الحوار الزوجى عندنا أصبح صناعة منقرضة كصناعة الطرابيش، وكثيراً ماأتخيل الزوج والزوجة فىالوطن العربىشخصين يتحدثان بلغتين مختلفتين، الرجل يتحدث اللغة الفارسية والمرأة تتحدث اللغة العربية، الحروف هى نفس الحروف، والكتابة هى نفس الكتابة، ولكنهما فى الحقيقة لايفهمان أنهما يتحدثان بلغتين مختلفتين تمام الإختلاف، ولن يتم التواصل أبداً عن طريق التفاهم بهما!.
الحل إذن هو أن يفهم الزوج مفردات لغة الزوجة، وأن تتقن الزوجة النحو والصرف الخاص بلغة الزوج، لابد أن يعرف كلاهما أن اللغة الخاصة بكل طرف لن يتم التنازل عنها لأنها قد أصبحت كالبصمة، وعلى كل طرف أن يتعلم لغة الطرف الآخر ويفهمها ويترجمها فورياً، وإلا كانت النتيجة حوار الطرشان كما نسمع ونرى فى بيوتنا العربية
حاول علماء النفس والإجتماع البحث عن سر الخلل الذى يصيب الحوار الزوجى وتحليل أسباب التنافر الذى يحدث بعد مدة قصيرة من الزواج، والإجابة عن علامة إستفهام تؤرق الجميع " لماذا يتحول الحوار الزوجى إلى خرس زوجى ؟"، ولماذا تصاب العلاقة بالسكتة العاطفية ؟،ومن أهم الكتب التى حاولت الإجابة على هذا السؤال بذكاء ومهارة كتاب " آدم من المريخ..حواء من الزهرة "، والكتاب مبنى على إفتراض خيالى ولكن ترجمته على أرض الواقع حقيقية جداً، والإفتراض هو أن الرجل والمرأة قد هبطا على الأرض من كوكبين مختلفين، الأول هو المريخ والثانى هو الزهرة، كل منهما هبط من كوكبه بصفات مختلفة وسلوكيات متناقضة ولغة خاصة جداً، وللأسف إعتقد آدم وحواء أنهما ماداما يقفان على نفس الأرض ويظلهما نفس السقف فإنهما لابد متفاهمان، والحقيقة عكس ذلك تماماً فلابد من بذل بعض الجهد وبعض التنازل وبعض الوقت لفهم الآخر حتى لاتصاب العلاقة بتصلب الشرايين وزيادة كوليسترول الروتين العاطفى، والنصائح التى يقدمها د.جون جراى فى هذا السياق كثيرة ومتشعبة لكنها تشترك جميعاً فى كونها على أعلى درجة من الصدق.
البداية هامة جداً تلخصها هذه الجملة البليغة " لنتذكر إختلافاتنا ولانتوقع من الجنس الآخر أن يكون مثلنا "، هنا سيزدهر الحب وتنمو العلاقة، ولنستمع إلى أكثر الشكاوى تكراراً عند آدم وحواء لكى نضع أيدينا على مواطن الخلل والجلطات فى شرايين الحوار الزوجى، المرأة تشكو من أن الرجل لايستمع إليها ودائماً يتقمص دور المصلح، والرجل يشكو من أن المرأة دائماً تسعى إلى تغييره، والسر فى هذه الشكوى من المرأة وهذا التذمر من الرجل يرجع إلى إختلاف طبيعتهما التى تحدثنا عنها، فأولويات المرأة هى التواصل ولاخجل عندها من طلب المساعدة، وأولويات الرجل تحقيق الهدف والإنجاز وهو دوماً يخجل من النصيحة وليس عنده فن الإنصات، وعندما تصطدم هذه الأولويات تحدث الأخطاء التى تقوض العلاقة الحميمة التى تربط آدم وحواء، ويحاول الرجل أن يبدل مشاعر المرأة بإصرار وإلحاح وأحياناً بعنف، وسرعان مايتقمص دور المصلح الإجتماعى وتنفتح عنده حنفية النصائح!،وتحاول المرأة تشكيل لجنة تحسين منزلية لإصلاح عيوب الرجل، والمدهش أن عش الزوجية ينهار دون أن يكلف الرجل نفسه عناء البحث فى سبب ثرثرة المرأة، إنها تطلب منه التعاطف لاالمشورة، وتحتاج إلى الحنان لاالخبرة حين تحكى له مشكلتها، الحديث المتصل عندها ليس دعوة للبحث عن حل ولكنه بحث دائم عن التعاطف والقرب والود، وأيضاً لاتكلف المرأة نفسها عناء البحث فى سبب عزلة الرجل الذى يتلمس كثيراً الإعتكاف فى كهفه الخاص.
قصة كهف الرجل الخاص لها علاقة وثيقة بكيفية تعامل آدم وحواء مع الضغوط، وحتى لاتتفاقم الخلافات علينا أن نفهم الإختلافات الجذرية بين الرجل والمرأة فى التعامل مع التوتر والضغط والإحتقان..الخ.
يتعامل الرجل عادة مع الضغوط المحيطة بالتركيز والإنصراف، أما المرأة فتواجه بالإرتباك والإنفصال، يذهب الرجل إلى كهفه الخاص لتحقيق عزلته ولذلك نرى كثيراً المشهد الأثير والمفضل لدى الرجال وهو الإنغماس بعدها فى قراءة الجرائد، وإرتباك المرأة يجعلها تلجأ إلى الحديث والفضفضة، وعندما يتصادم الإثنان لعدم فهم كل منهما لطبيعة الآخر يتهم الرجل محاولة حديث المرأة بأنها "رغاية "،وتتهم المرأة الرجل بأنه "مطنش"!!، وبين إتهامات الرغى والطناش تتوه الحقيقة، وهى حقيقة الإختلاف الذى لايعنى أبداً التنافر، إن الرجل عادة مايريد خلاصة الموضوع، والمرأة تريد التفاصيل، والحل هو أن يتعلم الرجل فن الإنصات وأن تتعلم المرأة فن الإنسحاب فى الوقت المناسب، والإيمان بأن الحب ليس لعبة تنس لابد أن يكسب فيها طرف على حساب خسارة الآخر، إنه لعبة جديدة شعارها " أكسب أنا عندما تكسب أنت أيضاً ".
يتحمس الرجل إذا شعر أن هناك من يحتاج إليه، أما المرأة فتتحمس إذا شعرت أن هناك من يهتم بها، والموت البطئ للرجل هو ألايكون هناك من يحتاج إليه، والمرأة عندما تكون محبطة ومرتبكة ويائسة فإن أكثر ماتحتاجه هو مجرد الصحبة و"الونس"، فالونس هو أوكسيجين المرأة، والتجاهل هو أول رصاصة تطلق على قلب وعقل الحب، فبالنسبة للمرأة اللامبالاة تقتلها وتستفزها وتخنقها، وتسبب لها الإحباط وخيبة الأمل، وتكون المرأة فى غاية الإحباط وقمة الإكتئاب إذا أحست أن تعبيرها عن إحتياجها تحول إلى توسل، هنا تترجم المشاعر إلى مهانة، فتفقد الثقة فى آدم وفى نفسها أيضاً
وظيفة اللغة تختلف عند الرجل عنها عند المرأة، فاللغة عند المرأة هى لنقل المشاعر، أما عند الرجل فاللغة هى وسيلة لنقل المعلومات، فالثرثرة التى نتهم بها المرأة هى وسيلة لتكرار التأكيد على المشاعر التى تحس بأنها لم تصل جيداً إلى رفيق رحلتها العاطفية، وهى تستخدم فى حديثها تشبيهات وإستعارات وتعميمات، وترجمتها حرفياً بواسطة الرجل يجعل رد فعله عدائياً فى أحيان كثيرة، والترجمة الحرفية مضللة لأن حديثها يكون إلتفافاً حول الموضوع أو تنفيساً لكبت أو محاولة للدخول فى مناطق أخرى، فهى عندما تقول مثلاً :نحن لانخرج أبداً، يرد عليها الزوج بغلظة :ماإحنا لسه خارجين الاسبوع اللى فات، ولكنها فى الحقيقة تقصد إنى أشعر بالرغبة فى أن أكون معك، وعندما تصرخ حواء : الكل يتجاهلنى، يترجمها آدم إلى "أنا تعيسة معك وأنت غير مهتم بى "، ولكنها فى الحقيقة لاتقصد ذلك وإنما تقصد أنها محبطة لأنه مشغول جداً فهل تستطيع ضمى وإحتضانى لتثبت أننى أعنى لك الكثير، وهكذا تفسد الترجمة الفورية من الرجل لعبارات المرأة أسس التعاطف والود بينهما
وكما طالبنا الرجل بالفهم السليم لأحاديث المرأة، نطالب المرأة أيضاً بالفهم السليم لصمت الرجل، فعلى المرأة أن تفهم أنه عندما يصمت الرجل فهو يقول ضمناً " أنا لاأعرف ماذا أقول فى هذا الموضوع، ولكنى أفكر فى الأمر "،ولكن بدلاً من أن تفهم المرأة هذا الهمس الداخلى فإنها تفسر صمته على النحو التالى " أنا لاأرد عليكى لأنى لاأهتم بك،وأقصد أن أتجاهلك، فما تقولينه ليس له أى أهمية، ولهذا فأنا لاأرد "!!.
لكن كيف تتعامل المرأة مع صمت الرجل ؟،وبالطبع أنا أقصد الصمت الطبيعى الإيجابى وليس الصمت المهين الأقسى من التعذيب البدنى والذى يقصد به الرجل عقاب المرأة والإنتقام منها، وهذا النوع الثانى صمت ظالم وقاسٍ ومجحف، أما النوع الأول فهو طبيعة بشرية على المرأة أن تتفهمها وألاتحس بالتهديد وعدم الأمان إذا مارسها الرجل، وهناك ستة طرق على المرأة أن تتبعها لدعم الرجل عندما يذهب لكهفه :
· 1- لاتستنكرى حاجته للإنسحاب
· 2- لاتقدمى حلولاً لمساعدته فى مشكلاته
· 3- لاتحيطيه بالرعاية بطرح أسئلة كثيرة عن مشاعره
· 4- لاتجلسى بقرب باب الكهف منتظرة خروجه.
· 5-لاتقلقى عليه بأن تشعريه بالشفقة.
· 6-قومى بعمل يجعلك سعيدة.
وبعد كل هذا تذكرى جيداً أن الرجل يكره الشفقة ولايفرق بينها وبين المشاركة، وأنا شخصياً أعتبره نوعاً من غباء الأحاسيس التى نتمتع بها نحن الجنس الخشن
فن الحوار الزوجى يعتمد على فهم نظريتين أساسيتين وهما :نظرية الرجل "الأستك "، ونظرية المرأة "الموجة "، وسنشرح كل نظرية على حدة
الرجل يشبه الأستك أو شريط المطاط عندما ينسحب بعيداً، فإنه يبتعد إلى أقصى مايمكنه قبل أن يرتد ثانية بإندفاع، إنها أصدق تلخيص للدورة العاطفية للرجل، إنه عندما يحب إمرأة يحتاج للإبتعاد عنها من حين لآخر قبل أن يقترب منها مرة أخرى، وهو يساء فهمه فى هذا الإبتعاد الذى يشبع حاجته للحرية والإستقلال أكثر من حاجته للإهمال والتجاهل، وإذا لم يتمكن الرجل من هذا الإبتعاد فإنه للأسف لن يشعر بالرغبة فى الإقتراب الحميم، ومن المهم أن تفهم حواء أنها بإصرارها على وجود حميمية فى وقت الإبتعاد فإنها تضر بالعلاقة، وكذلك الرجل لابد أن يفهم أن المرأة ليست مثله سريعة الرجوع ولكنها تحتاج لبعض الوقت، والرجل عادة مايركب "مرجيحة" عاطفية تنطلق إلى الأمام حيث الحاجة إلى الإستقلال وإلى الخلف حيث الحاجة إلى العلاقة الحميمة ويظل الرجل حائراً بين الرغبتين، راكباً تلك المرجيحة إلى الأبد.
نصل إلى المرأة "الموجة " التى إذا شعرت أنها محبوبة تحرك تقديرها لذاتها إرتفاعاً وإنخفاضاً كالموجة، وعندما ترتفع معنوياتها تصل موجتها إلى الذروة، ولكن فجأة ينحرف مزاجها وتنكسر الموجة، وهذا الإنكسار وقتى، فماأن تصل للقاع حتى يتغير مزاجها ثانية فتشعر بالرضا عن نفسها، وبطريقة آلية ترتفع الموجة مرة أخرى، وعندما تعلو موجة المرأة يفيض حبها على من حولها، ولكن عندما تتكسر موجتها تشعر بفراغ داخلى تحتاج إلى أن تملأه بالحب، عندما تصل المرأة للقاع تحتاج للتعبير عن مشاعرها المؤلمة حتى تتخلص منها، وبين ذهاب الرجل للكهف ونزول المرأة إلى البئر تمشى العلاقة الزوجية على سلك مشدود يحتاج أحياناً إلى مهارة البهلوان، وأحياناً أخرى إلى حكمة القديسين
نصل إلى أهم مأساة تغتال الحوار الزوجى وهى عدم قدرة الزوج على الإنصات، فالإنصات فن لايتقنه الرجل، وفريضة غائبة يهملها آدم، وهناك عدة نصائح للإنصات دون غضب، وأهمها عدم اللوم المتواصل أثناء شكوى حواء، وقاوم رغبتك الملحة فى تقديم الحلول، وحاول أن تتخيل العالم من وجهة نظرها، إنها تتكلم من أجل الفضفضة أولاً وثانياً وعاشراً، ثم تأتى الرغبة فى الحل فى نهاية القائمة
المهم فى حوار آدم وحواء أن يظل حواراً ولاينقلب جدالاً، فالجدال سرعان مايتحول إلى شجار يقتل الحب، ولنتعلم أن يقول كل طرف للآخر " أنا آسف " و"أنا آسفة "،فالعناد و"ركوب الدماغ" فى العلاقة الزوجية هو الكفن الذى يلف جسد العلاقة الزوجية البارد،فلنتعلم فن الحوار الزوجى قبل أن تتحول مناقشاتنا إلى مباراة "بوكس "،وبيوتنا إلى حلبة مصارعة، وقلوبنا إلى قفازات نتخلص منها فور إنتهاء الماتش!.