ليلة استحقت ان تكون مسك الختام

ايمن الأعتر ومحمد عبده

رولا نصر من بيروت: ... هي الليلة التي راهن عليها كثيرون والتي جمعت بين فنان العرب محمد عبده والمطرب الشاب أيمن الأعتر في حفل ختام ليالي مهرجان الدوحة الغنائي السادس في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني (يناير) 2004. منهم من كان كان معارضًا، رافضًا فكرة ان يشارك فنان ناشئ الى جانب هرم كبير في الأغنية العربية، وآخرون كانو واثقين بموهبة الأعتر، متاكدين من انه سيكون على القدر الكافي من المسؤولية، ومعتبرين انه يستحق منحه هذه الفرصة الذهبية.
ووصل أيمن في اليوم ذاته الذي وصل فيه فنان العرب محمد عبده على متن الطائرة ذاتها، قادمين من بيروت، بعد ان احيا محمد عبده حفلًا غنائيًا في لبنان لمناسبة عيد الأضحى المبارك. وكنا قد انفردنا بنشر الصور الأولى التي جمعت بين محمد عبده وايمن حيث التقيا في اروقة فندق الشيراتون لإجراء التمرينات الخاصة بالحفل قبيل ساعات من موعده. وكانت الساعة التاسعة والنصف، حين توجه أيمن من غرفته الى استوديو داليا البحيري في حوار سريع قبيل موعد صعوده الى مسرح الدفنة. متوتر، خائف، ويقول "انشالله خير"... خلال الحوار بدا واضحًا أن أيمن تقصد إلقاء النكات بين الحين والآخر علّه يخفف من حدّة توتره، وشكر مرة أخرى إدارة مهرجان الدوحة على منحه هذه الفرصة الكبيرة مشيدًا برهانها على المواهب الجديدة، كما تحدث عن جديده الذي يصدر بعد فترة قريبة، آملًا ان ينال استحسان الجمهور. وانتهى الحوار، ليتوجه أيمن الى الكواليس قبيل لحظات من موعد الحفل.

يداه باردتان كلوح من الثلج، يتمتم الصلاة، ودقات قلبه تتسارع، وكأنه يعيش كابوسًا لا يعرف متى ينتهي... إلى أن تم تقديمه ليصعد الى المسرح، حيث كان عدد من الحضور بانتظاره منهم من أبناء الجالية الليبية المقيمة في قطر، فضلًا عن خليجيين ومن جنسبات أخرى مختلفة. بدأ الحفل بأغنية "وعيوني سهارى" وهي من التراث الليبي (جددها الفنان الشاب جيلاني)، ، تلاها بأغنية "حبيتك تنسيت النوم" للسيدة فيروز، سبق ان غناهما ببراعة في برنامج "سوبر ستار". وقد يكون أيمن قد اختار هاتين الأغنيتين تحديدًا للبداية، كونه يحفظهما بشكل جيد، بدلًا من أن يبدأ بأغنيات صعبة في لحظات التوتر الأولى. لكن أيمن رغم القلق، ورغم الخوف، غنى بشكل جيد وأطرب الحاضرين، بصوته الجميل وإحساسه العالي الذي يدخل القوب دون استئذان، ليفاجئ الكثيرين ممن حضروا، بعضهم لم يكن قد سمعه من قبل.
ومن ثم قدم أيمن أغنية "الموعد الثاني" للراحل الكبير طلال مداح، وهي تعدّ من أجمل وأصعب الأغنيات الخليجية، ومن الأعمال التي تعتبر قمة في الغناء الخليجي. غناها أيمن بإتقان كبير، ليعلو

التصفيق لحظة بعد لحظة... الى ان قدم أغنية "عيون القلب" للمطربة نجاة الصغيرة. أغنية طربية من الطراز الأول، هي بدورها لم تكن صعبة على حنجرة أيمن ولا عن تلاعبه الغريب بالعرب. غنى بإبداع وبإحساس رائع، وبطريقة خاصة جدًا لا تشبه سوى شخصية أيمن الأعتر الذي يثبت يومًا بعد يوم انه فنان موهوب، سيكون له شأنًا مهمًا في ساحة الغناء العربي. تفاعل الجمهور رغم قلّة عدده، كان جميلًا جدًا. وهذا طبيعي، فالكل بانتظار محمد عبده، وكثيرون لم يكونوا قد دخلوا الصالة بعد. الا ان ايمن، ورغم ان الجمهور كان بأغلبه طبعًا بانتظار محمد عبده، استطاع منذ اللحظات الأولى لصعوده على مسرح أن يشدّ انتباههم بالفن الجميل الذي يقدمه، فتفاعلوا معه، وصفقوا له وبدوا سعيدين بغنائه، مشجعين هذا الشاب، مثنين على موهبته، رغم ان جمهور محمد عبده غالبًا ما لا يتجاوب مع أي فنان آخر. وكان أيمن ذكيًا في اختياراته، ظريفًا في تفاعله هو مع الجمهور، حيث كان يقترب منهم، يطلب منهم أن يغنوا معه بعفوية، وعندما لمس

هذا التفاعل الجميل بينه وبين الحاضرين، بدا مرتاحًا اكثر، فراح يبدع ويغني بإحساس ما بعده إحساس، مغمضًا عينيه، ناسيًا او متناسيًا كل ما هو من حوله، ما عدا هذا الجمهور....
وفي الختام غنى أيمن كتحية لشعب ودولة قطر، التي شهدت إنطلاقته كمحترف، أغنية "واقف على بابكم" وهي اغنية للفنان القطري الراحل فرج عبد الكريم" التي تفاعل معها ايضأ الجمهور بشكل رائع وصفقوا له طويلًا. بعد ذلك، اختتم أيمن الحفل بمقطع من اغنية "وعيوني سهارى"، بينما كان من المفترض ان يقدم اغنية "المسافر" للفنانة الرالحة ذكرى، الا ان الفرقة الموسيقية التي قادها المايسترو عماد عاشور، لم تكن تعرفها ولم يكن هناك وقت للتدرب عليها.
ترك ايمن المسرح، والجمهور يصفق، مثبتًا انه كان على القدر الكافي من المسؤولية، وبأنه يستحق فعلًا ان تراهن عليه ادارة مهرجان الدوحة. انتظر في الكواليس ليتسلّم درع التكريم من ادارة المهرجان كما انتظر وصول الفنان محمد عبده ليسلم عليه. وهذا ما حصل بالفعل، حيث جلسا معًا في الكواليس لدقائق معدودة قبيل ان يصعد الفنان القدير محمد عبده الى مسرح الدفنة، ليختتم الدورة الخامسة من "درة المهرجانات" مهرجان الدوحة، الذي يعتبر بحقّ اجمل واروع المهرجانات العربية على الإطلاق. ومن سوى محمد عبده يليق به ان يكون ختام المهرجان، هذا الفنان القدير الذي يعتبر علمًا من اعلام الأغنية العربية وواحدًا من رواد الأغنية الخليجية والسعودية تحديدًا.
وغنى محمد عبده حتى ساعات الفجر الأولى (الرابعة والنصف صباحًا)، مجموعة من اروع اعماله، غلبت عليها اغنيات من أرشيفه القديم، لتنتهي لحظات رائعة عشناها معًا على مدى 6 ليالٍ، كان عنوانها "عودة الى الطرب الأصيل".

[email protected]

www.dohasong.net