الدكتور فؤاد نيازي
استشاري علاج السمنة وعلاج الألم

السمنة هي قضيّة الإنسان بشكل عام وليست قضيّة مجتمعات
ولا توجد إحصاءات دقيقة في السعودية والخليج


السمنة بعد أن أصبحت هاجسا، كيف يمكن التعامل معها، وهل هي قضية إنسان فرد أم قضية مجتمعات ..؟ من المسؤول الأول عن السمنة؟ نمط المعيشة، أم المجتمع الاستهلاكي ...وهل هناك إحصائيات دقيقة في السعودية والخليج عن تأثير نمط المعيشة، أو إعداد المصابين بالسمنة.


1. هل مرض السمنة هو مرض وراثي أم له علاقة بنمط الحياة ؟

في البداية نريد أن نوضّح أن السمنة هي زيادة الدهون المتواجدة في الجسم عن كمية معينة بحيث تؤدي إلى تغيير في شكل الجسم وزيادة في الوزن.

أما عن أسباب السمنة فهي كثيرة، منها ما يعود إلى العوامل الو راثية بنسبة 30 بالمائة. ونعني بالوراثة ليس فقط الاستعداد للسمنة، بل أيضاً توزيع الخلايا أو المخازن في مناطق البطن، الأرداف والذراعين.

في ما يخص نمط الأكل، فإنّ الطفل عندما ينشأ في عائلة نمطها هو الإسراف في الأكل أو في نوعية الأكل، سوف ينشأ ويعتاد على ذلك.

من المعروف أنّ الاستعداد للأمراض جميعها تقريباً هو وراثي بما فيها الأمراض السرطانية، ولكن إذا كان مرض السمنة في العائلة وراثي فذلك لا يعني بأنه محكوم على كل أفرادها الإصابة بالسمنة، فهنا، يمثل الوعي بخطورة السمنة دوراً كبيراً، فمشاكل السمنة متعددة وخصوصاً عندما لا يكون هنالك ضوءاً أحمراً يخوّفنا منها عندما نعتقد بأنّ بأننا نأكل تبعاّ لغريزتنا الإنسانية فبالتالي يكمن الإسراف في الأكل وهذه هي المشكلة التي حذرنا منها المولى تعالي في كتابه الكريم حين قال في الآية 31 من سورة الأعراف ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّ الله لا يحب المسرفين) أما الأحاديث النبوية في هذا المجال هي كثيرة، منها ( نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع ).

إنّ هنالك رابطاً بين الدهون في الدم والكولستيرول العالي أو السمنة، فمنذ حوالي سبع سنوات عرف ان هناك نوع من الأنزيمات يحوّل الخلايا الذهنية إلى هرمون، وزيادة الهرمون تؤدي إلى قابلية أكبر للإصابة بسرطان الثدي لدى السيدات. أما عند الرجال، هناك أنواع أخرى من أمراض السرطان ممكن أن تؤدي إليها السمنة، هذا بالإضافة إلى احتمال أكبر للإصابة بمرض السكر وتآكل المفاصل والضغط على المبايض مما يقلل الفحولة الجنسية، وصولاً إلى الناحية النفسية التي لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار وتحترم. فمن حقّ أي شخص أن يتمتع بالعدل داخل جسمه وخارجه، فيجب أن يعرف المرء بأن السمنة ليست صحية على الإطلاق، فزيادة الدهون تترسب داخل الشرايين وتقلل من تدفق الدم داخلها مما يؤدي إلى مشاكل يكون المرء في غنى عنها.

من الأفضل محاولة تفادي السمنة قبل الوقوع فيها، ويكون ذلك بكل بساطة عن طريق التوعية حول هذا الضيف "القاتل الصامت" (The Silent Killer) الذي لا تنحصر أسبابه بكونها وراثية فقط بل أيضاُ تعود لأسباب منها النفسية والعادات وعدم انتظام الأكل وزيادة في الأكل وليس في نوعيته.

2. إلى أي درجة ممكن أن يؤثر النمط المعيشي سلباً أو إيجاباً على زيادة أو قلّة السمنة داضخل مجتمعاتنا؟ وكيف ممكن تفاديها؟

إنّ هذه القضية هي قضيّة الإنسان بشكل عام وليست قضيّة مجتمعات. ففي الولايات المتحدة 36 في المائة يعانون من السمنة ومعظم طعامهم هو من الوجبات السريعة (Fast Food) وهذا يكلف الدولة هناك حوالي 26 مليار دولار سنوياً كمصاريف عناية صحية، وبعد حوالي 6 سنوات ستصل النسبة إلى 50 في المائة. فالمرأة هناك لا تعرف كيف تطهو أو ليس لديها الوقت الكافي للطهي بشكل عام. أما المرآة العربية فتعرف أن الطعام الذي تحضّره مليء بالدهون وهذا ما يجعل الأم مسؤولة عن حوالي 30 في المائة من حالات زيادة الوزن لدى الأطفال. فهي تعتقد أنه كلما زاد وزن اطفل يعني ذلك "صحة"، وتذهب أحياناً عند الطبيب لتطلب منه دواءً لزيادة الشهية. وفي الواقع لا وجود لهذا النوع من الأدوية فهي تعمل على تنويم الطفل فيقتصد بالطاقة. يجب علينا، بالعكس، تنشيط الطفل وتعويده على ممارسة الرياضة منذ الصغر، وقد نصحنا بذلك السلف الصالح ( علموا أولادكم السباحة وركوب الخيل .. ). في الغرب نجد أن معظم الناس مشدودةً عضلاتهم منذ الصغر بفضل ممارسة الرياضة، ولكن للأسف معلوماتنا عن الرياضة ضئيلة ونكتفي بالحركة الطبيعية مع علمنا بأن "العقل السليم في الجسم السليم" وذلك بالطبع يختلف عن ممارسة النشاطات الرياضية. فيجب علينا الإعتياد على ممارسة الحركات الرياضية منذ الصغر على الأقل 10 دقائق في اليوم لشد العضلات "فقليل دائم خير من كثير منقطع".

3. هل هناك إحصائيات عن حالات السمنة في منطقة الخليج أو في المملكة العربية السعودية؟

للأسف لا توجد إحصائيات دقيقة، لكنه من الواضح ملاحظة حالات زيادة الوزن لدى السيدات والرجال وحتى لدى الشباب في " سن المراهقة " وهذا هو أخطرهم لأن حالات السمنة ستزيد عندهم إذا لم يتم تدارك الأمر من قبلهم.

4. في أيامنا هذه نسمع عن الكثير عن وسائل مكافحة السمنة مثل بعض أنواع الشاي أو القهوة مما يشكل خلطاً بين الأمور، فأي من الطرق هو الأفضل لاتباعه؟

إنّ السمنة هي نتاج عدة أسباب وظروف مجتمعة، لذلك فإنّ علاجها يتضمن أيضاً أكثر من طريقة واحدة مجتمعة. ويمكن تصوير ذلك بمثلث تكون قاعدته هي "النية" أو الإرادة وأضلاعه هي نوعية الغذاء وممارسة الرياضة، والإرادة لا تتطلب الامتناع عن الطعام بل تناول الطعام حسب قانون ليكون متكاملاً. فالجسم يتطلب مواد معينة وفيتامينات بالإضافة إلى الأملاح المعدنية. والجميع يعلم أين تكمن الدهون وبالتالي يجب تفاديها على قدر الإمكان لأن تناول الدهون بكثرة يؤدي إلى تخزينها في الجسم ليتم تحويلها في ما بعد إلى طاقة. ولكي لا تتكون دهون فوق الحاجة يجب عدم تناول الطعام عالي القيمة من الدهون، الأمر الذي يؤدي إلى انسداد الشرايين بالتدريج أو إلى تصلب الشرايين. أما عن ممارسة الرياضة فيجب المواظبة عليها ولو لفترة قصيرة يومياً.

بالإضافة إلى ذلك فقد نحتاج إلى استشارة طبيب متخصص وهو الذي يرى إذا كنا بحاجة إلى دواء أم لا ويحدد بالتالي كمية الجرعة المطلوبة وإذا كان الدواء يتناسب مع حالة المريض الصحية.

أما عن أصناف الشاي أو القهوة التي يزعم أنها تساعد على التخسيس فهي تطرد السوائل من الجسم وتدر البول وتحدث إسهال بالتالي تؤثر سلبياً على أملاح الجسم وينتج عنها مشاكل خطيرة، فربنا جعل الدهون في أجسامنا كمخزناً للطاقة وأفضل طريقة لفنائها هي استعمالها للطاقة.

5. في ما يخص الأبحاث الأخيرة اتي أجريت حول عقار "زينيكال" (Xenical) لقد اكتشف أنه بالإضافة إلى كونه عقاراً للتخسيس، فهو يقلل من حالات الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكر وكذلك أنه يعالج حالات السمنة لدى البالغين منذ سن الثانية عشرة. هل تستطيع إفادتنا حول هذا الموضوع؟

إن "زينيكال" (Xenical) أو "أورليستات" (Orlistat) يعتبر أول علاج للسمنة ليس له علاقة بجهاز المخ والأعصاب، فهو آمن، ولكن لا بد من وصفه تحت إشراف طبيب. وهذا الدواء يمنع امتصاص الدهون التي تدخل عن طريق الفم بنسبة 30 بالمائة، وإذا حرقنا الكمية الباقية من الدهون فيعني ذلك أنها ستختفي من الجسم.

ومن المهم تناول هذا العقار قبل كل وجبة ليتسنى حرق الدهون وعندها يعتاد الجسم عليه ويبدأ تأثيره على السمنة بطريقة آمنة جداً، مما يقلل من احتمالات الإصابة بالسكر والضغط وزيادة الدهون بالدم وغيرها من الأمراض.

يجب الإشارة إلى أنه إذا كان الشخص الذى يريد إنقاص وزنه يعتقد أن بامكانه تناول طعام غنى بالدهون و بكميات كثيرة طالما أنه يتناول هذا الدواء، فالذي يفعل ذلك يكون غير جاد في مكافحته للسمنة، وبهذه الطريقة تقل الإفادة ولا تحل المشكلة. إن مثل ذلك كمثل مريض الضغط الذي يكثر من تناول الملح ثم يزيد من تناول جرعة الدواء وهذا غير جدي وغير منطقي.

6. ما هو مدلول أن يعمل دواء "زينيكال" (Xenical) بشكل موضعي وليس على كافة أعضاء الجسم كسائر الأدوية؟

إنّ الجهاز الهضمي هو المدخل لدواء "زينيكال" (Xenical)، فهو لا يدخل مجرى الدم لينتشر في يقية أعضاء الجسم وهذه تعتبر ميزة فريدة وجيدة لهذا العقار على عكس الأدوية التى تعمل على تقليل الشهية او الاحساس بالشبع فهى تدخل مجرى الدم و تعمل على المخ و تسبب زيادة فى ضغط الدم و أعراض جانبية أخرى.

7. إبتداءً من أي سن يستطيع المصابون بالسمنة تناول عقار "زينيكال" (Xenical)؟

لقد أثبتت أحدث الدراسات أن الفرد عند سن البلوغ (12 سنة) يستطيع تناول عقار "زينيكال" (Xenical) وهذا ما يمتاز فيها هذا العقار عن غيره من عقاقير التخسيس. فمن المعروف أن الهرمونات المتكونة من الدهون تتكون في سن البلوغ. لذلك فإنه من الممكن تعاطي الدواء بعد سن البلوغ أي عند سن الـ 12 حتى لا يؤثر في تأخير سن البلوغ.

تعتبر هذه الميزة إيجابية وتناسب كل الأعمار لأن لكل فرد دوافعة للتخلص من السمنة أكان في سن البلوغ مثل مظهره الخارجي أمام رفاقه وقدرته على ممارسة الرياضة، أو كان في سن متوسطة مثل دخول الجامعة أو البحث عن وظيفة أو خطوبة أو زواج. أما الكبار في السن، فمن الممكن أن تخف دوافعهم إلا إدا كانت دوافع صحية.

بهذه الطريقة، فإنّ هذا العقار يتناسب مع كل الأعمار ابتداءً من سن البلوغ ويحل مشاكلهم. ولكن يجب بكل الأحوال أن نكون أمناء على أطفالنا منذ صغرهم، فلهم علينا حق بتوعيتهم حول نمط الحياة والغذاء وممارسة الرياضة التي يجب اتباعها ليتفادوا المشاكل الصحية منذ الصغر.

8. ما هي النصيحة التي تحب أن تقدمها للراغبين في التخسيس؟

من جهة تغيير النمط الحياتي وسط المجتمع الذي نعيش فيه، لكل منا خصائصه التي يجب أن تكون على وزن معيّن. فطالما نحن مؤمنون بأنّ هذه القضيّة ليست حكر على شعب دون سواه أو على فرد دون سواه، فلماذا نحفر قبورنا بأيدينا؟ لذلك، على كل فرد منا أن يبدأ بنفسه.

من جهة أخرى، يجب على الفرد أن يصل إلى الوزن المحدد بعد التخسيس بدون رجعة وبدون حرمان وبصحّة.فالوزن الذي نخسره يجب أن لا نستردّه في ما بعد إلى أن نكتسب الثقة بأنفسنا ومن ثم يسهل هذا الأمر علينا ونتعوّد على عدم الإسراف في الطعام وخاصةً الطعام الغني بالدهون.

إن القضية بسيطة نظراً لاعتبار أن الأم هي المسؤولة عن 30 بالمائة عن حالات السمنة عند الأطفال لأنها تعتبر المسؤولة عن تحضير الطعام لأطفالها، فعليها إذاً أن تعتدل في استعمال الدهون في الوجبات التي تحضرها لهم.
علماً بأن الوجبات السريعة هذفها هو سد رمق الجوع بغض النظر عن تقديم الغذاء المتوازن. فيجب على كل فرد منا تجنب الأكل حتى "الثمالة" لتجنّب المشاكل الصحية التي تنجم من خلال ذلك.

******


الدكتور فؤاد نيازي
استشاري علاج السمنة وعلاج الألم
مستشفى باقدو والدكتور عرفان العام - جدة