طلال سلامة من روما: تتحرك العديد من الدول العالمية لحل مشكلة التخلص من النفايات الصلبة. وتعتبر البلدان الأوروبية من ضمن الدول المنكبة على إجراء التجارب والأبحاث الهادفة الى التوصل إلى حلول علمية وعملية، تماشي البيئة. ويلعب قطاع الاستثمار الخاص دوراً جوهرياً في تمويل وتنفيذ هذه المشاريع.

من جانبها، تريد الدول العربية استغلال الخبرات العالمية بغية توكيل القطاع الخاص بمهمة جمع ونقل وفرز ومعالجة النفايات الصلبة. ولحد اليوم، تنجم المشكلة الأساسية عن عدم توفٌر الشروط الملائمة للبدء في تشييد مثل هذه المشاريع. وفي بلدان أوروبية غربية مثل إيطاليا، لا تتعلق القضية فقط باستعمال التكنولوجيا بل بتوفير القواعد القانونية والمالية لتشغيل وصيانة وتحديث المنشآت. ويأتي في طليعتها تحديد المواصفات والآلية الخاصة بطرق المعالجة والإقرار بنظام جديد لجمع الضرائب عدا عن طرح رسوم النظافة اللازمة لعمليات التمويل. لكن النقطة الأخيرة هي الأصعب بما أن سكان البلدان العربية يتهربون عادة من دفعها ويلقون مسؤولية الكلفة مباشرة على عاتق الدولة، بدون الأخذ في حسبانهم أن المشاركة فيها قد تخلق أعمالاً جديدة محترمة - حتى ولو كانت متعلقة بالنفايات - توفر بالطبع فرص عمل كثيرة ومتنوعة.

من ناحيتها، تتألق أوروبا بتجربة ممتازة في مجال البحث عن حلول للتخلص من النفايات الصلبة. وأصلاً، بدأ البحث عنها منذ أكثر من خمسين سنة؛ ولهذه الأغراض، صدقت الدول الأوروبية على أكثر من 3500 قانوناً تم بمقتضاها تصنيف النفايات وفقاً لمصادرها وخطورتها(إذا ما كانت نووية أم لا على سبيل المثال) وآلية معالجتها. وفي هذا السياق، صدرت في ألمانيا، في التسعينيات، قوانين نظرية تمنع طمر النفايات التي تحوي على أكثر من %5 من المواد العضوية؛ وتنوي حكومة برلين تطبيقها عملياً في العام الجاري. وهكذا، بدأ الصناعيون والعوائل فصل النفايات من أجل تقليل نسبة المواد التي تحتاج إلى الحرق أو الطمر. وبمقتضى النظام الجديد، تُقسم النفايات وتفصل إلى عدة مواد عضوية نافعة لتصنيع الأسمدة وإعادة تصنيع الورق والزجاج والمعادن ومواد البناء. وفيما يتعلق بالمواد التي لا يمكن فصلها أو إعادة تصنيعها فيتم طمر القسم الأكبر منها في أماكن خاصة(بينها ما يدعى بالمحارق البيئية)، بعضها مصمم حسب المقاييس والشروط العالمية والبعض الآخر لا. وتبرز على السطح المشكلة الرئيسية عندما لا تستحوذ تلك الأماكن على المواصفات البيئية المطلوبة، ملحقةً بالتالي الأضرار البيئية، لأن سؤ عزلها يؤدي إلى تسرب المواد الملوثة السامة في التربة والمياه الجوفية. يجدر بالذكر أن أعمال النفايات غير الشرعية، في إيطاليا، هي لب أعمال المافيا الإيطالية التي تربح منها سنوياً مئات الملايين من الدولارات.

على أية حال، يرتبط التخلص من النفايات الصلبة بالعوامل والقواعد ذات علاقة بالوضع السياسي الراهن والقوانين التنظيمية والإدارة المالية ومستوى التطور التكنولوجي. وللأسف، تعاني معظم دول العالم بضمنها أوروبا من خلل في تأمين هذه العناصر، بالصورة اللازمة. وتشمل المعاناة كذلك مدن الدول العربية وخاصة الكبيرة منها. ومن أجل السيطرة على هذه المشاكل يمكن للبلدان العربية الاستفادة - بشكل انتقائي - من تجارب وخبرات الدول الأوروبية أو الأميركية على صعيد تنظم عمليات الإنشاء والتمويل والتشغيل في أعقاب تحديد إجراءات التنفيذ. وتبرز التعقيدات البيروقراطية العربية في طليعة العوائق التي تواجهها آلية التنفيذ.