*المرأة تمثل قضية محورية فى كتاباتك، ماهو السبب فى تبنيك لهذه القضية بمثل هذا الحماس؟
- المرأة فى المجتمع العربى متهمة حتى تثبت براءتها، هى مشروع إنسان أو إحتياطى مواطن، وهذا المشروع لايكتمل إلا برغبة الرجل وعصاه السحرية التى تتحرك تبعاً لمزاج الرجل الذى تصوغه ثقافة المجتمع الذكورية التى منحته مكاسب وتفوقاً وقيادة وتميزاً، وفى كلية الطب إكتشفت أن التفوق البيولوجى للرجل وهم كبير، وحكاية أن مخ الرجل الأفضل والأثقل والأهم هى خرافة خلقها المجتمع الذكورى لتسويغ قهر المرأة وخلع ثوب علمى على القهر الإجتماعى، ولقد عشت فترة المراهقة فى مدينة دمياط أثناء سفر والدى للعمل فى ليبيا وهناك إكتشفت كيف تتعامل الثقافة الشعبية والوجدان الريفى مع المرأة، فهناك تتردد أمثال شعبية مهينة للمرأة كنت لاأعرفها أثناء معيشتى فى القاهرة مثل "لما قالوا ده ولد إتشد ضهرى وإتسند ولما قالوا ده بنية إتهد الحيط عليا"، و"إكسر للبنت ضلع يطلع لها إتنين "، "يامخلفة البنات يامخلفة الهم للممات"، ..... إلى آخر هذه الأمثال الشعبية التى تتعامل مع المرأة على أنها مجرد شئ ومع البنت على أنها كارثة متحركة، وبدأت أسمع هناك موال شفيقة ومتولى الذى كان الدمايطة يسمعونه فى المقاهى ومولد أبو المعاطى من المنشدين الذين كانوا يهبطون المدينة من الدقهلية والصعيد، كانت آهات الإعجاب تتعالى من الحناجر وهم يتمايلون طرباً وإعجاباً بهذا الموال الدموى الوحشى الذى يذبح فيه متولى الجرجاوى أخته شفيقة من الزور لشكه فى سلوكها كمايفعل أتباع أبو مصعب الزرقاوى فى رهائنهم، كنت أسمع أبيات الموال التى تقول :

الساعة دى بنتظرها

بالسكين ضيع منظرها

وعزل الجتة من زورها

وخلص من العار بشجاعة

والحكم ست أشهر إشاعة

وصعيدى عنده الشرف غالى

أرى النسا سبب كل البلاوى فى مرضهم إحنا بنداوى.....الخ

كنت أسمع ولاأفهم سر إعجابهم بالموال، كنت لاأعرف أن الوجدان الجمعى فى منتهى القسوة مع المرأة، وفهمت بعدها أن مفهوم المرأة الجارية أو المرأة الشئ لم يزل يعشش فى الأذهان

* وهل هذا مادفعك لتأليف كتابك الختان والعنف ضد المرأة الذى صدر عن مكتبة الأسرة فى العام الماضى؟
- بالضبط هذا وغيره، فقد كانت مشكلة الختان بالذات تمثل لى لغزاً محيراً، لماذا تقاد البنت إلى هذا المصير بكل هذه اللاإنسانية والوحشية؟، كيف يتفق مجتمع ما على ممارسة هذه البربرية بكل راحة ضمير؟، ومادمت تنحدر من الريف فمن المؤكد أنك قد شاهدت هذا الطقس الجنونى الهستيرى البدائى الذى يذكرنى بالطقوس السحرية لإنسان الكهف، شاهدت بنت التاسعة أو العاشرة وهى تشد كالذبيحه ثم يتم فتح ساقيها أو بالبلدى "فشخها" ثم بتر بظرها بالموس وكبس البن وتراب الفرن بعدها على الجرح ثم فى النهاية تركها تجتر أحزانها وهى لاتفهم لماذا فعلوا بها ذلك؟، والمشكلة أن هذه الجريمة تتم تحت ستار دينى تارة وبمبرر أخلاقى تارة أخرى، فيبحث الجزارون عن بعض أحاديث هناك وحفنة مرويات هنالك تحث على الختان، ويسير النقاش فى السكه الغلط وندخل فى جدل دينى لاطائل من ورائه هل هذه الأحاديث ضعيفة أم صحيحة، وننسى أن الختان يتعارض مع إنسانية المرأة قبل أن يتعارض مع الدين، والدين جاء لخدمة الإنسانية وليس العكس، وتسيطر الخرافة ويتم ذبح إنسانية أكثر من 80% من البنات فى مصر بإسم الحفاظ على الأخلاق، ويخرج شيخ مثل الشعراوى علينا ليقول أن البنات فى البلاد الحارة تهيج شهوتها وأن إحتكاك الملابس يثير بظرها !!، ونفعل بهمجية وغباء فى بناتنا أخطر جريمة حين نقتل فيها الإشباع الجنسى ونحتفظ بالرغبة التى لانستطيع كبتها كمايتصورون لأن مركزها المخ، كل الأسئلة والحيرة السابقة جعلتنى أسارع بتقديمها فى كتاب لفضح ممارسات العنف ضد المرأة فى كافة صورها وساعدتنى على ذلك الأستاذة سناء البيسى بتحمسها لنشرها فى مجلة نصف الدنيا التى ترأس تحريرها

* يعنى القصة بدأت من الختان وإمتدت إلى مظاهر أخرى؟
- كان لابد أن يحدث هذا الإمتداد الطبيعى لأن الختان إفراز لثقافة تمتهن المرأة وتمارس العنف بدون ان تحس انها تمارس خطيئة بل تمارس واجباً شرعياً، فبعد الختان تبدأ جريمة الزواج المبكر إنطلاقاً من سترة البنت التى هى عبء متحرك وعورة تمشى على قدمين، ولو نزلت إحدى قرى الجيزة ستجد سوق نخاسة كبير بإتساع القرية تباع فيه البنات بواسطة السماسرة إلى عواجيز الخليج الذين يمتصون رحيقهم وأحياناً يشاركه أولاده ثم يتم بعدها إلقاء البنت ككيس الزبالة إلى بلدها مرة أخرى، إنها الجريمة التى يشارك فيها الأب المجرم والمأذون المأجور والطبيب المرتشى الذى يقوم بتسنين بنت العاشرة وتزييف سنها حتى يتخطى الثامنة عشر، ومن ممارسات العنف المنتشرة الضرب الذى يأخذ كل صور الكاراتيه والجودو والمصارعة، وهو بالطبع للتأديب ولايحس الزوج أنه حيوان عندما يفعل هذا بل يخترع مثلاً شعبياً يسوغ ويبرر حيوانيته وهو ضرب الحبيب زى أكل الزبيب !!، والمشكلة أنه لو لم يضربها فهو يغتصبها فى السرير إنه إغتصاب مقنن بورقة، إنه حق شرعى لابد أن تمنحه إياه ولو على ظهر بعير !!، ومن أبشع مظاهر العنف عمل الطفلة كخادمة فى البيوت أو تلم دودة القطن فى عز الشمس وضرب الخولى أو دباغة الجلود...الخ إنها أبشع سخرة فى عالمنا الحديث، أما المرأة العاملة فهى تواجه بأبشع التهم فيكفى أن نقرأ مقالاً لكاتب كبير مثل مصطفى محمود يشبه فيه عمل المرأة بالصرمحة، المجتمع يقول عن المرأة العاملة إنها دايرة على حل شعرها وأنها سبب بطالة الرجال....الخ...إنها متهمة على الدوام بإفساد الأسرة والمجتمع، أما جرائم الشرف المنتشرة فى عالمنا العربى والتى كان آخرها قتل دلال الأردنية بواسطة شقيقها الذى ذبحها وأكل كبدها كالمسعور، الكل إختصر الشرف فى مجرد غشاء بكارة بالرغم أن الشرف والعفة شئ ملك البنت ويخصها ولسنا وكلاء عنها أو أوصياء عليها وعلى الدعبسة فى ضميرها، وعندما نطبق القانون نخفف عن القاتل ولكن لو قتلت الزوجة زوجها الخائن تنال أقصى العقوبة، وساعتها نقول السبب أن الرجل أكثر إنفعالاً، وعندما ننادى بأن تكون المرأة قاضية يقولون ماينفعش لأن المرأة أكثر إنفعالاً !، إنه التبرير الجاهز والحجج التفصيل والإنتهازية الذكورية الرديئة المنافقة، وآخر صور العنف التى ناقشتها هى تعدد الزوجات.

* وهل تعدد الزوجات يعد عنفاً؟
- بالطبع يعد عنفاً وأحياناً جريمة، إنه يتم فى أغلب الأحيان بلامبرر إلا مزاج الزوج الذى يبغى زوجة "أوزى " صغيرة بدلاً من تلك القابعة فى البيت حتى ولو سارت معه مشوار حياته وبنتها طوبة طوبة كمايقولون، ومهما قلت أن تفسير آية التعدد تبتغى العدل المستحيل، يردون عليك بالإجابات الفقهية الجاهزة التى تلبس الباطل ثوب الحق وتعكس الحقائق تبعاً للرغبات الرجالية، إنه سوبر ماركت فقهى به كل الأصناف وماعليك إلا أن تضغط على الريموت وأحلام سيادة الشهريار أوامر

*وماذا عن العانس التى يضعونها كمبرر لتعدد الزوجات وإنقاذها من البوار كما يقولون؟
- أنت ذكرت وصف البوار وكانها بضاعة قابلة لأن تبور وتعطن وتتعفن ولاتباع فى السوق، ومثله أوصاف كثيرة مثل فاتها القطار وكأن العانس تقف فى محطة تنتظر عدلها أو منقذها من لطعة الإنتظار الطويل، إنها لعنة متحركة تارة نصفها بالنحس وتارة اخرى نصفها بانها متبترة على نعمة الزواج، برغم أنها ببساطة من الممكن أن تكون رافضة للزواج بصيغة الفرض واللمة والستر...الخ، إنها قررت أن تختار وأن ترفض فى مجتمع لايريد لها إلا الإذعان.

* تكريمك الأخير فى جمعية نهوض وتنمية المرأة هل هو عن الكتاب فقط؟
- لا إنه عن مجمل كتاباتى عن المرأة، وآخرها مجموعة مقالات عن قهر المرأة بإسم الدين تحت عنوان الإسلام أنصفها والفقهاء ظلموها ومازلت أبحث لها عن ناشر كى تنشر فى كتاب

*بمناسبة الكتب هل تجد صعوبة فى نشر كتبك؟
- بالطبع صعوبة كبيرة، فنشر كتاب خارج السياق ويحمل صدمة إستنارة وشحنة خلاف هو مسألة تقارب البحث عن قطة مظلمة فى ظلمة الليل، وأنت كنت تتحدث عن هواة الشهرة من تيار الإستنارة وأرد عليك بأن تتجول معى فى المكتبات وعلى الأرصفة لتجد كم الكتب الدينية الرهيب التى تتكلم عن عذاب القبر والثعبان الأقرع ووجوب نقاب المرأة وأن أكثر أهل النار هن النساء...الخ وإنظر أيضاً إلى فخامة الطباعة ورخص الأسعار المدعومة، وأنظر أمامها إلى الكتب المستنيرة التى تنزل إلى السوق بعد جهد جهيد وبكميات قليلة وفى سرية وكأنها عورة، وحتى مكتبة الأسرة فى بداياتها تبنت معركة الإستنارة بطبع كتب تتحدث عن العلمانية بل وتدافع عنها ولكنها تراجعت الآن عن هذا الإتجاه بعد معركة وليمة لأعشاب البحر التى هتكت غطاء الإستنارة المزعوم ورسخت مفهوم الوظيفة وأكل العيش والحفاظ على الكرسى ونفاق المسئول الكبير، وأعتقد أن فى مصر مازالت ثلاث مطبوعات هى التى من الممكن أن تنشر فيها مقالات خارج النص تناقش فيها ماإصطلح عليه البديهيات الدينية وهى بالطبع بديهيات الفقهاء التى جعلوا منها قرآناً بديلاً، وهذه المطبوعات هى جريدة القاهرة وجريدة صوت الأمة ومجلة روز اليوسف.