حوار مع د. محمد كمال اللبواني:

المشاريع الأوروبية والأمريكية لاصلاح كلها جيدة، ونرحب بها، ومستعدو للتعاون معها، ونحن نريد أن يكون الشعب السوري صديقاً للشعوب في كل العالم و أن يساهم في الحضارة والسلم.

حاوره حسام شحادة: الدكتور محمد كمال اللبواني من مواليد سوريا - الزبداني 1957 دكتور في الطب البشري من جامعة دمشق 1981 يعمل في عيادة خاصة في الزبداني. بدأ نشاطه السياسي في الجامعة مع الحزب الشيوعي المكتب السياسي ( جناح رياض الترك ) وتابع بعد الجامعة نشاطه الثقافي، ثم عاود النشاط السياسي مع بداية حركة ربيع دمشق فكان عضواً في مجلس أمناء لجان الدفاع عن حقوق الإنسان وعضواً في اللجنة المنظمة لمنتدى الحوار الوطني الذي أسسه رياض سيف، اعتقل بتاريخ 8/9/2..1 مع حملة قمع نشطاء ربيع دمشق، وحكمت محكمة أمن الدولة العليا عليه بالسجن ثلاث سنوات قضاها كاملة في سجن انفرادي، خرج من السجن في 9/9/ 2..4/ وعاود نشاطه الثقافي والسياسي مطلقاً حملة للتضامن مع السجناء السياسيين ومن أجل احترام حقوق الإنسان في السجون. رسام و كاتب. له كتابين هما الحب والجنس دار الريس 1993 و اقتصاد السعادة دار الشموس 2..1 وهناك مجموعة جديدة قيد الإصدار وعدد من المقالات. التقته إيلاف وكان هذا الحوار:

* بداية ولكونك عضواً مؤسساً في منتدى الحوار الوطني، هل لك أن تعطينا صورة عن طبيعة هذا المنتدى وظروف تأسيسه وأهدافه؟
- عندما رفضت السلطات الترخيص لما اتخذ فيما بعد اسم لجان إحياء المجتمع المدني، وكان اسمه جمعية أصدقاء المجتمع المدني.. عندها فكر رياض سيف وأثناء مغادرته مكتب نائب رئيس الجمهورية الذي وصف أهداف هذه الجمعية بأنها شكل آخر من الانقلابات، وما تعلنه هو البلاغ رقم واحد، عندها فكر رياض في فتح منزله للمواطنين لإدارة حوار حول المسائل الأساسية التي تهم المواطن والوطن. طالما أن الدولة لن تسمح بعمل سياسي منظم بالرغم من وعود الإصلاح، لذلك قرر أن يمارس مهامه الدستورية وأن يستخدم مركزه كعضو في مجلس الشعب، ومنزله الشخصي ليحوله إلى منتدى يلتقي فيه الناشطون دون خوف، وفي جو ديمقراطي. وعندما تزايد عدد الحضور، تشكلت بمبادرة من رياض لجنة من الناشطين للمساعدة في إدارة المنتدى، فموضوع التأسيس والفكرة هما لرياض سيف، أما نحن فكان دورنا لا حقاً: وهو ينحصر في أمرين: 1- المشاركة في نشاطات المنتدى مداخلات محاضرات نقاشات دراسات. 2- تنظيم هذه النشاطات . أما أهداف منتدى الحوار الوطني فهي ليست أيديولوجية ولا سياسية مباشرة أو محددة مسبقاً، فهي حسب تصورنا كانت إدارة حوار وطني يشمل كل أطياف المجتمع للوصول إلى تصور و توافق وعقد وطني جديد يمكن أن يشكل بداية جديدة لمرحلة ديمقراطية في سوريا، بعد عشرات السنين من الحكم الشمولي الأحادي الذي أضعف، بل دمر الحياة السياسية، وكرس استقالة المجتمع من إدارة شؤونه.
وتشكلت اللجنة بشكلها الرسمي المعروف عندما قررنا التقدم بطلب ترخيص للمنتدى، وقد اختار الأعضاء بشكل رئيسي رياض سيف معتمداً على معرفته الشخصية وأحيانا تبعاً لحسابات أخرى تتعلق بتوازن التركيب لكي يأخذ الصبغة المدنية والصبغة التعددية.. وهذا ما جعل بعض التفاوت يظهر فيما بعد، عندما قمع المنتدى واعتقل نصف أعضاء لجنته. فتوقف تماماً. لكن الملاحظ أننا كلجنة لم نكن أبداً منغلقين فقد كنا حريصين على توسيعها ومشاركة كل من يرغب وكل مهتم وكان عندنا عدد من الناشطين الذي يحضرون جلسات اللجنة ويغنون قراراتها ويساهمون كأعضاء حتى لو لم يوقعوا على طلب الترخيص. ولم نكن نشعر أننا منظمة مغلقة بل كان طموحنا دوماً لتوسيع اللجنة و لتشكيل لجان فرعية، وكان شعارنا دوماً: عمل جماعي مسؤولية جماعية شفافية كاملة.

* في شهر شباط من عام 2..1 وإثر الهجوم العنيف لقيادة حزب البعث على أصحاب المنتديات واتهامكم بمحاولة جزأرة سورية وتهديد الوحدة الوطنية، استجبتم لقرار السلطات الرسمية بإغلاق هذه المنتديات، لكنكم عدتم بعد ست أشهر لمزاولة نشاطكم، ما هي ظروف هذه العودة وهل كان ذلك محاولة لتحدي السلطات في حينه.
- في البداية وبشكل مفاجئ حضر للمنتدى عدد كبير من البعثيين، وبشكل خاص من فرع الجامعة ومن أعضاء الهيئة التدريسية، وأخذوا دورهم في النقاش وتجاوزوا الوقت المخصص.. وقالوا ما قالوا.. ولكنهم عندما أدركوا أنهم لم يستطيعوا أن يغيروا قناعة رجل واحد من الحضور أو إقناع مواطن واحد بوجهة نظرهم.. بدؤوا بكيل الاتهامات بل والشتائم، وحاولوا عدة مرات افتعال شجار داخل المنتدى بهدف تبرير تدخل الأمن فيه لفك المشاجرة وإغلاقه.. وكل محاولاتهم باءت بالفشل بسبب حرصنا الشديد وهدوء أعصابنا، وبشكل خاص بسبب دماثة وابتسامة صاحب البيت رياض سيف..
بعد فشل محاولاتهم السابقة قرروا الطلب من رياض وبشكل مباشر عبر رجالات السلطة أن يغلق المنتدى، وعندما رفض رفعت عنه الحصانة جزئياً وحول للقضاء بتهم متعددة وحضر جلسة استجواب وتوقفت المحاكمة وبقيت معلقة. وكان موضوع الاستجواب هو ورقة السلم الاجتماعي التي تقدم بها في محاولة لطرح مسألة شرعية تكون منظمات سياسية خارج سيطرة حزب البعث الحاكم وضمن مسيرة الإصلاح والتعددية التي تطبل بها السلطة..
أنا شخصياً كنت ضد إغلاق المنتدى، لكن رياض سيف بعد تردد وتفحص، حاول الالتفاف على أمر الإغلاق، بتحويل المنتدى إلى مضافة واستبدال المحاضرة بمداخلات متعددة تتعلق بموضوع معين، وفي الواقع تغيب المحاضر فجأة ودون إعلامنا بسبب تهديد أجهزة الأمن له، فتحولت الجلسة لجلسة حوار وكانت أغنى من المحاضرة ذاتها لكثافة المثقفين بين الحضور.وهكذا استمر المنتدى بشكل جديد هو المداخلات الجماعية حول موضوع منوه عنه مسبقاً
لكن أخيراً قرر رياض إغلاق المنتدى، ولا أدري بالضبط ما هي الضغوط التي خضع لها، لكنه قال لي أنها من أعلى مستوى.. وبحسب رغبته الشخصية ولأن المنتدى يتم في منزله وتحت حصانته كعضو في مجلس الشعب، حيث يحظر قانون الطوارئ المعمول به في سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً أي تجمع لما يزيد عن خمسة أشخاص، ويعطي سلطات الأمن صلاحيات مطلقة في الاعتقال غير المحدود، ولمنع أي شيء ومصادرة أي شيء.. اتفقنا على إغلاق المنتدى على شرط التقدم بطلب ترخيص، لأن الكلام المعلن يومها أن المطلوب ليس إغلاق المنتديات بل تنظيمها.. المفارقة أنه في الجلسة التي وزعنا فيها بيان إغلاق المنتدى بدا الحزن جلياً على الجميع ليس الحضور من الناشطين ولا مراسلي وكالات الأنباء بل أيضاً على رجال الأمن الذين دأبت فروع الأمن على إرسالهم لرقابة الجلسات.. فقد كانوا حزينين مثلنا على إغلاق آخر واحة من الحرية.
وهكذا قررنا كلجنة أن نغلق المنتدى لفترة محدودة ونتقدم بترخيص وإذا لم نمنح نعود لفتح المنتدى كما كان، وهذا ما حصل.. ففي 5أيلول 2..1، وكما أعلنا قبل شهرين تمت عودة افتتاح المنتدى بدون ترخيص، بعد أن رفضت السلطات منحنا الترخيص بسبب عدم اختصاصها.. أي لا توجد في سورية سلطة مختصة يحق لها منح ترخيص لمنتدى.. وهكذا نظمنا محاضرة هامة للدكتور برهان غليون حضرها عدد كبير واستمر الحوار لما بعد منتصف الليل، وهذا لا أعتبره تحدياً لأحد، فحزب البعث وبدون ترخيص يملأ الشوارع والساحات في كل مكان وكل مناسبة..
إن ممارسة الحقوق ليست جريمة، ومن يمارس حقه الطبيعي ليس مجرماً، المجرم الحقيقي من يغتصب حقوق الآخرين ويتسلط عليهم ويستبحهم ويعرضهم لكل أنواع القهر والكبت والسلب والنهب.. المسألة ليست مسألة تحدي بل رغبة في البقاء، نحن شعب لسنا اقل من أي شعب آخر، وقد خلقتنا أمهاتنا أحراراً كما قال سيدنا عمر بن الخطاب، ونحن لكي نستمر أحياء كبشر أحرار لنا حق المشاركة في الحياة السياسية، وقد رفعنا صوتنا بعد أن وصلت الحال إلى وضع مأساوي يهدد بأفدح العواقب، فمن يدفع البلاد نحو الجزأرة ليس المنتديات، وليس المطالبين باحترام حقوق الإنسان أو بالديمقراطية وسلطة القانون والاحتكام لصندوق الاقتراع، بل حيتان الفساد والاستبداد الذين يعيثون فساداً وتخريباً في كل مكان وحيز ويدمرون كل ما يقع تحت أيديهم.

* حملة اعتقالات ربيع دمشق طالت ستة من لجنة منتدى الحوار الوطني من أصل عشرة معتقلين في هذه الحملة، برأيك لماذا استهدف منتدى الحوار الوطني؟
- كانت السلطة تخطط لانفتاح على الطريقة المصرية، أي انفتاح مضبوط تسيره منظمات ظاهرها مستقل عن السلطة، ولكن واقعها محكوم بأوامر وتعليمات وتوجيهات المؤسسة الأمنية، أي أن السلطة كانت تحاول تصنيع معارضة تعمل بتوجيهاتها، وهكذا بدأت في الظهور منظمات ومنتديات هنا وهناك كانت تسعى لتحقيق معادلة صعبة، كسب رضا أجهزة الأمن، واحتواء المعارضين وتعليبهم.. وعلى ذلك بدأ نشاط الأجهزة الأمنية في شراء الولاءات سراً، واستخدمت الأجهزة في ذلك كل أشكال الترهيب والترغيب، ونجحت أحياناً وفشلت في أخرى، وبالنسبة لمنتدانا يبدو أنها قد فشلت في احتوائه أو احتواء عدد مهم من منظميه أو في إرهابهم، لذلك قررت ضربنا وتفكيكنا، لكي تستوعب جمهورنا في منتديات أخرى، كانت قد بذلت جهوداً جبارة لضبطها وظنت أنها نجحت.. لكن اعتقال حبيب عيسى معنا، بين أنها لم تحقق النجاح الذي تريده.،وأنه ما يزال في شعبنا من هو عصي على التطويع بالرغم من إمكانات السلطة الجبارة وتوظيف كل قدرات الدولة الشمولية، بكامل وحشيتها.. حتى أنه كثيراً ما يحدث تمرد من قبل من بدؤوا بالتقارب مع السلطة والإصغاء لهمسات رجال الأمن، لأن السلطة لا تريد أن تترك لهم أي حيز نشاط، بل تريدهم عملاء مأجورين بأجر بخس.
السبب الثاني لضرب المنتدى أننا كنا منفتحين على كل شرائح المجتمع، ولسنا أيديولوجيين، وكنا نفتح الحوارات بحرية كاملة في محيط من القمع.
السبب الثالث أننا حققنا توسع وانتشار هام وسمعة رائعة، مما أخاف السلطة وجعلها تعتقلنا،
اعتقل رياض سيف عصر اليوم الثاني لعودة المنتدى أي يوم 6 أيلول، وبعد اعتقال رياض كنا مصممين على المتابعة، فاجتمعنا واستنكرنا، ثم نظمنا اجتماعاً تضامنياً لكل مؤسسات المجتمع المدني المعارضة المعروف آنذاك ( 14 منظمة )، وصدر عن الاجتماع بيان استنكار موحد لأول مرة، وقررنا التضامن والعمل جماعة في مواجهة ماكينة القمع. فاعتقلونا في اليوم التالي أنا ووليد البني وعارف دليلة وحسن السعدون،أي بعد رياض بيومين فقط مساء 8 /أيلول ثم اعتقلوا فواز تللو وحبيب عيسى بعدنا بثلاثة أيام وبالضبط يوم 11 أيلول 2..1 الشهير.. وهددوا الباقين لوقف كل نشاط.
لقد بررت السلطة تراجعها عن وعود الإصلاح السياسي، بأن الوقت الآن للإصلاح الاقتصادي وليس السياسي، فطرح رياض سيف موضوع عقود الهاتف المحمول كنموذج لما يمكن أن يكون عليه الإصلاح الاقتصادي فيما لو جرى قبل الإصلاح السياسي، وفي ظل الفساد والاستبداد والمحسوبيات والبنية السياسية الإقطاعية الاحتكارية وفي ظل غياب أي رقابة من الشعب وأي حرية إعلامية..
في الواقع إن السلطة وبسبب تاريخها الحافل تخشى الحرية، ولا تريد الإصلاح لا السياسي ولا الاقتصادي، بل تخطط لإحكام قبضتها على الاقتصاد ووضعه كلية في خدمة طبقة المستفيدين من رجالها، فهم يعرفون أن من يملك الاقتصاد يملك السياسة،، فتخليد امتيازاتهم يتطلب منهم التحول لقوى اقتصادية وتوظيف أموالهم في مفاصل الاقتصاد، بمساعدة وتشجيع السلطة التي تسهل لهم نهب ما تبقى أو شراء القطاع العام بأبخس الأسعار.
لذلك فالسلطة تحاول التهرب من استحقاق الإصلاح السياسي الذي وعدت به وحصلت بموجبه على الاعتراف الدولي، فمرة تقول إصلاح تدريجي، ومرة إصلاح من الداخل، ومرة لا نخضع للضغوط، ومرة تبرر تعرقل الإصلاح بوجود إسرائيل واحتلال الجولان، ومرة بأولوية الاقتصاد، ثم أولوية الإدارة.. ثم لا ندري أولوية ماذا؟ والسنين تمر، ولا شيء يحدث البتة ( أي هي تتبنى سياسة الكذب الاستراتيجي )، فإذا انتهكت إسرائيل حقوق الإنسان في فلسطين. تجد في ذلك تبريراً لها للاستمرار في إنكار حقوق مواطنها.. وإذا انتهكت قوات الاحتلال الأمريكي في العراق حقوق الإنسان في سجن أبو غريب تجد مادة خصبة لتبرير سلطاتها الديكتاتورية ورفض الإصلاح، متناسية العار الذي يحدث في سجونها هي ومع مواطنيها هي، وهي سلطة وطنية كما تدعي..
الحقيقة المرة أن السلطة لا ولن تريد الإصلاح، لأنها لا تستطيع تحمل حتى ساحة حرية صغيرة في منزل صغير، ونحن كل جريمتنا أننا فتحنا دائرة صغيرة للحرية في منزل عضو مجلس شعب، فكانت النتيجة أن تبخرت كل وعود الإصلاح الرنانة وجرى التراجع عنها علناً قولاً وفعلاً، فأرسلت الدوريات لاعتقالنا، وكيلت لنا التهم الباطلة، وعادت السلطة إلى قاعدتها الأساسية وهي الاستبداد والتعسف واستخدمت وسيلتها الأساس وهي القمع.

* أنتم متهمون بنشر الأنباء الكاذبة والتنسيق مع السفارات الأجنبية، وتهديد الوحدة الوطنية، ما هي حقيقة هذه الاتهامات؟..
- ما يسمونه أنباء كاذبة هي قصص الفساد التي تزكم الأنوف وتعمي العيون ويعرفها القاصي والداني، وقصص الاستبداد والقمع و الممارسات الوحشية بحق أبناء هذا الشعب
أما التنسيق مع السفارات الأجنبية، فعلى ماذا ننسق؟، هل حقوق الإنسان السوري قضية أجنبية، وهدف استعماري عدواني. وهل احترام كرامة الإنسان السوري هدف لقوى معادية أم هو قضية أجنبية. وهل المطالبة بعودة الشعب كمصدر لشرعية أي سلطة عبر الانتخابات التعددية الحرة هو برنامج استعماري.. كلام ليس له معنى.
نحن نلحظ تزايد الاهتمام الدولي في مسألة حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية، فرضتها شروط العولمة.. وهذا ما يجعلنا نلتقي مع هذه التوجهات ونحاول الإفادة منها.. وتوظيفها في بلادنا ولخدمة أبناء شعبنا وهذا حقنا.. ولطالما تعاون هذا النظام مع دول وقوى أجنبية سراً وعلناً، أمنياً وعسكرياً، ولم يتهمه أحد بالعمالة، فإذا كان كل أجنبي معادي، فلماذا له سفارة على أرضنا ونقيم معه الروابط ونعلن صداقتنا معه.. الغريب أن السلطة لا تتورع عن مفاوضة العدو الذي اعتدى علينا عسكرياً، واحتل أرضنا. ثم تطلق التهم الباطلة على كل من دخل سفارة حتى لو كان دخوله لحفلة عامة يحضرها أهم شخصيات السلطة ذاتها، وكأن من يريد العمالة يدخل السفارة علناً جهاراً نهاراً بدعوة رسمية مع عشرات البشر.. كل محاولات السلطة لمنعنا من تحقيق سمعة خارجية، ومنعنا من إقامة علاقات عامة ناجحة نشرح بها قضيتنا ونحشد المناصرين لها.. تماماً كما يحدث مع الإعلام.. فهم يتهموننا اليوم بالظهور على محطات الإعلام الأجنبية، فالمطلوب منا الظهور فقط على محطات الإعلام الممنوعة من اللقاء معنا والتي تنفذ توجيهات الأمن.. هذه هي المسألة باختصار يريدون إخفاءنا لتسهيل قمعنا، ونحن نقاوم.. لا تصدقوا هذه الكذبة.. من يستغل أي منبر إعلامي في محيط القمع والصمت هو مجاهد يضحي ويغامر ويخاطر.. لتعطينا السلطة مساحة إعلامية صغيرة في الإعلام الوطني عندها يمكنها أن تقول ما تقول. لكن وبوجود إعلام احتكاري أمني متخشب، ليس لأحد أن يلومنا. الإعلام والعلاقات العامة هي الورقة الأهم التي نملكها في معارضتنا لسلطة الاستبداد الشمولية القمعية، ولن نتخلى عن هذه الورقة مهما أشاعت وروجت هذه السلطة.
الدعوة للديمقراطية والدعوة للتعددية، وللانتخابات الحرة لا تهدد الوحدة الوطنية، فالذي يهددها هو سلوك السلطة الاحتكاري المتحيز الظالم الذي أقصى واستبعد أغلب قطاعات المجتمع ودفعها لليأس، وما جرى من أحداث مؤسفة في الربيع الماضي يؤكد صحة وجهة نظرنا، من يهدد الوحدة الوطنية هو سلوك السلطة الوحشي، وقصص التعذيب والإعدام الغير قانوني وتهجير مئات الآلاف وحرمان أمثالهم من جنسيتهم.... وليس المطالبين بالحقوق المدنية والسياسية لكل مواطن كريم يعيش على أرض هذا الوطن.

* مع هذا ألا تعتقد أنكم ذهبتم بعيداً في تجاوز الخطوط الحمراء؟
- ما هي هذه الخطوط ومن وضعها، هل ممارسة حق أساسي كفلته الشرائع والمواثيق السماوية والعالمية والدساتير بما فيها الدستور السوري المعلق منذ ظهوره، هي تجاوز للخطوط الحمراء، أم أن الفساد خط أحمر لا يجوز التطرق إليه، والاستبداد والتعسف والتعذيب هي أيضاً خطوط حمراء. يا أخي من يضع الخطوط الحمراء والخضراء هو الشعب الحر السيد، أما وقد سلب هذا الشعب حقه في اختيار سلطته بحرية وعبر انتخابات تعددية نزيه وجاء من جاء بانقلاب عسكري ليفرض وصايته على هذا الشعب ثم ليستمر بالسلطة إلى ما شاء الله دون رقيب ولا حسيب، وصار يعتبر أي نقد أو معارضة هو تجاوز للخطوط الحمراء، وكل نقد أو انتقاد يسميه أسماء مختلفة، فهذا شأنه.. نحن نريد أن نعيش كبشر، فإذا كان ذلك تجاوزاً لخطوط أحد ما،فهي مشكلته الخاصة التي نشأت عندما وضع خطوطه على رقابنا ويريد خنقنا بها..

* حكم عليك بثلاث سنوات سجن، ما هو أثر ذلك عليك، وهل الاعتقال دفعك إلى إعادة النظر في حساباتك..
- كل دقيقة من حياتنا لها ثمن غالي، وغالي جداً، وسجننا بدون محاكمة عادلة وعلنية هو عدوان صارخ، ومن ثم حرماننا من أبسط حقوق السجين هو عدوان إضافي، وتعبير عن حقد وكراهية ورغبة في الانتقام، وعبثاً طالبنا بتطبيق قانون السجون، حتى جاء من جاء وقال أنا هو القانون.. فالسلطة تحولت إلى خصم شخصي حاقد لكل من يفكر في المعارضة ودجنت القضاء وألحقته بالمؤسسة الأمنية وعطلت حتى قانونها، لكي تمارس وحشيتها وتعسفها وتنفس أحقادها في أخصامها المطالبين بحقوق الوطن والمواطن.
لقد قضيت فترة سجني في زنزانة انفرادية، ومنعت عني الزيارات لأشهر، وبعد سنة حتى سمح لي بالخروج للباحة منفرداً لمدة خمس وأربعين دقيقة كل يوم، وبعد سنتين حتى سمحوا لنا بالراديو.. هذا ظلم متراكم، أكد لي كل ما كنت أنتقده في النظام من استبداد وتعسف وتدخل في عمل القضاء وسيطرة أمنية مطلقة فوق كل قانون. الظلم صعب ورهيب ولا يطيقه أحد. والله قد حرم الظلم على نفسه وقال الظلم ظلمات يوم القيامة.
طبعاً كان للسجن أثر رهيب علي وعلى أسرتي، لكن زوجتي وأهلي وأصدقائي والكثير من المواطنين وقفوا معي وأمدوني وأسرتي بكل الدعم، بالرغم من الضغوط والتهديدات الأمنية.... وهذا دليل إيمان وقناعة بموقفنا، وتأييد واسع من كل فئات الشعب.. لقد وصلت رسالتنا وفهمها الشعب بوضوح.
داخل السجن وبخاصة الانفرادي أعدت حساباتي كلها، كانت فرصة نادرة للتأمل وإعادة التفكير، فقد فكرت في كل شيء، وقد خرجت بنتائج هامة، أهمها أن أحترف النشاط السياسي لمتابعة قضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في وطننا الحبيب، و في السجن وفي مواجهة الظلم والتعسف تعزز إيماني بالله وخرجت مجاهداً في سبيله سبيل الحق والخير والعدل.. وقد نذرت نفسي وكل ما أملك في سبيل الحق غير معتد ولا آثم، ولا حاقد..
وما سيأتي من أيام سيثبت صحة هذا إنشاء الله.

* حركة لجان إحياء المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان كحال قوى المعارضة الأخرى من حيث الترهل وسيطرة الصراعات، في ضوء ذلك كيف تستشرف مستقبل هذه الحركة؟
- سبب الترهل والضعف والعجز ليس ذاتياً، أو كامناً في تكوين هذه المنظمات، بل هو موضوعي خارجي، بسبب القمع المنظم والوحشي المستمر طيلة نصف قرن، لم توفر خلالها السلطات أي جهد ولا أي وسيلة لتدمير مؤسسات المجتمع، أو لتكريس سلطان الخوف كحارس للإذعان.. المشكلة هي دوماً وأولاً القمع، وهو جذر كل المشاكل التي تتفرع عنه وتتغذى منه، فلو وجد مناخ من الحرية لكانت هذه المنظمات في أحسن حال، أما أن نعرضها لكل أشكال الكبت والقمع ونهدد ناشطيها ونعتقلهم لسنين طويلة وبشكل تعسفي، أو نحصي عليهم أنفاسهم، ونقيدهم بالخوف والتهديد، ثم نقول أنهم فاشلون. فهذا إجحاف وتجني، ومع ذلك نقول مطلوب منا المزيد، المزيد من الجهد الذاتي لمقاومة الظرف الموضوعي الرهيب..
أما عن الصراعات فغالبها تفتعله السلطة. وتغذيه، أيضاً يلعب العجز والضعف وقلة العمل دوره في تشكيل بؤرة خصبة لنشوب النزاعات الداخلية والتشرذمات، ولو كانت هذه المنظمات مسموح لها النشاط، لكان العمل المشترك الناجح هو عنصر توحيد وتوسع، كما هي الآن العزلة واليأس عنصر تشرذم وصراع داخلي..
المستقبل لقوى المعارضة بكل تأكيد.. المستقبل القريب سيكون للديمقراطية ولحقوق الإنسان وسيعود الشعب سيداً أعلى وسوف يستعيد سيطرته على الدولة الحديثة، وهذا حتمي وقريب.. وهذه المنظمات على ضعفها قد قامت بدور هام في ظروف في منتهى القسوة، فبدل الالتفات لجلد بعضنا البعض، علينا أن ندرك حجم وصعوبة الظرف الذي وجدنا فيه.. وهذه المنظمات إذا نجحت وكسرت جدار الاحتكار، وهذا ما أرى تباشيره تلوح، فسوف يسمح عملها هذا في نمو قوى سياسية جديدة تماماً تناسب مرحلة وظروف جديدة، وهذا ليس عيباً ولا يقلل من دور المؤسسات القديمة فتلك هي سنة الحياة التغير والتبدل الدائمين، ويجب على هذه المنظمات عدم البحث عن الخلود بل البحث عن آلية التطور والتجدد والتفكك والتوحد لتشكيل تراكيب جديدة، ولا يقلل من أهمية أي حزب لو حل نفسه أو أعاد تشكيله على أيديولوجيا ونظام داخلي مغاير.. فالجمود ليس من صفة الكائنات الحية..

* مع هذا ألا تعتقد أن هذه الحركة فاقدة للمرجعية وفاقدة لآليات العمل الديمقراطي قبل فقدانها للشرعية الرسمية..
- المرجعية اليوم لم تعد ذات أهمية.. مرجعية ماذا.. الديمقراطية لا تضع للشعب قيوداً عليه احترامها، ما تقرره الأغلبية وما يتم التوافق عليه هو المرجعية، فالمرجعية هي إرادة الشعب الحرة، أما إذا كان المقصود هو الشعبية، فلا يوجد إلا عدد قليل جداً، بل نادر من البشر مستعدين لدخول سجن تدمر لمدة 15 سنة مقابل توقيع طلب انتساب لحزب سياسي أو جمعية حقوقية..وبالتالي لا يمكن إدانة حزب بندرة مؤيديه في ظل القمع، فالشعبية الحقيقة لن تظهر قبل زوال القمع وقبل انطلاق حرية التعبير، عندها سوف تظهر المقاييس الحقيقية غير المشوهة، وبشكل عام أظن أن التعاطف مع قوى المعارضة كبير ويشمل أكثر من 9.% من الشعب، وهذا ما يخيف البعث ويجعله على الدوام يرفض أي انتخابات تعددية.
إن إمكانات تطبيق آليات العمل الديمقراطي في ظروف القمع والسرية، أو في محيط ثقافي هائل من الاستبداد والعنف وثقافة الاحتكار الثوري.. قليلة. فطرح المسألة الديمقراطية حديث جداً، ومع ذلك أنا شاهد على أن أول من طرح المسألة الديمقراطية من القوى السياسية ( فيما عدا القوى الليبرالية في الخمسينات والتي سحقت عند الوحدة ) هو الحزب الشيوعي السوري جناح المكتب السياسي، فقد استبدل في نهاية السبعينات كلمة ديمقراطية شعبية بكلمة ديمقراطية، وقال إن الديمقراطية الشعبية كذبة، هناك شكل واحد من أشكال الحكم يسمى ديمقراطي، وله أسس واضحة وثابتة. وسلطة الحزب الواحد هي سلطة مستبدة وليست ديمقراطية، بما فيها سلطة الحزب الشيوعي الروسي، وهذا أحد أسباب نقمة السوفييت عليه ثم تشجيعهم النظام السوري على سحقه، وهو أيضاً سبب صداقته مع قوى اليسار الأوربية.
أي أن فقدان آليات العمل الديمقراطي، هو بسبب غياب ثقافة ديمقراطية وتجارب ديمقراطية وحرية عمل وترخيص شرعي وبناء مؤسسي.. ولما كانت هذه المنظمات تقوم على تضحيات أفراد فيها وهي تضحيات شبه انتحارية، يصعب عندها إقامة حياة مؤسسية داخلية.. وبالتالي يصعب ترسيخ قواعد ديمقراطية فيها، ومع ذلك هذا ليس تبريراً... وعلينا أن نعترف بهذا العيب وبضرورة إدانته وتجاوزه فوراً وفي كل صعيد. أما الحصول على شرعية من السلطة، فيجب أن يسبقه حصول السلطة ذاتها على شرعية من الشعب..
فآخر من يحق له مطالبة الآخرين بالشرعية هو السلطة القائمة التي دمرت كل أسس الشرعية والمشروعية ( أقصد إمكانية تبلور إرادة الشعب الحرة التي يتم التعبير عنها بحرية، والتي تختار نوع نظام الحكم وأعضاء السلطة التي تفوضها ).. ففقدان هذه المنظمات للحياة الديمقراطية ليس تبريراً لاستبداد السلطة، بل إن هذا الاستبداد السلطوي هو سبب تعميم الاستبداد والتخلف على الجميع.

* الصراعات داخل لجان إحياء المجتمع المدني وجمعية حقوق الإنسان.. هل هي فكرية سياسية، أم مصالح شخصية تتحكم بها؟
- لا يمكن وجود سياسيين محترفين بدون حياة سياسية، ولا يمكن بناء حياة سياسية مؤسسية راقية في أجواء القمع والمنع.. وأمراض منظمات المجتمع المدني هي انعكاس لأمراض النظام السياسي. فأجواء الإحباط واليأس وانسداد طرق النشاط، يوقع المنظمة في الركود والترهل مما يسمح للخلافات البسيطة وأحياناً المفتعلة للظهور للسطح..
لا ليست خلافات سياسية.. إنها خلافات تافهة وما كان لها أن تظهر لولا الرغبة في إظهارها، وهذه الرغبة مبنية على أحد أمرين، إما فعل استخباراتي أمني لإثارة النزاعات، أو بسبب الرغبة في الصراع المتولدة عن تراكم الفشل والعجز حيث يكره الإنسان العاجز نفسه والفاشل نفسه، فكيف بالآخرين، ولو استطاعت هذه المنظمات تحقيق ولو بعض الانتصارات لكانت حياتها الداخلية في أحسن حال.
السبب الثاني هو غياب القاعدة الشعبية التي تختار الهيئات، فالكل في موقع قيادي وليس هناك أعضاء.. تتكون المنظمات من قمم بدون قواعد وبدون أجسام.. لذلك هي مريضة أصلاً خاصة وأنها تتكون من مثقفين وليس سياسيين.. مجموعات من المثقفين، بما للمثقف من رغبة في التواصل مع الرأي العام ونشر أفكاره، تتزاحم هذه المجموعات على منابر قليلة جداً، فتنشأ الحساسيات وتتطور الحزازات، وتنشب الصراعات على قضايا هي بكل المعايير تافهة ويجري تضخيمها لإثارة الزوابع، هذا هو الواقع، والسبب هو غياب الحياة السياسية التي تنتج سياسيين وتنتج حياة سياسية حقيقية يتم فيها فرز الجيد عن العاطل..

* من المفارقات الطريفة أن عدوى الخلافات و الصراعات سبغت عمل لجنة التضامن مع المعتقلين رغم تحديد مهام عمل اللجنة بشهر فقط.. هل هذا دليل على مرض عضال مصابة به الحركة الديمقراطية في سورية.
- بأخذ الجواب السابق بعين الاعتبار يبقى أن أوضح مسألة واحدة وهي أنه لم يكن هناك صراع داخل لجنة حملة التضامن مع المعتقلين، بل شاء أحدهم أن يفتعل صراعاً مع زميله لسبب نجهله، وأصر على ذلك طيلة فترة نشاط الحملة وتابعه بعدها، أما اللجنة فهي مستمرة في عملها وبمعظم أعضائها ولا يوجد بينهم صراع، وهم بصدد إطلاق حملة جديدة عنوانها ( سورية بدون تعذيب ).، كنا لجنة مؤقتة ذات هدف محدد حقوقي وليس سياسي. وإقحام خلافات على قضايا بعيدة وخارج نطاق العمل، وغير هامة، هو نوع من التشويش.. في كل الأحوال هناك سلبيات ما كنا لنكتشفها بدون العمل، فالعمل هو الذي يوضح إمكانات وسلوك وانضباط وأخلاقيات الناس ولا يمكن اكتشافهم بدونه.. سوف نتجاوز هكذا مشاكل في المستقبل وقد نتعرض لغيرها، النتيجة النهائية كانت ايجابية ومشجعة، وسوف نتابع. ونصحح أخطاءنا ونرفع سوية معاييرنا، وإذا أراد البعض الانسحاب فلا داعي لتبرير ذلك بخلاف عقائدي أو أخلاقي، ولا حتى صحي، ولا أي مبرر آخر. فنحن نعرف أن الخطر كبير ومن حق كل إنسان أن يختار..
إن الحركة المطالبة بالديمقراطية نشأت في عرين الاستبداد، وهي ليست حركة ديمقراطية، ولا يمكنها أن تكون، قبل نشوء مناخ ديمقراطي، وهذا هام ويجب فهمه تماماً وبشكل محدد وواضح. نحن حتى الآن لسنا ديمقراطيين، نحن نطالب بالديمقراطية من داخل خضم من الاستبداد والعنف والاستئصال والسرية والقمع.. الحركات الديمقراطية لا يمكنها العمل في هكذا ظرف ولا أن تنشأ في هكذا مستنقع.. نحن نعاني من أمراض وسطنا وبيئتنا وثقافتنا، نريد أن نتحول جميعاً، وأن تتحول الدولة ككل نحو الديمقراطية، ونضع تريباً للأوليات يبدأ من كبح جماح سلوك السلطة الوحشي تجاه الشعب، ومنع الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومن ثم إطلاق سراح المعتقلين، ثم السماح بحرية الرأي وإعطاء فرصة لتشكل أحزاب وتبلور الرأي العام، ثم بعد ذلك إجراء انتخابات تمثيلية حرة ونزيهة لإعادة كتابة دستور ديمقراطي.. يتوافق عليه الشعب بحرية ويضمن حقوق الجميع.. ثم انبثاق سلطة تنفيذية تقع تحت رحمة صندوق الاقتراع وفي مناخ من الحريات.. وسلطة قضائية مستقلة ونزيهة وتخضع لمعايير ورقابة داخلية وخارجية. هكذا نتحول جميعاً نحو الديمقراطية، أما أن نقول عن أنفسنا أننا ديمقراطيون فهذا غير دقيق حتى ونحن منغمسين في مقارعة الديكتاتورية، لكن الأصح أن نقول أننا ممن يدعون ويساهمون في طريق التحول الديمقراطي، بينما يعرقل ذلك آخرون.

* ما رأيك بمشاريع الإصلاح الأوربية والأمريكية المطروحة على المنطقة وهل تراهن على دور أوربي أو أمريكي في الإصلاح والتغيير.
- كلها جيدة، ونرحب بها، ومستعدين للتعاون معها، ونحن نريد أن يكون الشعب السوري صديقاً للشعوب في كل العالم و أن يساهم في الحضارة والسلم، لكن بشرط أن تحترم كرامته وحقوقه.. فالآخر ليس عدونا، وليس لنا عدو تاريخي أو دائم، وكل النزاعات يمكن ويجب حلها ضمن خيمة الشرعية الدولية، والعالم أصبح قرية وكل إنسان هو أخ لنا.. نحترمه ونبحث معه عن الصداقة، ومشاكله تهمنا.
و قضية حقوق الإنسان قضية إنسانية أخلاقية عامة، وقضية ضمير ودين وليست مسألة سياسية أو داخلية.. بل هي مسألة أخلاقية عالمية تهم وتعني كل إنسان، مطلق إنسان.. لذلك نرحب بكل جهد دولي مخلص في خدمة هذه القضية..
والمعركة ضد العنف والإرهاب هي معركتنا أيضا ونحن نتحمل مسؤولياتنا فيها ونعترف أن منبع الإرهاب الذي يتبنى الإسلام كشعار له جاء من بيننا ومن منطقتنا.. ولكننا نوضح أن هذا الإرهاب هو نتيجة أربعة عوامل حرصت الدول الكبرى على ترسيخها فترة طويلة من الزمن، وهي: الاستبداد السياسي وأنظمة الحكم المطلقة الإقطاعية، وما يترتب على ذلك من سجون وتعذيب ومظالم وحقد.. التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفقر كنتيجة لفساد السلطات وفشل برامج التنمية الكاذبة والتي لم تكن سوى برامج لتنمية التخلف والفقر. التخلف العقلي والثقافي والتجهيل والتهميش الحضاري، الناجمة عن كبت حرية التفكير والتعبير، وكبح جماح كل تفتح ذهني وتكون عقلي، بفعل سياسات تعليم وتدجين ثقافي قهرية قمعية. تطور ونمو نمط من العقل يقوم بتفسير النصوص الدينية و عناصر الهوية القومية، بشكل منحرف ومتزمت، يشكل هذا العقل الغطاء الفكري النظري للعنف ضد الآخر، وهذا يتطلب تحصيناً للدين والهوية من الانزلاق في هكذا متاهات.. بتنشيط حركة إصلاح ديني وفكري تساهم فيها كل المنابر ووسائل الإعلام في جو من الحوار والتفتح العقلي وضمان الحريات. بكل تأكيد نحن نراهن على دور هام للدول الغربية ( أمريكا وأوربا واليابان ) لكن ليس بمعزل عن دور أهم لقوى الشعب الحقيقية الوطنية الديمقراطية المخلصة.. التغيرات العالمية فرضت تحولات كبرى في العالم وهذا ما سينعكس علينا، ونحن لا نملك منع ذلك بل علينا التعامل معه كأمر واقع، فقوة الخارج و إمكانياته ليست خفية على أحد ولطالما كانت دولنا الصغيرة في مهب ريح السياسات الدولية. ومن يضع نفسه أما عجلة التاريخ ولا يركبها ستطأه وتعبر فوقه، والنبيه من يعرف اتجاه الريح.. ويعيد ترتيب خياراته ليس كما يهوى فقط بل حسب الإمكان أيضاً.

* البعض اعتبر عام 2..4، العام الأسوأ في مجال حقوق الإنسان في سورية ما رأيك بذلك، وهل تتوقع انفراجاً سياسياً قريباً وإغلاق لملف الاعتقال السياسي..
- لن نختلف على تقييم الأعوام فكلها أعوام سيئة ورهيبة، وجرى فيها انتهاكات رهيبة، وكل انتهاك هو شيء رهيب، (عندما تكون ضحية تدرك ذلك ).. نحن ندين سلوك السلطة منذ خمسين عاماً، والأحوال تتراوح لكنها لم تكن في أي يوم جيدة أو مقبولة، دوماً كانت مشينة وفظيعة، وما يجري لا يقبل به عقل ولا ضمير ولا دين ولا أخلاق وكل من يتواطأ بالسكوت عنه، مدان وآثم وشيطان أخرس ومرتشي وفاسد، نحن ضد انتهاك واحد مهما كان لحقوق الإنسان مهما كان مصدره وبحق أي كان وفي أي مكان.. ونراه كبيراً ومقززاً.. فكيف بكل ما يجري في كل دقيقة وكل ساعة. وكل مكان وعلى مرأى ومسمع الجميع.. نعم إنها وصمة عار يجب أن تنتهي..
نعم شهد عام 2..4 كم أكبر من الاعتقالات، وبشكل خاص في صفوف الأكراد والإسلاميين ( وهم بالآلاف )، وكل معتقل عندنا سوف تنتهك حقوقه حتماً ويتعرض لكل أشكال التحطيم الجسدي والمعنوي، ضمن برنامج منهجي يطبق على جميع المعتقلين.. لذلك كان عام 2..4 عاماً سيئاً.
أخيراً أتوقع انفراجاً سياسياً هاماً، يفعل الضغوط الداخلية والخارجية الهائلة التي نتعرض لها كما أن كل طرق التحايل والتهرب من الاستحقاقات لم تعد واردة.
وفي كل الحالات ليس هناك أفق على المدى القريب ولا البعيد لاستمرار الديكتاتورية والشمولية والتعسف والفساد، فالاستبداد بائد لا محالة. ولا مكان في سورية إلا للحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والانتخابات التعددية. ودمشق على موعد مع ربيع آخر:


أردوك قتيلاً
نثروا دمك القاني
فوق حقولك
بأوامر يصدرها الجاني
دفنوك و ظنوا أنك تفنى

فرجعت جميلاً
على شكل شقائق وحواري
تتمايل راقصةً تتغنى

خافوا وجهك أن يصبح قنديلاً
سحلوه
فوق براري
منعوا عن بذرتك الماء
منعوا عنها المطر
وعبق الصبح
أن يهطل
أن يتندى

فسقاك الدمع الجاري
وبقيت روحك
مخصبة تحيى
فصلوا عن عظمك لحما
بأنياب تفترس
تقطع إربا
التهموا الحاضر والماضي
سرقوا
نهبوا
شوهوا ما تبقى

سافرت بعيداً وطويلاً
لكنك... عدت
عدت إلينا
بمنظرك الزاهي
شوقاً عشقاً
عدت إلينا كصوت الناي
يتمايل
أحلى
أطهر أنقى

يا روح ربيع تشقى
يا دمه المسفوح القاني
بالماء
وبالدمع
وبالعرق الجاري
ستحيى
وسترجع
للغوطة والفردوس
والفيحاء
وتلقى
أصحابك أحبابك
سترجع
يا ربيع
مهاما طال الزمن وأبقى
سترجع
يا ربيع
إلى مدينتك
دمشق
أبها
أقوى
أرقى.

قال ديكتاتور رومانيا الشيوعية: لن تحدث إصلاحات في بلادنا حتى يثمر الصفصاف أجاصا.. لكن بعد أيام قليلة انهار النظام، المشهد هو جثمان شاوشيسكو والأجاص والشعب الروماني الفقير المسحوق، وأنا أقف أمام اللوحة متضامناً مع الأجاص الروماني.