عادت الفتاة الأفغانية "فرخندة" التي قتلت بوحشية بغير ذنب الشهر الماضي إلى الواجهة لتشكل نقطة تحوّل تاريخية في افغانستان في مواجهة الجهل والتعصب والعشوائية والفساد والتحامل والتى كانت السبب جميعها في ما حدث لها.


نصر المجالي: بعد مرور أربعين يوماً على عملية قتلها البشعة أمام أحد الأضرحة لتحديها حامي الضريح اقيمت مراسيم تأبين على مسرح اقيم فى احد ضواحى العاصمة الافغانية كابول.

وشارك في الحفل مجموعة من المثقفين والفنانيين الافغان الذين شعروا ان حادثة قتل فرخندة يجب ان لا تمر مرور الكرام بل يجب أن تكون نقطة فاصلة فى تاريخ افغانستان.

وكانت فرخندة (27 عاماً) قتلت يوم 19 مارس (آذار) الماضي، بعد مشادة مع أحد حماة "الضريح" في مسجد شاه دو شمشير الذي يبعد خطوات من القصر الرئاسي والسوق الرئيسية في كابول، حين تحدته ونهرته عن "ممارسة الخرافات".

وما كان من حامي الضريح إلا أن اتهم فرخندة بحرق نسخة من القرآن، الأمر الذي دفع بالعشرات من الرجال المتواجدين في الضريح بضرب فرخندة حتى الموت بالضرب وقامت سيارة بدهس جثتها قبل إلقائها جثتها في نهر قريب، بعد اتهامها زوراً من رجل الدين بأنها أحرقت نسخة من القرآن.

حل المشكلات

ويشار إلى أن الضريح يعتبر موقعا يتجمع فيه الشباب والنساء اللاتي يبحثن بدورهن على حلول قد تساعدهن في حل مشكلاتهن، فالكثيرون يأتون بحثا عن "حماة الضريح"، وهم رجال يبيعون أحجبة وتمائم يزعمون بأنها تساعد في حل المشكلات مثل عدم الانجاب أو قضايا الصحة والأسرة.

وحسب التقارير من كابول، فإن بعض هؤلاء تربطهم روابط أسرية منذ زمن طويل بالضريح الذي يعملون به، لكنهم لا يتمتعون بأي قدر من التعليم الديني ويعتمدون على تجارتهم من أجل المال.

وجاء حفل تأبين فرخندة لإعادة تجسيد حادثة القتل بكل تفاصيلها البشعة ليبعثوا برسالة الى المجتمع الافغانى بأنه لابد وأن يتخلص من مشكلاته وفى مقدمتها الجهل والتعصب و العشوائية والفساد والتحامل والتى كانت السبب جميعها فى ماحدث لفرخندة.

أكثر الجرائم وحشية

واعتبر المشاركون في حفل التأبين أن حادثة مقتل فرخندة من أكثر الجرائم وحشية فى تاريخ أفغانستان على أيدي مجموعة تعتقد أنها تدافع عن الإسلام وأن الدين في خطر داهم.

وخلال حفل التأبين كشفت تفاصيل حادثة القتل كشفت ان "فرخندة كانت برئية تماما وان سبب موتها هو تواطؤ عناصر من الشرطة الصامتة مع حشود غوغائية كان يحركها رجل دين فاسد ومتعصب.

كما كشف أن فرخندة كانت تدرس الشريعة الإسلامية والفقه، وعندما شاهدت فى مسجد شاه دو شمشير أن واحدا من رجال الدين يبيع بعض التمائم إلى الناس بوصفها علاجا للآلام، أو لجلب الحظ، وتغيير حياتهم إلى الأفضل، انتقدت فرخنده الرجل لأنه كان يخدع الناس.

وفجأة ودون سابق إنذار أخبر ذلك الرجل المتعصب أحد خدام المسجد بأن فرخنده أحرقت القرآن، داعيا الجميع الى الدفاع عن دينهم "ولعل هذه الدعوة هى ما تفسر لماذا كانت الحشود تصيح الله اكبر بينما كانت تكيل لها الضربات بالايدى والحجارة".

مهتمة بالإسلام

وفي حديث مع (بي بي سي) قال والدها محمد نادر لبي بي سي إنها كانت مهتمة بالإسلام منذ طفولتها وهي ذهبت لمدرسة دينية لتصبح معلمة للدين في المستقبل.

وقال "كانت تذهب إلى المسجد منذ أن كان عمرها سبع سنوات لتعلم القرآن وحفظته عن ظهر قلب. وكانت تحرص دوما على مساعدة الفقراء لاسيما النساء منهم".
وأضاف: لم تكن فرخندة قد ذهبت إلى الضريح سوى مرة واحدة عندما قررت الأسرة أن تتوقف هناك للصلاة قبل أسبوع من مقتلها.

وأضاف محمد نادر: "شاهدت فرخندة نساء يرتعشن من البرد، فذهبت في المرة التالية وأخذت معها سترة شتوية كي تعطيها لإحدى السيدات هناك، وكان ذلك في يوم الواقعة".

ومن ناحيته، قال شقيق فرخندة، مجيب نادر إن الأسرة لم تعلم شيئا عما وقع عندما ذهبوا إلى قسم شرطة كابول. وأضاف إنه قيل لهم إن فرخندة متهمة بحرق نسخة من القرآن وهي تخضع لتحقيقات.

وأضاف لبي بي سي:"اقترحت الشرطة علينا أن ندعي بأن فرخندة تعاني من مشكلة عقلية تجنبا لخروج الأمر عن نطاق السيطرة. كل ما أراده أبي هو أن يفرج عنها وأن يأخذها معه".

دور الشرطة

وإلى ذلك، فإن التحقيقات الرسمية التي قامت بها لجنة خاصة واستمرت 9 أيام بناء على أوامر من الرئيس الأفغاني أشرف غني نشرت نتائج تحقيقاتها.

وكشفت نتائج التحقيقات أن الشرطة كانت فقدت السيطرة على الوضع ونصحت بضرورة تلقي رجالها تدريبات عاجلة وتحسين طرق الاتصال واتخاذ القرار.

كما أشارت التحقيقات إلى أن المشتبه بهم لم يلق القبض عليهم بسرعة كما ينبغي، الأمر الذي سمح بهروب بعضهم، بينما ألقي القبض على عدد من رجال الشرطة الذين كانوا في مكان واقعة قتل فرخندة.

وقال الجنرال زاهر زاهر، رئيس وحدة التحقيقات الجنائية بوزارة الداخلية، إن 20 من رجال الشرطة أوقفوا عن العمل حاليا وهم قيد الاعتقال لحين صدور تعليمات من النيابة.

اتهامات غير صحيحة

ومن جهتها، قالت لجنة التحقيق إن الاتهامات المنسوبة لفرخندة وأنها أحرقت نسخة من القرآن لا أساس لها من الصحة وأنه لا يمكن أن ترتكب هذه الفعل نظرا لتعليمها الديني العالي ومعرفتها التفصيلية بالقرآن.

ولم تخلص اللجنة إلى تحديد الدافع الرئيسي وراء الهجوم، لكنها قالت إن فرخندة ربما شجعت مرتادي الضريح على عدم شراء الأحجبة، وهو ما أذكى حفيظة "حماة الضريح" ودفعهم إلى تلفيق الاتهامات.

ولم يصل التقرير إلى دليل يشير إلى تورط أي رجل دين في القتل، وقال التقرير :"جميع المشتبه بهم المقبوض عليهم أميون ولا يستطيعون قراءة القرآن".

ويشار إلى أن رولا غني، سيدة أفغانستان الأولى، كانت أعربت عن أملها في أن تكون مأساة فرخندة بمثابة نقطة تحول في تاريخ افغانستان.

وقالت السيدة الأولى في كلمة أمام دبلوماسيين في كابول :"في كثير من البيوت يواجه الناس قبحا ينجم عن العنف ضد المرأة. قالت لي سيدات كثيرات بالفعل إنه عندما يسرن في شوارع كابول يشعرن بثقة أكبر ويبدو أنهن أصبحن يواجهن تحرشا بدرجات أقل".