علي مطر من اسلام اباد: كحالها في بعض دول العالم الاسلامي فان المقامات والاضرحة الدينية في باكستان تكون في افضل احوالها مأوى للمشردين واطفال الشوارع وللمدمنين بطبيعة الحال وهم الاكثر بين هذه الفئات والذين يجدون ما يسد رمقهم من تبرعات المحسنين من سكان الجوار وجوار الجوار المحيط بالمقام حتى يصل الامر الى سكان القرى النائية الذين يسمعون عن هذا الضريح او ذاك ويظنون انه لا محالة جالب لهم السعادة بعد الشقاء والانجاب ..!! ويشدون الرحال الى هذه المقامات ، بل ان موظفين ومسؤولين كبار يتوجهون نحوها بعد طول انتظار ويحاولون التقرب الى الله بعد ارتكاب ما تنوء بحمله الجبال من الاعمال التي اقلها الفساد المالي او الاداري او كلاهما معا واشنعها المحرمات والكبائر ويظن من يخرجون من بوابة الضريح انهم قد تطهروا وسلموا من العقاب على ما اقترفته أيديهم.

أدمن فرقص ومات

رجل متوسط العمر مدمن على المخدرات ويقيم في ضريح يسمى "تورت مراد شاه" بمدينة لاهور. اشعل سيجارة من الحشيش واخذ يرقص في الضريح الواقع بالقرب من حدائق لورنس التي يحيط بها من الشرق مبنى حاكم اقليم البنجاب ومن الغرب منطقة سكنية راقية ومن الجنوب منطقة سكن الوزراء الاقليميين ومن الشمال السوق التجاري الرئيسي بالمدينة. الا ان حبيب الرحمن الذي قدم من مدينة كوجرات البعيدة 150 كيلومترا إلىالضريح قد خر مغميا عليه. ونقل الى المستشفى القريب والذي قال اطباؤه انه ميت. وكان قد تزوج من تبسم قبل عدة شهور واضطر الى التوجه الى المقام لطلب المساعدة بعد ان خرجت زوجته ولم تعد على اثر المشاجرة الكلامية التي دارت بين الزوجين حديثي العهد بمثل هذا النوع من الشجار. فقد شعر بخيبة الامل لان زوجته تبسم لم تحتمل النقاش والشجار. ولم يكتف بطلب معونة ساكن او ساكني الضريح بل عمد ايضا الى تجرع المخدرات لعلها بطريقة ما تقنع زوجته بالعودة اليه!

اضرحة في كل مكان

والاضرحة بباكستان تقليعة يتسابق في الحفاظ عليها كثيرون وتجد من المسؤولين بل وكبار المسؤولين من يقف ويجأر بصوته دفاعا عنها ترقبا منه للحصول على اصوات ناخبين يودون ان تبقى اضرحة سادتهم بسلام ؛ ورؤوساء وزراء اقاليم سياسية لا يجدون غضاضة في ان يتركوا مهامهم السياسية والادارية لكي يكرروا زيارتهم للاضرحة بمناسبة او بدون مناسبة ومن ثم تطلع الصحافة الوردية بصورهم الملونة وهم يقرأون الفاتحة او أي شيء يروق لهم على ساكن او ساكني الضريح في تحرك يقنع العامة والبسطاء بان هناك اهمية خاصة لهذا الضريح وانه يجب على المرء اللجوء اليه كلما استدعى الامر للحصول منه على الشفاء من السقم او للحصول على القوة الجنسية اللازمة للمرأة او للرجل لانجاب الذرية او للتخلص من مضايقات هذا اوذاك من الناس من خلال تسليط ساكني المقام عليه؛ او لفك طلاسم الاحاجي والسحر.

معضلة انجاب الذكور

والذرية وانجابها امر تستقيم به الحياة الزوجية في باكستان. ليس هذا وحسب بل ان انجاب الذكور هو الامر الذي يعزز من هذه الحياة الزوجية ويدعمها ويرسي قواعدها قوية متينة. والباكستانيون في هذا مشتركون سواء كانوا متعلمين او جهلاء، فالامر سيان ولا بد من انجاب الذكور لكي تكون المراة صالحة للبقاء في مكان الصدارة من عش الزوجية. ولهذا فان جُل من يرتادون هذه الاضرحة والمقامات هم من النساء اللواتي جار عليهن ازواجهن او جارت عليهن عائلات هؤلاء الازواج بسبب كثرة انجاب البنات وعدم انجاب الذكور او حتى انجاب اعداد قليلة منهم. فهل من ملجأ لهن سوى طلب المساعدة من القوى الغيبية التي يمنحها لسوء طالعهن محتالون اجادوا اللعب على اوتار العواطف ومآسي الخلق وجلسوا يطلبون هذا المبلغ او ذاك مقابل خدمات يقدمونها والتي يشاع كثيرا انها تكون على غرار ارتكاب الزنا والمحرمات او ما شابه من الامور التي يحللها هؤلاء المشعوذون من اجل النجاح الموهوم في اداء مهامهم.

مقام "المهندسين"

"مدينة" الهندسة والتكنولوجيا، تدعى كذلك لكبر مساحتها، تحتل جزءا هاما من مدينة لاهور وهي قد قامت في سنوات عمرها الطويلة بتخريج اعداد مهولة من المهندسين في كافة التخصصات وكلهم شاهدوا الضريح الصغير الذي يمرون بجانبه صباحا ومساء وهم يدورون في انحاء الجامعة. فبالقرب من مقر رئاستها، بل وقبالته وعلى بعد امتار من بوابتها الرئيسية يقع ضريح لاحد الصالحين الذي لا يمكن لادارة الجامعة ان تمنع طوابير النساء من المرور بجوار مبنى الادارة في طريقهن بعد ان يتجاوزن بوابة الجامعة الى مقام الضريح لطلب المشورة من ساكنه الذي توفاه الله قبل مئات السنين حول كيفية الانجاب او كيفية انجاب الذكور؛ او لهذا الغرض او ذاك مما استعصى على مريدي هذا الضريح فهمه او حله.

اهم هذه الاضرحة في مدينة لاهور هو الداتا دربار الذي يحتل موقعا هاما بالمدينة التاريخية التي هيعاصمة اقليم البنجاب.

اضرحة العاصمة

تلى اضرحة العاصمة ضريح الداتا دربار من حيث الاهمية وفي مقدمتها ضريح "باري امام" الذي يشاع ان فيه مشعوذون يقومون بخطف الاطفال حديثي الولادة ويلبسونهم منذ صغرهم خوذات حديدية تجعل من الصعوبة بمكان وصول جماجمهم للنمو الطبيعي ويكونون في شبابهم ذوي رؤوس صغيرة ومتخلفون عقليا ويقوم المشعوذون حينها بالباسهم ملابس خضراء المقصود منها انهم من الصالحين ويجعلونهم يدورون في الحواري والسكك ويطرقون الابواب بحثا عن المال ليعودوا به الى المقام. وياتي بعده ضريح "قولرة شريف" ولهما في كل عام حفل يقال له بلغة اهل البلد "عرس" وان كانت الكلمة لا تعني بالضرورة ما تعنيه اللغة العربية. في هذا العرس يسير الموالون للاضرحة على الاقدام من مسافة ليست بالقريبة ويتجهون نحو المقام والضريح بعد ان يفدوا من المدن والقرى ويتجمهرون حوله وهم يدعون بما يحلمون به من اصلاح لشأنهم. والمسؤولون يقدمون الدعم المعنوي والمالي لهذه الاضرحة لما لها من اهمية في قلوب وعقول الناس.