الشاعرة الانجليزية اجيل كاسيدي كتبت ابياتا شعرية حول المعاناة التي تقتصر على النساء من بنات جنسها ولخصت هذه المعاناة في كون المرأة انثى معرضة للقهر والاضطاد في غياب التعامل الحضاري والعقلاني معها فقالت :- الخوف ؛ الالم ؛ السكاكين والمسدسات والقبضات وقضبان الحديد وغرف السجن هي كل ما ينتظر المراة ، لانها تلتزم الصمت دائما على ما يجري لها رغما من انها اقتربت في كثير من احيان العذاب من الموت وتُركت مرمية للاموات. وتمضي قائلة : الشرطة يقولون ان التعذيب ياتي مع كينونتهن ولانها امراة ساقطة ولانها ليست انسانة وتستحقه. اما اذا قُتلت من جراء التعذيب فان احدا لن يكترث حتى بتذكر اسمها.

الكثيرون في باكستان يودون ان يظنوا انهم من الشعوب المتحضرة وانهم يعيشون في الزمن الحديث ولكن ما تقاسيه النساء في سجن كراتشي المركزي الخاص بالنساء يفضح هذا الاعتقاد ويؤكد ان سمة العصور الوسطى هي السائدة على الاقل فيما يتعلق بهذا السجن. فمن يعرف حقيقة ما يدور في سجن النساء يدور سؤال محير في ذهنة حول الغرض من هذه الحياة التي يسودها شيء واحد فقط هو الظلم بشتى صوره واشكاله. فهناك نقص حاد في الاحساس تجاه قضية تتطلب علاجا مرهفا ودقيقا.

والقضية تدور حول بنات صغيرات اعمارهن تتراوح بين 18 شهراوتسعة اعوام وقد تم حبسهن مع امهاتهن المشتبه في ارتكابهن لجنح اوجنايات. وهؤلاء البنات يقبعن خلف البوابات الحديدية الضخمة التي اختصت السلطات الامنية في تعزيزها وكانها تحمي المجتمع من شرور هؤلاء البنات الصغيرات. وهن 54 فتاة يقمن مع 276 امراة سجينة. والمعاناة التي تواجهها الفتيات تتناقض مع الذوق الانساني السليم ومع الحريات الشخصية.

والصعوبات النفسية والجسمانية التي تمر بها النساء المسجونات تترك عليهن علامات فارقة لمدى الحياة. والعالم خارج اسوار السجن والعالم داخله مختلفان تماما ولا يوجد شيئ مشترك بينهما.

ومعظم السجينات من النساء صدرت احكام ضدهن او انهن لا زلن عرضة للمداولات القضائية لتورطهن بالاتجار بالمخدرات او وقوعهن تحت طائلة قانون الحدود او لاقترافهن الزنا او الخطف او السرقة. وهن ينتمين للطبقة الدنيا ذات المداخيل المتدنية. فبدون المرأة الغائبة والمحكومة قضائيا او المشتبه فيها لا يستطيع بقية افراد الاسرة ان يهتموا بشان الفتيات. فعادة ما تقوم عمة الاطفال او ابيهم برعايتهم في غياب الام في غياهب السجون؛ وهي مهمة لا يستطيع اي منهما القيام بها بالشكل الملائم، او ان احدا منهما لا يرغب في ان يتكفل برعاية الاطفال ويقوم بالتالي بارسالهم الى السجن مع امهم التي تكون قد اقدمت على فعلتها باشراف الاب وبتوجيهاته.

وهم لا يدركون حقيقة ان الاطفال يترعرعون في بيئة السجن الفاسدة نفسيا وجسديا. فالحقيقة الدامغة هي ان هناك مجرمون يعملون بجد وعلانية او بصمت لتخريب محيطهم غير عابئين كثيرا بالاثار السيئة التي ستعود على البنات صغيرات السن؛ وامهاتهن لم يبلغن من العلم والدراية الكافية ليدفعن عنهن الاذى والا لما كانت الامهات قد وصلن الى ما وصلن اليه لو كانت لديهن هذه الدراية والبراعة. فمعظم النساء المحبوسات من المومسات ونزيلات البيوت المشبوهة وصاحبات الصولات والجولات في تخريب المجتمع وتدنيسه بكل آفة يستطعن اقترافها؛ واللاتي سيبذلن كل ما في وسعهن لاستغلال الامهات اللاتي ليس بايديهن حول ولا حيلة لدرء الشرور عن بناتهن. فهولاء المجرمات بطبيعتهن لا يهمهن مدى تلك الصعوبات التي تواجهها هؤلاء النساء العاديات عندما يضطررن لاقتراف خطأ او خطيئة ما من اجل بضعة لقيمات يطعمن بها اطفالهن.

المهمة الصعبة والتي تحظى بالاولوية بالنسبة لهؤلاء الفتيات الصغيرات هي كيفية حمايتهن في السجن من ان يحطمهن النهام المتعفن ويقضي عليهن الفساد والاختلاط بهذه النسوة. ومهما كانت فظاعة الجريمة او الخطيئة التي ارتكبتها هذه النسوة فانها لا تساوى بحال من الاحوال الكيفية التي سوف تتأثر بها هذه العقول الصغيرة التى تنكشف في اول سنوات عمرها على الفساد وعلى تعفن النفس الانسانية البعيدة عن ما هو سوي من المعتقدات والاخلاق والافعال. هذا الانكشاف سيخلق منهن عناصر ناقمة على المجتمع الذي لم يفسح لهن المجال للعيش بصورة طبيعية.

فلسان حال هؤلاء الاطفال يقول انهن يكرهن العيش خلف هذه الاسوار الشاهقة الارتفاع والتي يتعرضن بين جدرانها للضرب اذا اكلن واذا نمن واذا لعبن. والامهات منشغلات فيما بينهن بتصفية الحسابات من خلال جر الشعور وشق الملابس وتبادل الكلمات النابية. عقول البنات اصبحت مريضة من جراء سماع الكلمات النابية بكثافة تفوق أي مكان اخر، وهي تتدفق من الافواه وسط تبادل الركلات والصفعات والتي يزيد من حدتها صوت غفيرة السجن وهي تزمجر مهددة ويسندها في ذلك النظام المتعفن الذي يسمح لها بايقاع القدر الذي تراه من الاذى بضحيتها، ولا يهم، فالامر سيان ان كانت هذه الضحية مذنبة او بريئة. هؤلاء الاطفال الصغار يرغبون في ان يحلقوا خارج هذه الاسوار ويشعروا بطعم اخر للحياة لم يعهدوه بسبب خطايا امهاتهم.

تنامي معدلات الاعتداء التي يتعرض لها الاطفال وخصوصا البنات منهم هو امر يهدد حياة هؤلاء البنات سواء كن خارج او داخل السجن والقاسم المشترك في الحالتين هو غياب الام لسبب او لاخر. فهناك فتاتين منهن، رابية – 8 سنوات - واختها الصغيرة – 5 – اعوام تعرضن للاغتصاب بعد ان قامت الشرطة باعتقال امهن في قضية زنا. وكل اطفال المراة المعتقلة كانوا تحت رعاية اقاربهم لان الاب هو الاخر مسجون بتهمة الخطف. وتقول رابية انها لا زالت تشعر بهاتين اليدين القاسيتين اللاتي اعتديا على عفتها وذلك الانسان المخمور الذي لم يمنحها الفرصة لالتقاط انفاسها او للصياح طلبا للنجدة. هذا الشيطان لوث روح هذه الطفلة كما لوث جسدها اليافع ولو كانت امها حولها لحمتها من هذا المصير. والمجرم لم يكتف بذلك بل اعتدى على اختها الاصغر منها سنا. الام ذاتها تعرضت وهي في سن الحادية عشرة للاختطاف وللبيع لاحد رجال قبائل البلوش مقابل 60000 روبية ( حوالي الف دولار ) والذي تقاسمها مع اصدقائه من رجال القبيلة ولم تدر ما حل بوالديها بعد اختطافها واستغلالها من الرجل الذي امتلكها؛ وادى سجنها الى تعرض ابنتيها للاعتداء والاغتصاب وهن لا يزلن في مقتبل العمر. وتقول الام ان قضية الزنا قد لُفقت ضدها من جانب الشرطة الذين ذهبت لديهم لتشتكي على امراة اخرى كانت تريد الزواج من زوجها وتقول ان رجال الشرطةعذبوها لمدة يومين ورفعوا قضية زنا ضدها واودعوها سجن النساء الخاص بمدينة كراتشي. ومبلغ الرشوة الضخم الذي دفعه مرتكب جريمة الاغتصاب ضد الصغيرتين لرعاة الامن مكنته من الافلات من عقاب الجريمة التي ارتكبها في عتمة غرفة صغيرة ولاذ بالفرار من العقاب وما ادهش الام هو ان حماة المظلومين هم اول من يجب تطيهرهم من الفساد.

وتفيد الاحصائيات الرسمية وتلك التي تجمعها منظمات حقوق الانسان ان 1262 فتاة قد تعرضن للاعتداءات الجنسية خلال عام 2003م. وهذه الارقام لا تشمل الفتيات من سن 6 الى 10 اعوام واللاتي يتعرضن للاعتداءات الجنسية في طول البلاد وعرضها.

ومعظم النساء الحبيسات من الامهات و 80 % منهن لديهن طفلين او اكثر. وكما هي تقاليد المجتمع فان الفتاة لا يحق لها ان تعيش كما يحلو لها كما هو الحال مع الولد ولهذا فان عليها ان تعيش مع امها مدة الحكم المفروض عليها بدون ان تتنسم ريح الحرية. الا ان المدرسة الصغيرة داخل السجن تعتبر المتنفس الوحيد الذي تبتعد فيه الفتيات الصغيرات عن الشتائم والمشاكسات وشد الشعور والكلمات النابية. والسجينات الحوامل يعشن حياة لا ينقصها الا الرعاية الصحية المناسبة في حين ان الامهات المرضعات لا يحصلن على غذاء مناسب في محنتهن التي يمررن بها.