**فى ملحق خاص لجريدة صوت الأمة أثار وقتها جدلاً شديداً كان عنوان دراستك الثقافة الجنسية فرض واجب، والآن تقتحم مجالاً جديداً هو الإنترنت وتؤسس لزاوية ثقافة جنسية فى موقع إيلاف وهو أهم جريدة إلكترونية عربية، سؤالى عن سبب إقتناعك الشديد بهذه القضية التى تعرضك لهجوم شديد بوصفك تحرض على الرذيلة من وجهة نظر المهاجمين؟

*أولاً الدعوة لنشر الثقافة الجنسية ليست تحريضاً على الرذيلة بل هى دعوة لقمة الأخلاق ومن صميم الأدب وليس قلة أدب !، وهذا الموقف هو موقف مستمد من فهم خاطئ لمعنى الجنس وأنه مجرد غريزة حيوانية، فالجنس من وجهة نظرى أرقى الغرائز الإنسانية ويختلف عن الجنس فى الحيوان، فالإنسان ليست لديه مواسم تلاقح محددة المواعيد كالحيوانات وهو مايؤكد على إتساع وشمولية مفهوم الجنس وأنه يمتلك وظيفة أرقى من مجرد الإنجاب والحفاظ على النوع الإنسانى وهى وظيفة التواصل، فالجنس له ثلاث وظائف فى الإنسان هى :

1- التكاثر PROCREATION.

2- المتعة والترفيه recreation.

3-التواصل communication.

وآخر الوظائف هى اهم الوظائف التى ينفرد بها الإنسان فالجنس لغة بشرية بل أكاد أقول انها أهم لغة تواصل تستخدمها البشرية بلاترجمة فورية، والإنسان ينفرد عن الكائنات الأخرى بكونه يلاقى رفيقه أثناء العملية الجنسية وجهاً لوجه وليس من الخلف كباقى الحيوانات وهو مايؤكد على أهمية التواصل واللفتة والإحتضان والقبلة ....إلى آخر هذه الصور من التقارب الحميم، ولذلك فالجنس غريزة راقية ولايصح أن نطلق عليها حيوانية ومدنسة ونجسة ....إلى آخر هذه الأوصاف التى روجت لسمعته السيئة عند العرب

*ولكن كيف نطبق دعوتك لتدريس الجنس فى مدارس الأطفال؟

- الناس تفهم أن تدريس الجنس فى المدارس هو عرض الأفلام البورنو أو تدريس أوضاع الجماع لطفل الحضانة!!!، هذا تهريج بعيد عن العلم وتدليس لاتدريس، ماأقوله ليس إختراعاً أنفرد به ولكنه نتاج مدرسة علمية فى الخارج ولها كتب ومناهج تناسب كل مرحلة عمرية، ومنطقها وفلسفتها أن خطر الجهل الجنسى يعصف بنا ومعظم أمراضنا الجنسية نتيجة هذا الجهل المدمر، وأن مفهوم الجنس أوسع وأرحب من مجرد الأداء الميكانيكى البحت، فالعلاقة الأسرية وسموها جزء من الجنس، وفهم مراحل البلوغ جنس ....الخ، ولاأفهم كيف نطالب الطفل بحفظ خريطة الوطن العربى بدون أن يعرف خريطة جسمه أولاً ولماذا تتغير وكيف تتبدل؟، وأنا لاأطالب بمنهج محدد للثقافة الجنسية أو كتاب مثل كتاب أبلة نظيرة لتعلم فن الجنس كما نتعلم فن الطبخ، ولكن أريد أن يكون الإهتمام بالثقافة الجنسية فى خلفية أداء كل المدرسين، فمثلاً عندما نفصل بين البنين والبنات فى الحضانة فإننا نقدم تربية جنسية خاطئة ونزرع فى نفوس كل طفل توجس من الجنس الآخر، وعندما تمنع مدرسة الألعاب الرياضية البنت من ممارسة الجمباز أو ركوب الدراجة بحجة أنه سيهتك غشاء البكارة فإننا نقدم ثقافة جنسية خاطئة، وجميع المدرسين مطلوب منهم الإنخراط والمشاركة فى تقديم ثقافة جنسية حقيقية، فمثلاً مدرس العربى على سبيل المثال من خلال قصائد الغزل يقدم ثقافة جنسية، حتى مدرس الدين يقدم ثقافة جنسية

*مدرس الدين؟؟؟؟!

- نعم مدرس الدين، نحن نفهم أن الدين مضاد للثقافة الجنسية، بالعكس ومن يرفض ذلك من مدرسى الدين أرجوه أن يجيب على هذا السؤال كيف سيتحدث عن المحيض والنكاح والدبر والحرث وغيرها من ألفاظ القرآن؟، وكيف سيحكى قصة سيدنا يوسف بكل مافيها من إشارات جنسية؟، كيف سيوفق بين هذا وبين رفضه لتدريس الثقافة الجنسية

*بصفتك الطبية ماهى أمراض الجنس العربية التى ننفرد بها؟

- لاأستطيع أن أقول ننفرد بها ولكن أقول أن نسبتها مرتفعة هنا لأنها مرتبطة بثقافتنا المعادية للجسد، نحن العرب نعانى من السوماتوفوبيا أو رهاب الجسد، ولذلك أستطيع أن ألخص هذه الأمراض كمايلى :

• أنيميا التواصل :الجنس العربى هو مونولوج وليس ديالوج، هو حوار من طرف واحد، المايسترو هو الرجل والعازفين هم الرجل والمسرح هو الرجل، والمرأة على الهامش، لايهم أن تصل إلى الذروة الجنسية أو أن يمهد لها أو أن نهتم بإنسانيتها فى الممارسة، هى مفعول به على الدوام، ولذلك تجد على سبيل المثال معظم النساء العربيات يعانين من الآم فى أسفل الظهر وأهم أسبابه عدم الوصول للنشوة والإرتواء الجنسى، إن الرجل العربى يتعامل جنسياً مع المرأة على أنها دورة مياه متحركة يفك فيها توتره وكبته ثم يعطيها ظهره ليشخر بعد ذلك فى أحلامه .

• وهم الفحولة : الرجل العربى يربط بين الرجولة وبين مايعتبره بديهيات، مثل عدد مرات الجماع فى الليلة الواحدة او حجم القضيب أو عنف الجماع .....الخ، ولايمنح الرجولة أية تعريفات فيها الحب والحنان والحميمية .

• نحن نعالج الأفراد ولانعالج العلاقة : فهمنا للجنس على انه عملية فردية يجعلنا نستقبل المريض منفرداً فى عياداتنا ولانستقبل الزوج والزوجة برغم اننا نعالج علاقة ولانعالج أفراداً، ونظل نسير فى الإتجاه الخاطئ ويخرج المريض من باب العيادة أكثر إحباطاً .

• وهم الحبة الزرقاء : من الممكن أن تصلح الفياجرا أداء جنسياً ولكنها لاتصلح علاقة جنسية، فهى منفردة لابد لها من رغبة إبتداء حتى تنجح فى عملها وتعطى نتيجة وفقدان الرغبة مرض نفسى إجتماعى ثقافى قبل ان يكون مرضاً عضوياً، فالفياجرا ليست سحراً، إنها وسيلة وليست غاية، إنها دواء وليست منشطاً

• الجنس إيلاج فقط : الجنس أكبر من كونه إدخال عضو وإخراجه ورعشة وقذف، إنه معنى أكبر من تلك الإنعكاسات وردود الأفعال، إنه إحتواء، إنه حوار، إنه علاج، ولو إختزلنا الجنس إلى ميكانيكا وحولناه إلى معادلات حسابية سنكون قد فقدنا وخسرنا الكثير من معانيه النبيلة والجميلة .

• الخرس الزوجى : نحن نجهل أن أهم عضو إثارة عند المرأة هى الأذن على عكس الرجل الذى تحتكره العين، فالكلمة الحلوة وعبارات الغزل والإهتمام بأشيائها الصغيرة التى تبدو للرجل تافهه هى مفتاح الوصول إلى قلب المرأة وعقلها .

• إحتقار النصف الأسفل : النصف الأسفل من جسدنا محتقر فنحن نقول رأس القبيلة أو يجلس فى الصدارة لكن معجم النصف الأسفل مرتبط كله بالنجاسة، ويصبح السب والشتيمة بالنصف الأسفل وخاصة للمرأة هو أكبر عقاب يوقعه شخص بآخر

• مركز الجنس هو الأعضاء التناسلية : أهم عضو جنسى هو المخ وليس الأعضاء التناسلية، وعندما عكسنا هذا المفهوم مارسنا عمليات وحشية مثل الختان الذى يفعله مجمتعنا معتقداً أنه ببتر الأعضاء الجنسية فهو يبتر الرغبة المتأججة التى يعتبر تأججها مرضاَ أخطر من السرطان .

** إتهمك البعض بأنك كنت السبب فى إيقاف برنامج هاله سرحان على دريم بحديثك عن العادة السرية فى إحدى حلقاتها الشهيرة التى أثارت ضجة فى الصحف وكادت تعصف بالقناة نفسها، وذلك بقولك أنها ليست مرضاً؟

• نعم قلت هذا لأنها ليست مرضاً بالفعل، ولكن ماحدث مع هاله سرحان ليس سببه المباشر هذه الحلقة أو الحديث عن العادة السرية ولكنها أشياء أخرى ليس هنا موضوع مناقشتها، ولكن مايعنينى هى هذه الضجة المفتعلة وركوب الموجة وإدعاء الورع المزيف والتجارة بالأخلاق من أناس هم أبعد مايكونون عن الأخلاق، فالعادة السرية علمياً ليست مرضاً ونسبة مائة فى المائة من الذين هاجموا العادة السرية مارسوها فى مراهقتهم وبعضهم مازال يمارسها حتى بعد الزواج !، العادة السرية محطة من محطات البلوغ الجنسى والمفروض ان تمر ولكن المرض فيها أو المشكلة حين تتحول هذه العادة من مجرد محطة إلى سكن وإستقرار ووطن نهائى فلاتحدث اللذة إلابها وهنا تكون المشكلة، والإفراط فيها مثل الإفراط فى كل شئ ضار حتى الجنس الإفراط فيه ضار فماينطبق عليه ينطبق على العادة، وكان غرضى من هذا الكلام فى الحلقة ألانجعل المراهقين فى إحساس دائم بالذنب فهم يسمعون أن ناكح يده كناكح أمه فى حجر الكعبة !! إنه تشبيه مرعب ومفزع والولد لايستطيع أن يقرر فى لحظة الإقلاع عنها، فالحل أن نخبره انها محطة لايحس معها بهذا التأنيب الفظيع وهذا لايعنى أننا نشجع عليها بل هذا إقرار واقع وقراءة سلوك سيمر مرور الكرام فى الأسوياء الأصحاء .

*قلت فى إحدى مقالاتك نحن فى الأخلاق والجنس مجتمع فاترينات، ماذا تعنى بهذا التعبير؟

- نحن بالفعل فى المنطقة العربية مجتمع فاترينات، أكبر حجم عمرة وأكبر إستهلاك للفياجرا، تركب مع سائق التاكسى يضع لك المصحف على مقدمة السيارة ويضع عمرو خالد فى الكاسيت ويضع السبحة أمام المرآة ولكنه لايضع العداد، يغلق التاجر البقالة عند الآذان ويعود بعدها ليبيع لك علبة بلوبيف منتهية الصلاحية، مادامت الفاترينة مصقولة ولامعة فلايهم ماهو وراءها، نحن مثل فاترينة ثلاجة سوبر ماركت بها أفخر انواع اللحوم والدواجن والأسماك ولكن الفيشة الموصلة للكهرباء منزوعة، أظن أنك لن تجد إلا العفن

*بمناسبة حديثك عن العمرة والفياجرا ماهو رأيك الشخصى فى الفياجرا وهل إستطاعت حل مشاكلنا الجنسية؟

- الفياجرا إكتشاف علمى رائع ومذهل ومفيد وإنجاز فارماكولوجى عظيم، ولكن لابد أن نفهم أن الجنس لايحل بمجرد الضغط على زرار، فالفياجرا من الممكن أن تحسن الأداء ولكنها لاتستطيع تحسين العلاقة، إنها من الممكن أن تخلق الإنتصاب ولكنها لاتخلق الرغبة، إنها من الممكن أن تصنع دفقات من الإنزيمات ولكنها لاتصنع دفقات من الحب والحميمية، ولهذا فهى عامل مساعد وليست عصا سحرية

*بماذا تقيم تجربتك فى زاوية الثقافة الجنسية مع إيلاف؟

-التجربة مازالت فى بدايتها وأعتقد أنها تتقدم وتنجح بدليل التفاعل معها، وأنا شخصياً أتعلم من أصحاب المشاكل أكثر مماأعلمهم فنبض الناس أصدق من مليون كتاب.

*شكراً .

- ألف شكر لك ولإيلاف على هذه الفرصة للتواصل مع الملايين عبر فضاء الإنترنت