في ظل التوتر السياسي الناشب بين مصر وتركيا &منذ انتقاد الرئيس التركي لـ"انقلاب" 3 يوليو 2013 ضد مرسي، تقدم 337 نائبًا مصريًا بمشروع قرار للاعتراف رسميًا بـ"جريمة الإبادة الجماعية"، التي وقعت ضد الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية.

إيلاف من القاهرة : بدأ البرلمان المصري أول خطوة تصعيدية ضد تركيا بعد تكرار تجاوزاتها ضد مصر، عبر جمع توقيعات حول مشروع قرار موقع من 337 نائبًا يطرح على البرلمان للاعتراف رسميًا بجريمة الإبادة الجماعية، التي وقعت ضد الأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية، ومناشدة الأمم المتحدة والجهات الدولية الأخرى، باتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة باعتراف المجتمع الدولي بهذه الجريمة، وما ترتب عليها من آثار.

إنكار الابادة
ينص مشروع قرار البرلمان المصري على الآتي: "يعلن مجلس النواب المصري عن إدانته لحرب الإبادة التي ارتكبتها قوات الإمبراطورية العثمانية في الفترة من 1915م&الى 1922م، وهي المذبحة التي أدت إلى مقتل حوالى مليون ونصف مليون من الأرمن الأبرياء".

يضيف: "إن مجلس النواب يدين إصرار تركيا على إنكار الإبادة الجماعية وتدمير التراث الثقافي والديني للأرمن، والسعي المستمر الى التهرب من المسؤولية عن ارتكاب هذه الجرائم في فترة سابقة، كما يناشد المجلس العالم الحر بضرورة الاعتراف بهذه المأساة الإنسانية، ومطالبة الأمم المتحدة بفرض العقوبات الضرورية على الحكومة التركية الحالية لرفضها الاعتراف بهذه المذبحة الجماعية، وتحدي كل القرارات الدولية والإقليمية الصادرة في هذا الشأن".

إدانات سابقة&
كان البرلمان الالماني قد صادق من قبل بالإجماع على مشروع قرار، أدان فيه أنقرة بشأن تورطها تاريخيًا في الجرائم المعروفة بمذابح الأرمن.

&فيما أقر عدد من المؤرخين في أكثر من 20 دولة، من بينها فرنسا وإيطاليا وروسيا، بوقوع جرائم إبادة، في حين ترى تركيا أن الضحايا سقطوا خلال حرب أهلية ترافقت مع مجاعة، وأدت إلى مقتل ما بين 300 ألف إلى 500 ألف أرمني، فضلًا عن عددٍ مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان للسيطرة على الأناضول.

مذابح الأرمن&
وتعرف جريمة إبادة الأرمن أيضًا باسم المحرقة الأرمنية والمذبحة الأرمنية أو الجريمة الكبرى، حيث حدث قتل متعمد ومنهجي لسكان الأرمن من قبل الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسرية.&

ويقدّر الباحثون أعداد ضحايا الأرمن ما بين مليون و1.5 مليون شخص، خلال هذه الفترة قامت الدولة العثمانية بمهاجمة وقتل مجموعات عرقية مسيحية أخرى منها: السريان، والكلدان، والآشوريون، واليونانيون وغيرهم.&

ويرى العديد من الباحثين أن هذه الأحداث تعتبر جزءًا من سياسية الإبادة نفسها التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف المسيحية، ومن المعترف به على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث.

ويشير الباحثون بذلك إلى الطريقة المنهجية المنظمّة التي نفذت من خلال عمليات قتل، كان هدفها القضاء على الأرمن، وتعتبر مذبحة الأرمن ثاني أكبر قضية عن المذابح الجماعية بعد الهولوكست، وكلمة الإبادة الجماعية قد صيغت من أجل وصف هذه الأحداث، وأطلقت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، على الحملة العثمانية، التي قام بها الأتراك ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية بين عامي 1914 و1923، صفة الإبادة الجماعية.

جرائم وحشية &
ويوجد اليوم العديد من المنشآت التذكارية التي تضم بعض رفات ضحايا المذابح، ويعتبر يوم 24 إبريل من كل عام ذكرى مذابح الأرمن، وهو اليوم نفسه الذي يتم فيه تذكر المذابح الآشورية، وفيه تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في إسطنبول، وبعد ذلك طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على السير لمئات الأميال إلى الصحراء وحدود سوريا الحالية، وتم حرمانهم من الغذاء والماء.&

كانت المجازر عشوائية، وتم مقتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على العديد من النساء، وتَعتبر غالبية المؤسسات الأكاديمية أن ما قامت به الدولة العثمانية بحق الأرمن يرتقي الى الإبادة الجماعية، ومن بين هذه المؤسسات الجمعية الدولية لعلماء الإبادة الجماعية، والتي أصدرت في 2007 ثلاثة اعترافات تشمل أيضًا المذابح بحق الآشوريين والمذابح بحق بعض اليونانيين، والتي قامت بها الدولة العثمانية على أنها إبادة جماعية.

تمرير القرار
من جانبه، قال النائب مصطفى بكري الذي تقدم بمشروع القانون: "إنه يتوقع بشكل كبير خروج قرار من مجلس النواب بإدانة مذبحة إبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية، بعدما وافق عليه فعليًاً 337 عضوًا، وقد يصوّت لمصلحته آخرون من باقي النواب الـ 262 الذين لم يوقعوا على مشروع القانون بعد".

مشيرًا إلى أن إدانة البرلمان المصري لهذه المذبحة ستكون على غرار إدانة برلمانات ألمانيا وأوروبا وروسيا ولبنان وغيرها للجريمة التركية في حق شعب الأرمن، مما يخلق موقفًا دوليًا ضد دولة تركيا.

وناشد بكري الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان "اتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة، باعتراف المجتمع الدولي بهذه الجريمة، وما ترتب عليها من آثار قانونية، مما يتيح لشعب الأرمن الحصول على تعويضات مادية ومعنوية وسياسية من دولة تركيا نظير ما فعلته من إبادة جماعية في تلك المذبحة الوحشية".

توقيت مناسب
وأكد مرتضى العربي، عضو مجلس النواب، دعمه لصدور قرار من البرلمان المصري للاعتراف بجريمة إبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية، موضحًا أن "قرار البرلمان المصري ضد تركيا يهدف الى وقف التدخل الدائم من قبل أردوغان في الشؤون الداخلية لمصر منذ ثورة يونيو، فالرئيس التركي دائمًا ما يهاجم مصر، ويسعى الى تشويه صورتها، وهو ما يتطلب من البرلمان المصري التحرك إزاء كل ما تفعله تركيا ضدنا، خاصة وأن هذا هو الوقت المناسب في ظل حالة المعارضة الشديدة الآن ضد حكم أردوغان بعد فشل الانقلاب العسكري".

وأضاف عضو مجلس النواب ﻟ"إيلاف": "أن توقيعات النواب على وثيقة المطالبة للبرلمان المصري بالاعتراف بجريمة إبادة الأرمن مستمرة، وهناك إقبال كبير من النواب عليها، وهو ما يمثل بادرة بالموافقة بالإجماع على قرار الإدانة ضد تركيا".

جريمة إنسانية
من جانبها، أكدت الدكتورة آمنة نصير، عضو مجلس النواب، أن ما فعلته تركيا بحق الأرمن هو جريمة إنسانية يعاقب عليها القانون الدولي، وهو ما يجعل من الأهمية أن يعترف البرلمان المصري بهذه الجريمة؛ لوقف التدخل السافر من قبل النظام التركي ضد مصر والهجوم المستديم ضد القيادة السياسية.

وأضافت نصير ﻟ"إيلاف": "أنه في حال موافقة البرلمان المصري على الاعتراف بجريمة تركيا إزاء الأرمن سيكون له تأثير سياسي دولي كبير على تركيا، ومن المنتظر أن يعيد بعدها النظام التركي تقييم موقفه مع مصر، خاصة أن البرلمان المصري يعتبر الأقدم في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فسيكون لقراره رد فعل قوي عالمي".

ورقة سياسية&
في السياق عينه، قال الدكتور عبد السلام النويري، الخبير السياسي، ﻠ"إيلاف": "إن اعتراف مجلس النواب المصري بجريمة إبادة تركيا للأرمن، هو رد فعل قوي على تجاوزات النظام التركي ضد الدولة المصرية، ومحاولاتها الدائمة للتدخل في شؤون بلادنا، ورسالة إلى رجب طيب أردوغان الرئيس التركي أننا بإمكاننا الضرب بيد من حديد على كل من يحاول التدخل في شؤوننا، وأن النظام المصري لديه من الأوراق السياسية ما يضع أردوغان في مأزق دولي".

مشيدًا بتوقيت مناقشة البرلمان المصري لهذا القرار، في ظل التوترات السياسية في الشارع التركي نتيجة فشل انقلاب الجيش على الرئيس طيب أردوغان.

وأكد الخبير السياسي أنه حال موافقة البرلمان على هذه الجريمة سيكون له تأثير كبير على الموقف التركي في الخارج، وسيؤكد الجرائم التي كانت ترتكبها تركيا تجاه هذا الشعب، وهو ما يضع النظام التركي في مأزق كبير أمام منظمات حقوق الإنسان الدولية.

وطالب الدكتور النويري الدبلوماسية المصرية بضرورة استغلال قرار البرلمان المصري بإدانة جريمة إبادة الأرمن على يد الدولة التركية في حال صدوره جيدًا، بحيث يكون ورقة قوية للضغط على النظام التركي لوقف التجاوزات ضد مصر عقب ثورة 30 يونيو.

وعن تطورات &العلاقات المصرية التركية في حالة إدانة مجلس النواب المذبحة العثمانية ضد الأرمن، قال الدكتور النويري: "إن العلاقات بين البلدين في تراجع كبير، وجميع المؤشرات تؤكد أن نظام أردوغان على عداء كبير مع الرئيس السيسي، وخاصة بعد فشل الانقلاب العسكري الذي قام به بعض أفراد من الجيش التركي، وبالتالي فإن قرار مجلس النواب المنتظر لن يكون سببًا مباشرًا في استمرار توتر العلاقات، بل يتوقع أن يستقبله النظام التركي بالمزيد من الهجوم على مصر والرئيس السيسي".