يسمّيه اليابانيون "الاستحمام في الطبيعة"، بينما يسميه الألمان "الصيدلية الطبيعية"، ويعتبره الأميركيون "حبة الطبيعة"... وهو ليس أكثر من تعبير عن دور الطبيعة في تبديد التوتر والإرهاق في العمل وضجيج المدن.

إيلاف من برلين: لا حصر لعدد الدراسات التي تدعو الإنسان إلى التمتع بالطبيعة أسبوعيًا بهدف تبديد التوتر والإرهاق الناجمين من صخب الحياة والعمل اليومي، لكن العلماء الأميركيين توصلوا للمرة الأولى الآن إلى تحديد الفترة الكافية للاستحمام في الطبيعة لخفض هرمونات التوتر في جسم الإنسان.

وأجرى الباحثون الأميركيون من جامعة ميشيغان دراسة حول الموضوع تؤكد أن الاستراحة بين أحضان الطبيعة لمدة 20 دقيقة كافية لخفض مستويات هرمون التوتر (الكورتيزول) في الجسم. أطلق الباحثون على هذه الوحدة القياسية من التمتع بالطبيعة اسم "حبة الطبيعة"، وعبّروا عن قناعتهم بها كبديل من حبوب العقاقير المضادة للتوتر والاكتئاب والشعور بالإرهاق.

واقع الحال أن الحكومة اليابانية أدخلت "الاستحمام بالطبيعة" (Shinrin-yoku) في برامجها الصحية العامة، وتستخدمه شركات الإنتاج الكبرى لتبديد توتر العمال وإرهاقهم أسوة بالتمارين الرياضية.&

صارت الجامعات اليابانية تدرّس حصص "الاستحمام في الطبيعة" في مناهجها منذ 2012. إلا أن اليابانيين لم يقيسوا الفترة اللازمة لتبديد التوتر عبر التمتع بالطبيعة، كما إنهم منقسمون حول سبب هذا الارتخاء الطبيعي، وما إذا كان بفعل الهواء أو بفعل الطبيعة الخضراء.

وتوصل الباحث السويدي روجر أولريش في سنة 1984 إلى أن مرضى المستشفيات، بعد إخضاعهم للعمليات الجراحية المختلفة، والذين تكون غرفهم مطلة على الطبيعة الخضراء، يحتاجون مسكنات أقل من المرضى الذي لا يشاهدون الطبيعة من نوافذ غرفهم.

حبة الطبيعة
نشر علماء ميشيغان دراستهم حول دور الطبيعة في تبديد التوتر في مجلة "Frontiers in Psychology"، وذكروا أن 20 دقيقة تكفي لذلك. وصفت الباحثة النفسية – الطبيعية ماري كارول هنتر الطبيعة بأنها حبة دواء لتقليل التوتر. وقالت إن الباحثين لم يعرفوا في السابق الفترة التي يحتاجها الإنسان في الطبيعة كي يبدد توتره، وأن الدراسة التي أجرتها ركزت على ذلك، وعلى العناصر التي تؤدي إلى ذلك.

تكفي فترة تتراوح بين 20 - 30 دقيقة بين أحضان الطبيعية، أو في أجواء تشبه الطبيعة، تكفي لخفض هرمون التوتر في الجسم. فالطب يعرف أن التوتر والإجهاد الدائمين، وارتفاع معدلات الكورتيزول بشكل ثابت، يؤدي إلى الاكتئاب والبدانة وإضعاف نظام المناعة وزيادة مخاطر أمراض القلب والدورة الدموية.

وصفت هنتر لـ36 متطوعًا (33 امرأة و3 رجال) في التجربة "حبة الطبيعة"، ووقع على المتطوعين التجول ثلاث مرات على الأقل في الاسبوع في الطبيعة لفترة 10 دقائق أو أكثر. وحرص فريق العمل على أخذ عينات من لعاب ودماء التطوعين، قبل التجوال وبعده. بحثوا في هذه العينات عن مستويات الكورتيزول، وعن مستويات أنزيم ألفا-أميليز. ويجري عادة فرز الأنزيم الأخير في القناة الهضمية، وترتبط زيادة فرزه بارتفاع مستويات الكورتيزول في الدم.

ولأن مستويات هذا الهرمون وهذا الأنزيم يختلفان في الجسم بين الليل والنهار، وقبل الأكل وبعده، فقد جعل العلماء المتطوعين ينفذون جولاتهم في الطبيعة قبل تناول الطعام، خصوصًا وأن أنزيم ألفا-أميليز يزداد فرزه عند هضم الطعام.

20 دقيقة تكفي
وكتبت هنتر أن فريق الباحثين ترك للمشاركين في التجارب تقرير فترة التجوال في الغابات في وضح النهار، لكن الباحثين منعوهم خلال هذه الفترة من استخدام الأجهزة الإلكترونية (مثل السمارت فون) وقراءة الكتب أو ممارسة رياضة أخرى.

انخفض مستوى الكورتيزول بشكل ظاهر في دماء كل المشاركين في التجربة بعد 20 دقيقة في الطبيعة، سواء عند التجوال أو فقط في الجلوس والتمتع بالطبيعة. وواصل مستوى الكورتيزول انخفاضه في فترات تزيد على 20 دقيقة، ولكن ليس بالقدر الذي انخفض عليه في الدقائق العشرين الأولى من "الاستحمام في الطبيعة".&

كما انخفض في الوقت عينه مستوى أنزيم ألفا-أميليز في لعاب المساهمين في الدراسة، وبمستويات متقاربة عند الذين كانوا يتجولون في الغابة أو يجلسون على جذع شجرة.

وترى هنتر في "حبة الطبيعة" علاجًا طبيعيًا، وغير مكلف، للتوتر والاكتئاب، وبديل مهم من الجلوس في الغرف أمام الشاشات أو تناول العقاقير المهدئة. وعبّرت الباحثة عن أملها بأن يتبنى الأطباء في العالم هذا العلاج الطبيعي، وأن يكتبوه في وصفاتهم للمعانين من التوتر بدلًا من العقاقير.

جدير بالذكر أن العالم النفسي الأميركي المعروف مارك بيرمان توصل في سنة 2015 إلى أن عدد الأشجار في محيط السكن يؤثر كثيرًا في صحة السكان. وتوصل إلى أن الذين يعيشون قرب الأشجار يعانون أقل من أمراض العصر، مثل السكري والقلب وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب والتوتر.


&