الإعلام المأجور "قدام الكل"

مي الياس من تورونتو: "قدام الكل" أغنية مصورة جديدة لفنانة ناشئة تدعى دارين حدشيتي حلت ضيفة على برنامج "طلوا حبابنا" على محطة "أي آر تي أميركا" قبل بضعة أسابيع منضوية تحت جناح إعلامية مخضرمة لطاما ملأت الفضائيات بتناقضاتها ولم تكن هذه الإطلالة الإعلامية أقل تناقضاً من سابقاتها.
إقترحت مقدمة البرنامج زويا صقر، أن نشاهد معاً الأغنية المصورة الجديدة للفنانة الناشئة ولأنني كنت قد استمعت للأغنية على الراديو ولفتت إنتباهي لم أغير المحطة وتابعت الأغنية وليتني لم أفعل: تبدأ الأغنية في سرير الفتاة التي تصحو من النوم على صوت المنبه ... تحيط بها دببة محشوة لإضفاء طابع حداثة السن والبراءة على بطلتنا، لكن سرعان ما تتبخر هذه الصورة البريئة عندما تنزلق الفتاة على عامود حديدي (على طريقة رجال الاطفاء) لتحط وسط غرفة الجلوس.. وقد صمم هذا المشهد خصيصاً لنتعرف على سيقان الفتاة الممشوقة التي لا تستر تنورتها القصيرة الا الجزء الضروي جداً لكي يمر الكليب رقابياً.
تظهر لنا الفتاة بزي مدرسي (Uniform) وتحمل حقيبتها المدرسية الثقيلة على ظهرها .. تقف بكل ادب لتتلقى تعليمات الام التي سنكتشف فيما بعد انها مغفلة.
تخرج الفتاة مسرعة بعد أن تطبع قبلة طفولية على خد أمها ونعتقد أنها ملهوفة "على طلب العلم" .. طبعاً لابد من ان أن تمتطي دراجة هوائية لزوم استعراض سيقانها جيدا مرة اخرى...
تصل الفتاة الى المدرسة لتجد صديقتها "الصدوقة" في انتظارها وبدلاً من دعوتها لدخول المدرسة لكي لا تتأخر عن حصصها .. تصرفها ذراعها بعيداً عن المدرسة بإشارات من يدها ... وسرعان ما ندرك ان صديق بطلتنا الشاب، الذي يبدو وانه يكبرها بعدة سنوات بانتظارها بسيارته المرسيدس الفارهة.. تهرب الفتاة من مدرستها لتقضي نهارها برفقة العشيق الغني والوسيم.
أول فعل تقوم به بعد ركوب السيارة أن تكمل سلسلة المحرمات التي لا تتناسب مع سنها، فتلطخ شفتيها باحمر الشفاه وطبعاً لابد من (كلوس اب على الشفاه) والسيقان ... وبعد المكياج يأتي دور الحقيبة المدرسية فترمي الحقيبة على قارعة الطريق مع إشارة من يدها تعني الإنطلاق والحرية... فلا مكان للعلم في سيارة الغرام.

تقف السيارة على إشارة مرور حمراء والعشيق الوسيم يبدو واثقاً ... يقترب رجل من السيارة ليناول بطلتنا صندوقاً تفتحه لتجد فيه فستانا تفرح وتنطلق الـ (WAW) من فمها فيقترب منها الشاب ليقبض الثمن "قبلة" تطبعها على خد العشيق الـ (Cool).
المشهد التالي: خلوة في غرفة مغلقة تماما بلا نوافذ لزوم الـ (Privacy) شموع مزروعة في كل مكان .. الفتاة تغير ملابسها المدرسية بالفستان، وتجالس الشاب جلسة رومانسية تترك لخيالنا العنان في ان نكمل تفاصيلها فهل يعقل ان الشاب تكبد كل هذا العناء ليلهو بالشموع فقط في آخر المطاف ؟!!!
طبعا الوقت يسرق الفتاة فتتأخر وعندما تعود للمنزل تكون الأم المغفلة بالإنتظار، تواجه الفتاة غضبها بقبلة .
انتهى الكليب وعدنا الى متابعة الحوار .. تخجل الفنانة من ان تعترف أن القصة فعليا تدور في نطاق مدرسي فتدعي انها تقوم بدور طالبة جامعية في الكليب (مع العلم ان طلاب الجامعة لا يرتدون اليونيفورم)، وتتلعثم ولا تكمل القصة.. فتأخذ الإعلامية المخضرمة على عاتقها مسألة (البوليش والتلميع) وتعطي شهادة رائعة في موهبة الفنانة الصاعدة والمستقبل الباهر الذي ينتظرها في الفن، ولا تنكر انها (الاعلامية) اخذت على عاتقها ان تدعمها (للفنانة) وتضيف بأنها في السابق كانت تخجل ان تجاهر بأنها تدعم فلانة على حساب علانة لكنها اليوم لا تخجل من ذكر ذلك، وتتواضع قليلاً عندما تقول بأنها لا تدعي انها تصنع النجم لكنها لا شك تسهم في تلميعه وتقديمه.
هو إقرار إذن صريح وواضح من هذه الصحافية "النجمة" التي لطالما "فلقتنا" بأسطواناتها الشهيرة حول الحقيقة والبطولة والمبادئ الخ ...
ولم تكتف بهذا القدر لكنها كما تلمع لا بدّ وأن تلطخ صورة من لا يركع تحت باب سلطتها الخامسة؛ فشنت هجوماً إنفعالياً على الفنان وائل كفوري ، واستنكرت غناءه في إحدى الحفلات وهو يرتدي بدلة الجيش وشعره طويل، ولمحت الى انه يخنث ذوق الشباب بمظهره ويشوه شكل الرجل العربي.
طبعاً لمن يعرفها لن يستغرب إزدواجيتها ومبادئها الإنتقائية ... هذه "الإعلانية" لأن لفظ إعلامية أكبر من مقاسها بكثير.. لم تستوقفها كل الرسائل المضمنة والتجاوزات اللااخلاقية في كليب نجمتها الصاعدة التي تروج بين المراهقات خداع الأهل، الكذب، الهروب من المدرسة، مرافقة شاب غني ، العناق والقبل، قبول هدايا، والاختلاء بشاب ... واذا صدق حدسي في أنها تحاول أن تكون نسخة ممسوخة من نانسي عجرم من اختيارها لاغنيات مشابهة لاغنيات نانسي وتقليدها لطبقة الصوت واستعارتها لمشاهد مشابهة من "ياي سحر عيونو" فلا بد وان يكون لهذا العمل المصور جزء ثان أسوة بقدوتها ... ولربما ستظهر فيه بدور الطالبة الحامل حملاً غير شرعي على مقاعد الدراسة .... ؟؟؟!!!
الضيفة لم يستوقفها كل ذلك بل اعترفت بأنها تدعمه وتروج له واستوقفها شعر وائل كفوري الطويل؟!!!!
جلست في هذه الحلقة أمام المشاهدين الذين تابعوها وشهدوا انهيار آخر حجر في جدار مصداقيتها المتآكل منذ دهر.
ولم تنته تناقضات هذه الضيفة وفضائحها "الإعلانية" عند هذا الحد لكنها أطلت من خلال المؤسسة اللبنانية للإرسال لتهين الإعلاميين عبر برنامج " لمن يجرؤ فقط" لمجرد انهم قاموا بفضحها وفضح صفقاتها الإعلانية المطبوخة على الطريقة الهوليوودية...
فللأسف فنانو هذا الزمن وإعلاميوه لم يأخذوا سوى القشور من الحضارة الغربية وآليتها الإعلامية، وباتت سياسة الفضائح والطبخات الترويجية المعلبة والصرعات الإعلانية وسيلة لإثارة إنتباه الناس والشهرة بأي ثمن.
ونأمل أن تقف هذه الطبخات عند حدود ادعاء المرض واستعطاف الناس ولا تصل لاساليب جانيت جاكسون الترويجية...
ففي زمن بات الاسفاف شعاره، والوقاحة لا تعرف حدودا، والاعلام مأجورا في خدمة الافكار المنحرفة والهدامة والاغنيات المقرفة التي تملأ الفضائيات لا نستغرب ان تسقط آخر أوراق التوت التي تسترعورة فناني هذا الجيل.

كلمة في سر دارين حدشيتي: صوتك جميل وشكلك جميل واغنيتك جميلة... هل تعتقدين انك كنت بحاجة لكليب محشو بكل هذه الأفكار المؤذية للترويج لك؟ وهل تعتقدين ان هناك قيمة لشهرة تفتقر لاحترام الناس؟
قد تحبك فئة وقد يلتف حولك نفر لكنك حتماً ستخسرين الكثير إذا سلكت هذا الطريق الذي يرسمه لك البعض.
وحذار من التقليد فمن نجح نجح لأنه جاء بشخصية خاصة به إبحثي عن هوية فنية خاصة دون استعارة لأن الأصل دائماً يكسب.

[email protected]