عاما) سيارته ناحية وسط مدينة باندا اتشيه.

بدأ التصوير في فندق كوالا تريبا الذي كان عادة ما يستخدمه صحافيو رويترز الذين يزورون الاقليم لتغطية الصراع المستمر هناك منذ عشرات السنين. انهار الطابق الاول من الفندق على الطابق الارضي مما أدى الى دفن نحو 30 من العاملين في شركة جارودا اندونيسيا الجوية تحت الانقاض كما قال له أحد الناجين.

وفي مكان قريب كان يوجد مسجد بيت الرحمن الذي يمثل رمزا بالنسبة للكثيرين للتيار الاسلامي القوي الموجود هنا.

صور مونتجومري مئذنته الرئيسية التي تحولت بسبب الزلزال الى ركام من الاسمنت. وعندما كان يهم بالتحرك الى مكان اخر سمع البعض يصرخون "مياه البحر. مياه البحر ترتفع. انقذوا أنفسكم."

واعتقادا منه أنه مجرد خوف مبالغ فيه نظرا لان مياه المحيط كانت على بعد ما بين ثلاثة وأربعة كيلومترات صور مونتجومري مشاعر الذعر في الوقت الذي كانت تتصادم فيه السيارات.

وقال مونتجومري متذكرا ما حدث "كنت اخذ لقطات قريبة قدر استطاعتي. كنت أرى واجهات المتاجر على مسافة. بعد ذلك رأيت الماء.. من خلف وجانب المتاجر مدمرا كل شيء في طريقه."

ومضى يقول "وفي الوقت ذاته بدأت ريحان تصرخ قائلة.. يا الهي. يا الهي."

بعد ذلك بدأ يتضح لمونتجومري أبعاد ما يحدث. كانت موجة عملاقة تسرع في اتجاههم.

وقال "كان الماء مختلطا بالسيارات وحطام المنازل. كان أسود."

أسرع مونتجومري بركوب سيارته وقاد بأقصى سرعة بعيدا عن المياه المقبلة ولم يتوقف الا ليأخذ معه امرأة كفيفة. وكان هناك أشخاص اخرون تخطى عددهم العشرة يبذلون محاولات مستميتة لانقاذ أنفسهم تعلقوا بمؤخرة سيارته.

ولم يمر وقت طويل الا وأصبحت سيارته محاصرة بسبب اختناق مروري نتيجة ذعر قادة السيارات الذين يرغبون في الفرار فالمياه كانت تقترب.

قال مونتجومري "كنت أظن أنني سأموت." وأضاف "بدأت ريحان تتمتم بايات قرانية.. وصرخت فيمن يركبون في مؤخرة السيارة طالبة منهم أن يدعوا الله لانقاذهم."

وفجأة انفرج الاختناق المروري ولكن السيارات توقفت مرة أخرى.

على الجهة اليمنى كانت المياه تبتلع كل ما في طريقها. وتحركت السيارات مرة أخرى. داس مونتجومري على بدال السرعة منطلقا بسيارته بعيدا. وفي مراة السيارة لم يكن يرى سوى سيارتين أو ثلاثا وراءه. ووراء تلك السيارات والى يمينه كان كل ما يمكن رؤيته هو تلك الموجة العاتية. ولكن الطريق أمامه كان مفتوحا وتمكن من النفاذ بحياته.

وفيما يشبه المعجزة تمكن من التعرف على والدته في شارع قرب مقابر قديمة للجنود الهولنديين الذين لقوا حتفهم في اتشيه. وشأنهم شأن الجيش الاندونيسي في سنوات لاحقة لم يتمكن المحتلون الهولنديون من اخماد رغبة سكان اتشيه في الاستقلال. وسارع مونتجومري بانقاذ والدته.

قال "كانت الفوضى هي السائدة طوال تلك الفترة. كانت السيارات تدهس الاشخاص في الشوارع وكانت تتصادم مع بعضها بعضا. كانوا يبذلون محاولات مستميتة للوصول الى أراض مرتفعة."

وبعد الابتعاد عن المحيط بعدة كيلومترات رأى مونتجومري المياه ترتفع تدريجيا ثم وصل ارتفاعها مترا. ولكنه واصل قيادة سيارته التي يمكن أن تخوض وسط مياه الفيضانات. وأخيرا بدأت المياه تهدأ وبدأ ركاب سيارته الذين شعروا له بالامتنان ومن بينهم الكفيفة في الخروج من سيارته.

توجه مونتجومري لمنزله الذي لم يكن بعيدا والذي أقيم بين مجموعة أخرى من المنازل في منطقة مرتفعة من الارض. وصلت المياه الى سقف منزله وكانت شبكة الهواتف المحمولة منهارة. لم يكن مونتجومري يعلم ذلك ولكن كانت أيضا خطوط الهواتف الارضية والكهرباء قد انقطعت. وظلوا مقيمين خارج المنزل لعدة أيام.

بعد ذلك بدأ يرى الجثث في كل مكان وساعد على نقل الكثير منها الى المسجد المحلي.

قال مونتجومري "قلت لوالدتي هذه هي نهاية العالم." ووجد هو وأسرته الملاذ أخيرا في مخيم مؤقت للاجئين. وأرسلت لقطات الفيديو المثيرة التي التقطها الى لندن على الفور وأذيعت في كل أنحاء العالم.

ومونتجومري موجود حاليا في ميدان عاصمة اقليم سومطرة الشمالية مع زوجته ريحان (29 عاما) ووالدته التي فقدت الكثير من أفراد عائلتها بسبب أمواج المد.

لقي الكثير من أصدقاء مونتجومري حتفهم. أما عائلته فقد خسرت كل ممتلكاتها تقريبا... ولم يتبق سوى سيارته الصدئة وكاميرته.