حاورها سلطان القحطاني من الرياض : زينب حفني... كاتبة وقاصة وروائية سعودية من مواليد مدينة جدة، تخرجت من كلية الآداب جامعة الملك عبد العزيز بجدة قسم دراسات إسلامية. بدأت العمل في الصحافة عام 1407هـ. تنقلت في عدد من الصحف المحلية. كتبت في عدة مجلات عربية من ضمنها مجلة "صباح الخير"، مجلة " الرجل". هنا الحلقة الثانية والأخيرة من حوارنا معها:

• اوصلتي صورة مختلفة لمن كان ينظر للمرأة السعودية بصورة نمطية.. وصورتيها على أنها بارعة في كل شئ إلا أنها مهمشة كصاحبة قرار... هل مازال التهميش سارياً؟
-نعم المرأة السعودية لو وضعتها في أي مجال ستبرع لأنها لا تقل كفاءة عن الرجل. المشكلة من وجهة نظري تكمن في مجتمعنا القائم على موروثات وأعراف ذكورية أدت إلى إعاقة تقدّم المرأة. لقد أردت في روايتي "لم أعد أبكي" من خلال شخوصي النسائية القول بأن المرأة السعودية لو أفسح أمامها المجال لتبوأ مناصب قيادية في المجتمع ستحقق الكثير من الإنجازات. تسألني إن كان التهميش ما زال ساريا!! لقد سبق وأن قلت بأن المشكلة تكمن في البنية الاجتماعية التي يقوم عليها مجتمعنا السعودي، مع هذا يجب الاعتراف بأن إشعاعات خافتة تومض هنا وهناك توحي بوجد انفراج في قضية المرأة، مثل فتح مجالات عمل جديدة للمرأة وإن كانت ضيقة، ومنح سيدة الأعمال حقها في مزاولة عملها بحرية بإلغاء الوكيل أو الكفيل الشرعي، بالإضافة إلى الهيئة الخاصة التي تمَّ تشكيلها للنظر في الشكاوي الخاصة بالأسرة.


• هل تعتقدين أن المرأة مؤهلة للحصول على دور سياسي في المرحلة المقبلة خاصة على الصعيد السعودي؟
- المرأة العربية بصفة عامة لم تكن بعيدة يوما عن الواقع السياسي سواء في عصور الجاهلية أو في عصور الإسلام الزاهية، ارجع إلى كتب التاريخ ستجد أن المرأة العربية كانت تحكم دولا وهناك نسوة كن يدرن شئون الحكم من داخل الغرف المغلقة مثل الخيزرانة والدة الخليفة هارون الرشيد، بل إن أول وزيرة في الإسلام كانت إمرأة وتمَّ تعيينها في منصب الحسبة الذي من خصائص مهامه مراقبة حركة البيع والشراء في الأسواق، وكان هذا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب المعروف بغيرته الشديدة على المرأة المسلمة. المرأة السعودية هي من أرض الجزيرة العربية التي عُـرف عن نسائها قوة شكيمتهن، فما المانع اليوم بعد أن شغلت المرأة السعودية منصب عميدة كلية ومديرة مدرسة ومديرة بنك أن تكون وزيرة أو سفيرة في الخارج أو حتّـى رئيسة تحرير في صحفنا المحلية،!! أنا واثقة أنها ستنجح بجدارة والدليل نجاح العديدات من السيدات السعوديات في الخارج.


• تقرر أن يكون الموضوع الرئيس في مؤتمر الحوار الوطني السعودي المقبل عن المراة وحقوقها... هل تعتبرينه اعترافا مهماً بحقوق المرأة... وكيف تنظرين لهذه الخطوة؟
-تابعت ما جرى في الحوار الوطني الثالث الذي عقد حول المرأة وحقوقها. الحقيقة أنني أصبت بخيبة أمل فمعظم التوصيات وضعت من أجل فض مجالس في نهاية الأمر، كما أن معظم المشاركين من الرجال كانوا ينتمون إلى تيار واحد، بجانب أن المشاركات من النساء كن من الأكاديميات وهذا يُـشكّل نقطة ضعف أخرى للمؤتمر الذي كان من الواجب أن يقوم على مبدأ التنوّع.كيف تمَّ إغفال إشراك شرائح متباينة من المجتمع في هذا الموضوع الحساس الذي يتعلق بمصائرهن؟! لا يمكن أن تناقش قضية المرأة بعيدا عن صوت المرأة كونها الأقدر في التعبير عن وجهة نظرها فيما يخص مشاكلها العالقة.


• يعتبر البعض أن المؤسسة الدينية السعودية هي من أبرز العوائق التي تقف في وجه المراة ونيلها لحقوقها الرئيسية... هل تذهبين مع هذا القول؟
-المجتمع السعودي قائم على نهج ديني وذلك يعود لأسباب عديدة من أبرزها تواجده على أرض الرسالة المحمدية، وهو ما جعل له خصوصية ينفرد بها عن بقية المجتمعات العربية والإسلامية. من أبرز العوائق التي تعيق المرأة اليوم تكمن في وجود تداخل بين تعاليم وشرائع الدين الإسلامي وبين الأعراف والتقاليد الصارمة التي توارثتها الأجيال حتّـى أضحت من المسلمات، لذا يجب أن تعمل كافة شرائح المجتمع على تجاوز هذه الخصوصية وهدم الحواجز التي تشل حركة المرأة، فحركة الإصلاح لن تكتمل إلا من خلال المرأة لأنها النصف الأجمل، لذا أؤكد على حاجتنا الماسة للعلماء المعتدلين من داخل المؤسسة الدينية الذين يؤمنون بدور المرأة في بناء مجتمعها كونهم الأشد تأثيرا على الأفراد، آملة أن يضعوا بنودا تتوافق مع مستجدات العصر الحالي تضمن للمرأة استقلاليتها وتعزز مكانتها وتحفظ حقوقها.


• هل تعتقدين أن المرأة لم يعد لها مكان في ظل سلطة مجتمعٍ ذكوري.... هل ستنحسر وتعود أدراجها؟
-أرفض هذه النظرة التشاؤمية فأنا بطبعي إنسانة محاربة، لكنني أؤمن كذلك بأن قضية المرأة السعودية لن تحل إلا من خلال المرأة وذلك بالوقوف بقوة في وجه التيار الذي يريد أن يعيق حركتها وهذا لن يكون إلا بالعمل والعلم والمثابرة والأهم إيمانها الحقيقي بقدراتها كإنسانة وحقها الطبيعي كمواطنة داخل بلدها، لذا أحمّل على عاتقها جزءا كبيرا من المسئولية فهي تريد من الرجل أن يحل لها قضاياها، ويتبنى مشاكلها، وتقف هي من بعيد تتفرج على إنجازاته ثم تتهمه بالأنانية والرجعية والتخلّف.


• هل تعانين على صعيد الكتابة من الآخر الذي يحاول أن يلغيك ويجعلك صوته المشابة؟ هل تعتقدين أننا لو تحولنا لصوت واحد مكرر سنذبل ونذوي؟
- أسمع لا يوجد مخلوق على وجه هذا الأرض مهما كانت قوته يستطيع أن يلغي إنجازاتك، ويحطّم نجاحاتك، ويوقف محاولاتك، سوى الخالق وحده الذي بيده وحده يدير هذا الكون. من هذا المنطلق أنا أعمل في صمت وبجهد صادقين ولا ألتفت لأي مهاترات تجري من حولي. كما أن بداخلي قناعة بأن الخط السالب بمفرده يعطي دوما شعاعا باردا لايهزُّ أرضية المجتمع، لذا الاختلاف في الرأي هو الذي يجعل لحياتنا معنى، والتباين هو الذي يُحرّك انفعالاتنا ويدفعنا إلى الإنصات لوجهات نظر الآخرين، الحوار الحقيقي يقوم على حق كل فرد في التعبير عن رأيه بحرية مطلقة.


• هل تريدين أن تقولي شيئا ختاماً؟
- نعم..الرجل يُِـشكّل أهمية كبرى في حياة المرأة، لكن المرأة هي الأخرى تعتبر واحة الأمان والقاسم المشترك للحياة، وإذا لم يفسح المجتمع الطريق أمام المرأة لتمارس حقها في التعليم وفتح المجالات أمامها لدراسة كافة التخصصات، واقتحام المجالات المحظورة عليها، واحترام هويتها الإنسانية بعيدا عن سطوة الأهل، لن يُـصبح لنا في المستقبل أجيال متوازنة تحترم عقلية المرأة. كما أريد القول بأن الرجل لم يكن ولن يكون يوما عدوي، تعرضت لمواقف كثيرة من أجل جرأة طرحي في الكتابة ووجدت العديد من المثقفين يقفون بجانبي ويعاضدونني، كما أنني مدينة بجزء كبير من نجاحاتي لأبي، لقد علمني أن أعتز بعقلي، وأن أستقلَّ برأيي، وأجاهر بما أؤمن به، وهو ما جعل الكثيرون يعتبرونني امرأة متمردة، لكن هناك فرق شاسع بين أن ترفع المرأة راية التمرد لمجرد أن تلفت الأنظار إليها، وبين أن تتمرد تمردا نبيلا تهدف من وراءه إلى معالجة آفات مجتمعها، وإلى فك الجمود والتخلّف الموضوع حول المرأة، وإلى الإيمان بقدراتها الفكرية. أعلم أن الطريق ما زال طويلا أمام المرأة السعودية، لكنني لا أعرف اليأس ومن خلالي وخلال غيري من المثقفات على تباين تخصصاتهن سننال في نهاية الأمر ما نريده، وهنا أتذكّـر عبارة جميلة قالها باولو كويلو على لسان بطل روايته "الخيميائي" ( ليس هناك سوى شيء واحد يمكنه أن يجعل الحلم مستحيلا.. الخوف من الفشل).

[email protected]