مستشار الرئيس الأميركي والسفير السابق د. سام زاخم في حوار شامل لـ ( ايلاف ) : (2-3 )
كنت أطوف شوارع البحرين بدون حراسة
هذه قصتي مع غازي القصيبي
هناك من يسعى إلى إسقاطي!
حاوره عبدالله المغلوث: تلمع ساعة رولكس ذهبية على معصمه وخارطة العالم على وجهه، تزدحم القصص في عيني سفير أميركا السابق بالبحرين الدكتور سام زاخم ( 69 ) عاماً: "قضيت أجمل أيام حياتي في المنامة، ألعب أسبوعياً التنس الأرضي مع عاهل البحرين الملك حمد عندما كان وليا للعهد، بساطة وتواضع كبيرين وجدتهما أثناء عملي في الخليج، الأبواب والقلوب لاتغمض هناك". وجوه حكام عرب وعجم تبتسم على جدران مكتبه وفي أعماقه، يحتفظ بها جنبا إلى جنب بمحاذاة صناديق سوداء لاتتنفس! الدكتور سام الذي رفض تولي إدارة سفارة أميركا في بيروت متعللا: "لاأود أن أخسر أمي أو زوجتي، أريد أن أحتفظ بهما؟". مستشار الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان والسفير السابق يروي لـ ( ايلاف ) في 3 حلقات علاقته بواشنطن وحرب الخليج الأولى والحكام والسفراء العرب... يتناول زاخم وجبة عشائه ودوائه ويتدفق...
تفتيش
رغبته في الذهاب سفيراً لأميركا في الامارات لم تتحقق، لم يتبلعها الرئيس الأسبق رونالد ريغان، مالسبب؟ يجيب على ( إيلاف ) السفير سام زاخم بعد أن أن تتذوق أصابعه بعض شعره الأبيض الذي لم تلعقه الألوان المفتعلة: " في عام 1986م كانت تمتلك أميركا حشودا غفيرة من القوات البحرية تطفو على بحر البحرين، تواجدي في المنامة كان مهما". هل كنت تعرف البحرين؟ : "أعرف أشياء قليلة وعامة، لكن بعد أن صدر قرار الرئيس درستها وفق الامكانات المتاحة آنذاك".
اختيار واشنطن لسفرائها ليس قرارا ارتجاليا، يغطس الدكتور زاخم رأسه في الماضي :"لجان عدة منبثقة من الكونغرس والبيت الأبيض فتشت في تاريخي، فضلا عن تعبئة نماذج خاصة وطويلة، تتعلق بكل تفاصيل حياتي منذ أن ولدتني أمي، أحداث كثيرة وملفات أكثر استعرضتها وغيري، تمثيل الولايات المتحدة الأميركية دبلوماسيا وعلى هذه الدرجة يتوجب فحص فائق الدقة". وأضاف: " دهشت حقا من نتيجة تصويت الكونغرس على ترشيح الرئيس لي، الأصوات حاصرتني، عانقتني، وباركت خطوة السيد ريغان". تهطل دمعة مخبوءة ويكمل: "قبل أسابيع قليلة فقط كنت في جنازة الرئيس ريغان، لايمكن أن أنسى اللحظات التي جمعتنا، قراره المفصلي في تحويل مسار حياتي وعائلتي".
الحلوى البحرينية
البحرين التي وصلها بفرح يشع من عينيه و وجهه، أضحت تبدو في لغته العربية البسيطة ومنزله الذي يعج بالسيوف والخناجر البحرينية التقليدية، ولسانه الذي لايمل الحلوى المحرقية والابتسامة الخليجية الصرفة التي يتقنها أبناء البحرين وانتقلت لاإراديا إلى خارطة وجهه: "أحببت البحرين جدا جدا، أحببت الشيخ عيسى رحمه الله وابنه الملك حمد حفظه الله والشعب بأسره".
يجفف حزنه على رحيل الأمير البحريني السابق:" كان الشيخ عيسى رمزا انسانيا، استقبلني بحفاوة بالغة، اصطحبني غير مرة في يخته، تصور كان يطعم أبنائي الصغار. كما يفعل مع الجميع في تلك البقعة المشبعة بالحب". يسترجع ذكرياته في المنامة الرطبة: " الحب الكبير الذي أحاطني هناك جعلني أتنقل بدون حراسة رغم حساسية منصبي، اذهب الى سوق السمك المركزي، أتحاور مع الجميع، أقرأ فرحهم، عرقهم وأحلامهم، كأني أحدهم، لم أشعر بغربة أو صعوبات كالتي تقلق مضجع رفاقي في الدول الأخرى". وعن أبرز المناشط التي يمارسها أثناء وجوده في المنامة، يقول السناتور الأميركي السابق والديبلوماسي اللافت: "أزور كثيرا الشييخ عيسى والملك حمد عندما كان وليا للعهد".
يتوقف، يتاول دوائه ويلحقة بقطعة خبز صغيرة يأكلها ببطء: "عندما تولى الملك حمد إدارة البحرين توقعت أن يكمل مسيرة والده ويحقق المكاسب التي نطالعها حاليا بنشوة فارعة، تحولت الامارة الى مملكة، انتشر الارتياح أكثر، شهادتي في البحرين ورجاله مجروحة، يتعامل معي الجميع حتى اللحظة على نحو مفعم بالكياسة والتهذيب، أتذكر اني كنت ألعب التنس الأرضي أسبوعيا مع الملك حمد، التواضع عندما يتحلى به قائد سيفتت بدوره أي مصاعب وينعكس على أداء بلده ومركزها ولهذا وصلت البحرين للمكانة الراهنة المتنامية، فالجميع يلتفون حوله ومن أجله".
قصيدة غازي القصيبي
هل أنت وحدك الذي يتمتع بهذه الامتيازات البحرينية كونك سفيرا لأميركا حينها؟ يرد على جناح السرعة: " لأ، هذا هو طبع البحريني مع الكل، أتمنى أن توجه نفس السؤال إلى السفير السعودي السابق الوزير الحالي الدكتور غازي القصيبي، قطعا ستجد إجابة مطابقة". بعيدا عن اصطياد إجابة السفير القصيبي، هناك كلام كثير يتناول الدكتور غازي وشخصيته، بحكم عملك بالقرب منه عندما كان سفيرا للسعودية في المنامة، ماذا تعرف عنه؟: " غازي عبقري ومن أذكي الشخصيات السياسية في العالم العربي برمته، خلوق ومؤدب، يعرف كيف يتعامل مع كافة الشخصيات بحكمة أغبطه عليها، استمتعت كثيرا أثناء وجودي في البحرين بقربه".
ويردف: " زوجة الدكتور القصيبي الألمانية –سيغرد- صديقة زوجتي أيضا، تتحدث الانجليزية بطلاقة، عائلتي وعائلته تجمعهما علاقة متينة، مازلنا نحاول التواصل والاتصال، زوجتي لاتجيد العربية لكنها من فرط إعجابها به رسمت احدى قصائده الشعرية باللغة العربية في لوحة ملونة تتصدر منزلي، يقول مطلعها: كأن الغمام لها عاشق***يساير هودجها حيث سارا".
الحديث عن قصيدة القصيبي يجرنا الى الحديث عن قصيدته التي خسر بسببها منصبه الدبلوماسي في لندن، واتهم بمعاداة السامية، ماتعليقك عليها ومدى سلامة تصرف السفير السابق عندما نظم قصيدة مادحا العمليات الاستشهادية التي يقوم بها اطفال فلسطين وفق تعبيره، يعلق الدبلوماسي السابق سام زاخم لـ ( إيلاف ): " أنا مع غازي قلبا وقالبا وأتفق معه في كل تفاصيله حيث أدرك رجاحة عقله ومبادئه التي يحارب من أجلها وجعلته يكسب احترام الحكومة السعودية والشعب في معادلة لايجيدها اي سياسي عندما يكسب التأييد الرسمي والشعبي على حد سواء".
معادلة النجاح
بيتك المعشوشب بالبحرين وأهله، المأهول بالطموح، كيف استطعت أن تحافظ عليه ونجاحك الشخصي لاسيما أن ابنك المحامي اللافت جون يخطو بثبات نحو السياسة وبقية أعضاء الأسرة يحصدون الاعجاب، المتابع لمسيرتك لم يلحظ تأثيرا سلبيا على وجودك خارج أميركا على مستقبل ذريتك كما يحدث في مواقف مشابهة، مالمعادلة التي استطعت اختراعها؟
تتخلله نشوة لاتحصى: "في البحرين تتوفر مدارس أميركية، الأسرة الحاكمة وافرادها كانوا قريبين دائما، ساهموا في ارتياحي البالغ، لاأخفيك، كان قصر الشيخ عيسى وابنه الملك حمد مفتوحا لي وأسرتي، وزير الخارجية الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة الرجل الحكيم والهادئ كان أيضا في غاية اللطف والتواضع، اذا نجحت علي أن أنسب الفضل لأهله، فالمنامة ساهمت في توفير مناخ صحي، خدمت في البحرين رسميا منذ عام 86-1989م لكن عدت إليها مرارا أثناء حرب الخليح الأولى وبعدها".
سر العودة
لماذا رجعت إلى المنامة؟ : "بعد غزو العراق للكويت تلقيت اتصالا من سفير البحرين في واشنطن -ابن عم السعودي غازي القصيبي واسمه غازي القصيبي أيضا- بعد احدى المحاضرات التي ألقيتها في سان ديغو-ولاية كاليفورنيا- يخبرني أن الشيخ حمد بن عيسى -كان وليا العهد آنذاك- يطلب أن أعود للمنامة حيث تنتظرني مهمة جديدة".
هل عدت وما رأي الادارة الأميركية كونها عينت خلفا لك مباشرة؟ يجيب: " عندما تلقيت اتصال السفير البحريني هاتفت مباشرة السكرتير التنفيذي لوزير الدفاع الأميركي ديك تشيني في ذلك الوقت ويدعى دونالد اكستوت وطلب مني التريث".
لماذ لم تجر اتصالا بالخارجية الأميركية؟ ماعلاقة وزارة الدفاع؟ يقول زاخم لـ ( ايلاف) : " في وزارة الخارجية لايحبون سام زاخم".
أمر يثير الاستغراب حقا، كيف تصبح سفيرا وأنت من المغضوب عليهم في الوزارة التي تديريك؟ يعلق بإختصار أكثر اثارة: " انها السياسة".
لنكمل، هل ذهبت إلى البحرين؟ : " نعم وهل يمكن ان لاأجيب طلب الشيخ حمد".
وماذا حدث هناك؟: " التقيت الشيخ حمد وأشار بأصابعه بإتجاه أحد المكاتب المجاورة قائلا: هذا مكتبك ياسام، أنت ضيفنا". وماذا عن السفير الأميركي الذي خلفك، ماانطباعه عن عودتك؟ : " اعتقد أن السفير هاستكر كان قلقا".
كانت ترغب البحرين بوجود زاخم ضمن طاقم العلاقات والاتصالات الذي عمل أبان حرب الخليح الأولى في المنامة لكنه اعتذر مبديا في ذات الوقت استعداده الكامل للتعاون عن بعد وبشكل يخدم منطقة الخليج ومصالح اميركا : " زرت الأصدقاء لأسابيع محدودة في المنامة ثم عدت إلى أميركا، والتحقت بفريق يتكون من أعضاء: ادارة أميركية ، الكويت، السعودية والبحرين كحلفاء نحو إعادة الكويت لأهلها، ضمن شيكة العلاقات الأميركية العربية التي شيدتها الكويت أثناء فترة الغزو العراقي".
كونه يجيد الانجليزية والعربية فضلا عن شبكة العلاقات الواسعة التي يتمتع بها أنيطت به مسؤوليات كثيرة على كافة الأصعدة، كان مطلبا للجميع.
حورب الدكتور سام في وسائل الاعلام الأميركية وقيل عنه أنه: " لسان أميركي بقلب عربي". و اتهم بأنه تهرب من دفع الضرائب لكنه تقدم لاحقا إلى انتخابات الكونغرس، يتنفس : " هناك من يحاول إسقاطي".
يتبع
التعليقات