عبدالله زقوت من غزة: بعد أن تدخلت إرادة الله أولاً ، ثم جهود الأطباء الفلسطينيين، تحققت معجزة طبية ستظل الأجيال تذكرها نظراً لندرة تكرارها وغرابة تفاصيلها، فقد وصل الفتى محمد ميسرة غنيم ( 17 عاماً ) إلى ثلاجات حفظ الموتى في مستشفى أبو يوسف النجار في رفح ( جنوب قطاع غزة ) ، بعد أن طاف به الشبان أحياء رفح وهم يرددون عبارات " بالروح .. بالدم نفديك يا شهيد "، قبل أن يلحظ الأطباء أن شيئاً ما يتحرك في جسد الفتى، ليتم نقله على وجه السرعة إلى غرفة العمليات.

وكان الفتى محمد غنيم قد أصيب في الخامس عشر من الشهر الجاري، بعدة عيارات نارية أطلقها قناص إسرائيلي بالقرب من بوابة صلاح الدين القريبة من الحدود الفلسطينية المصرية، مما أدى إلى سقوطه على الأرض لأكثر من ربع ساعة، قبل أن يتدخل الشبان لإنقاذه، بعد أن وجدوه غارقاً في دمه، وظنوا أنه فارق الحياة، فحملوه في موكب جنائزي و طافوا به شوارع رفح وصولاً إلى ثلاجات حفظ الموتى في المستشفى، لكن حدث ما لا يصدق.

يقول الدكتور علي موسى مدير مستشفى أبو يوسف النجار إن محمد وصل إلى المستشفى شبه شهيد فنبضات قلبه ضعيفة، و ضغط دمه منخفض، و كان غائر العينين، علاوة على نزيف حاد أفقده أكثر من ثلث دمه، بعد إصابته، و يضيف : " دار جدل بين الأطباء حول جدوى إجراء عملية جراحية له بسبب تردي وضعه الصحي ، لكن الجميع قرر فعل كل شيء من أجل إنقاذه ، و أدخل إلى غرفة العمليات بشكل سريع ، بعد أن وصلنا من ثلاجات الموتى".

ويؤكد محمود أحد أقارب الفتى غنيم، أن ما حدث كان معجزة بالفعل، فقد علمت العائلة أن محمداً قد استشهد، و بدأ الجيران يتوافدون لتقديم واجب العزاء ومواساتنا، لكن إرادة الله كانت الأقوى، و نحن نشكر الله عزوجل على نعمته هذه، و نتقدم بشكرنا إلى الأطباء الذين بذلوا مجهودات جبارة لإنقاذ حياة محمد.

ووصف الجراح عبدالله شحاتة، الذي أجرى العملية لغنيم، بأنها من واحدة من أكثر العمليات صعوبة وتعقيداً طوال حياته، مشيراً إلى أنه تم في البداية مد جسمه بثماني وحدات من الدم قبل أن يتفاجأ الأطباء بأن الرصاصات أحدثت خراباً كبيراً، حيث أصيبت الرئة وجدار القلب، والحجاب الحاجز. و تابع " لقد أخرجنا كتلة دم كبيرة متجلطة حول الرئة، وواصلنا إمداده بالدم والأكسجين النقي، فبدأ وضعه الصحي يتحسن بشكل متسارع، حينها بدأنا نشعر بالسعادة والأمل بعودة الحياة من جديد للفتى".

وأضاف: " واستأصلنا جزءاً من الرئة، و"لحمـنا " جدار القبل، و بعد ثلاث ساعات أخرجناه من غرفة العمليات، بنبض وضغط دم مستقر، ثم سارعنا بتحويله إلى مستشفى غزة الأوروبي لإدخاله إلى غرفة العناية الفائقة".

وقال الدكتور موسى إنه و بعد عشرة أيام، وحين بدأ يتعافى عاد إلى المستشفى لاستكمال العلاج، و قد تحسن وضعه الصحي كثيراً و بدأ يتحدث و يمشي، و يتناول بعض الأطعمة.

ويضيف الجراح شحاته: " إن أفضل ما يمكن قوله لوصف ما حدث هو المثل القائل ( أعطنـي عمـراً و ارمني في البـحر )" . وأوضح موسى أن ما حدث كان معجزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد أدخلناه غرفة العمليات ونحن على يقين أنه سيفارق الحياة بعد لحظات، مشيراً إلى أن عمليات جراحية مماثلة أجريت لشبان وصلوا شبه موتى، لكن إرادة الله كان أقوى منا جميعاً، و أكد أن إدارة المستشفى قامت بتصوير العملية وتوثيقها لتبقى شاهدة على قدرة الله أولاً، ثم المجهودات الجبارة التي يبذلها الأطباء في المستشفى لإنقاذ الجرحى.