انطلقت عقب تفجير كنيستي طنطا والأسكندرية مزاعم تفيد بأن "شهر العسل" بين السيسي والأقباط شارف على نهايته، بعد فشل الدولة في توفير الأمن لهم، حتى كذبت&شخصيات مسيحية رفيعة هذه الإدعاءات التي تقف وراءها جماعة الإخوان.

إيلاف من القاهرة: استغلت جماعة الإخوان وأنصارها وغيرهم من السياسيين حادث انفجار كنيستي&مار جرجس في طنطا والمرقسية في الإسكندرية للترويج عبر وسائلهم الإعلامية المنتشرة بانتهاء شهر العسل بين الأقباط والرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد فشل الدولة في توفير حياة آمنة لهم منذ انتخابه رئيسًا للبلاد، حيث شهد عهد حكم السيسي حتى الآن قيام التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها داعش، بارتكاب أربع حوادث "إرهابية" خطيرة، كان آخرها وفاة عشرات الأقباط أثناء تأديتهم الصلاة في الكنيستين.

المزاعم بتوتر العلاقات بين الأقباط والدولة دفعت&شخصيات مسيحية وقيادات الكنيسة إلى الخروج&لتكذيب تلك "الافتراءات"، مؤكدين على حسن العلاقة مع الرئيس، حيث قال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الذي نجا من تفجير الإسكندرية في بيان له: "إن تلك الحوادث الإرهابية لن تؤثر على تلاحم الشعب المصري"، وأن الأقباط كانوا على رأس الفئات التي دعمت النظام الحالي منذ يوليو 2013م".&

والسؤال الذي يشغل بال الكثير من الشارع المصري حاليًا هو "هل بالفعل استطاعت التفجيرات الإرهابية أن توقع بين الأقباط والدولة المصرية، بعدما كانت العلاقة في أزهى قوتها عقب ثورة 30 يونيو وانتخاب السيسي رئيسًا للبلاد؟، وما الموقف في حالة تكرار حوادث الإرهاب ضد الكنائس، وسقوط المزيد من القتلى المسيحيين؟، هل سوف تتخذ الكنيسة موقفًا صادمًا وحازمًا ضد الدولة؟.

الشرارة الأولى
بداية الحوادث الإرهابية ضد مسيحي مصر كانت بتاريخ 16 فبراير 2015، عندما بث تنظيم داعش شريط فيديو يظهر فيه عملية ذبح 21 مصريًا على أحد السواحل، عرفت أنها في ليبيا، وأظهرت الصور معاملة مشينة من قبل عناصر داعش للأسرى، حيث ساقهم واحدًا واحدًا، وأظهرت إحدى الصور تلطيخ مياه البحر بلون الدم.&

وبعد بث الفيديو بساعات قليلة، وجّهت مصر ضربة جوية إلى أهداف تابعة لتنظيم داعش في ليبيا، وفي شهر ديسمبر 2016 قام التنظيم الإرهابي "داعش" بتفجير الكنيسة البطرسية الملاصقة للكاتدرائية المرقسية، تحوّل إثره كل ما فيها إلى أشلاء، مما أسفر عن سقوط 26 قتيلًا وإصابة العشرات، نتج ذلك من قنبلة تم زرعها داخل الكنيسة، وتفجيرها عن بعد أثناء صلاة القداس.

الحادث الإرهابي كان محور غضب عدد من شباب الأقباط، الذين قاموا بالتظاهر أمام الكاتدرائية في العباسية، مرددين هتافات: "طول ما الدم المصري رخيص يسقط يسقط كل رئيس"، "تمثلية تمثيلة والأقباط هما الضحية"، وتطورت هتافاتهم ليقولوا: "دي مش فتنة طائفية إرحل يا وزير الداخلية"، في إشارة منهم إلى التقصير الأمني.

تهجير جماعي من سيناء
كما تزايدت العمليات المسلحة ضد الأقباط في محافظة شمال سيناء من قِبَل تنظيم داعش، ووصل الاستهداف إلى عمليات قتل وذبح &بعض الأقباط، مما دفع العديد من الأسر المسيحية إلى الهروب من الموت، بعد فشل قوات الأمن في توفير الحماية لهم، وحدث نزوح وهجرة جماعية للأقباط صوب محافظة الإسماعلية، واستقبلت كنائس الإسماعيلية 29 أسرة مسيحية تم تهجيرها من بين 100 أسرة تعيش في سيناء.

أما آخر العمليات الإرهابية التي قامت ضد الأقباط، ولعل أفجعها، هما حادثا تفجير كنيستي مار جرجس في مدينة طنطا في محافظة الغربية، وكنيسة المرقسية في محافظة الإسكندرية في اليوم نفسه أثناء إحياء قداس أحد الشعانين، نتيجة انفجار عبوة ناسفة داخل الكنيسة الأولى، وبالخارج في الثانية، حيث كان البابا تواضروس في الكنيسة المرقسية في الإسكندرية قبل الانفجار، وكان التنظيم الإرهابي يهدف إلى قتله تحديدًا.

دعوة إلى الانتقام&
من جانبه، يرى المفكر القبطي والسياسي جمال أسعد أن الحوادث الإرهابية التي حدثت للأقباط عقب ثورة 30 يونيو، هدفها سياسي، حيث &تسعى جماعة الإخوان الإرهابية وأنصارها من تنظيم داعش إلى الانتقام من الكنيسة المصرية لخروجها يوم 30 يونيو، الذي بمقتضاه تم عزل مرسي، وإنهاء حلم الجماعات المتطرفة بتكوين الخلافة الإسلامية في المنطقة.

أشار إلى أن مشاركة الأقباط في مشهد 30 يونيو جاءت استجابة للنداء الوطني الذي&قامت به الكنيسة على مدار تاريخها، وليس كما تردد الجماعات الإرهابية أن المشاركة جاءت إرضاءً للرئيس السيسي.

وقال أسعد: "إن تعدد الحوادث الإرهابية لن يثني الكنيسة المصرية عن الوقوف بجانب الدولة بشكل عام، واستشهاد المزيد من الأقباط لن يكون له تأثير سلبي على شكل العلاقة بين الأقباط والسيسي أو الدولة بشكل عام، فالعلاقة بين الطرفين منذ ثورة 30 يونيو قوية، بل إن الحوادث الإرهابية كانت سببًا في زيادة هذه العلاقة، وهو الأمر الذي يزعج كثيرًا الجماعات الإرهابية التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى زرع الفتنة بين الدولة والأقباط، مما يكون ذلك نواة نحو المزيد من الانقسام بين المسلمين والأقباط، وهو ما تسعى إليه دول وأجهزة مخابراتية خارجية، حيث إن ذلك سيساعدهم على تحقيق أهدافهم في تقسيم مصر والقضاء على حكم الرئيس السيسي، ونحن نؤكد لهم أن الأقباط لن يعطوهم هذا المنال".

علاقات قوية
في السياق نفسه، أكدت النائبة مارجريت عازر، عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، أن "الأقباط جزء من الوطن؛ لذلك هم مطالبون مثل غيرهم من فئات الشعب المختلفة بتحمل مسؤولياتهم لإنقاذ الدولة من الإرهاب الذي يستهدف إسقاطها، مشيرة إلى أن &المسيحيين يدركون جيدًا ما تصبو إليه الجماعات الإرهابية والإخوان عبر استهداف الأقباط، ولهذا لن نعطيهم الفرصة لتحقيق أحلامهم الشاذة".

وقالت عضو مجلس النواب: "إن الأقباط يساندون القيادة السياسية في حربها ضد الإرهاب، والحديث عن وجود خلافات كبيرة بين الطرفين ليس له وجود على أرض الواقع، كما تتعمد ترديده وسائل إعلام الإخوان عقب كل حادث إرهابي تتعرّض له الكنائس".

وطالبت عازر، بـ"ضرورة مواجهة الأفكار الشاذة التي تخرج من التيارات السلفية، والتي تحرّض على الفتنة ضد الأقباط، فقد ثبت كثيرًا أن مرتكب الحوادث الإرهابية ضد الكنائس هو ضحية فتاوى وأفكار مشايخ الدعوة السلفية، وعلى رأسهم الشيخ ياسر برهامي، الذي يصور للشباب أن الجنة في انتظارهم عقب عمليات تفجير أنفسهم".

حالة انقسام
من جانبه، قال جورج حنا سيدهم، الناشط الحقوقي القبطي: "إن المجتمع القبطي الآن في حالة انقسام بشأن حالة الرضا عن الدولة، &فهناك فريق ينتابه غضب شديد من الدولة عقب تكرار حوادث الإرهاب ضد الكنائس، نتيجة الشعور بوجود تراخٍ أمني بشأن تأمين الكنائس، وهذا الغضب ليس وليد العمليات الإرهابية فقط، لأن الدولة لم تفعل شيئًا لحل الكثير من أزمات الأقباط، وعلى رأسها إشعال الحوادث الطائفية ما بين الحين والآخر".

وأشار إلى أنه "رغم حالة الغضب، إلا أن هناك إجماعًا على ضرورة مساندة الرئيس السيسي في الحرب ضد الإرهاب ومواجهة الإخوان، لأن البديل ليس أفضل للجماعة القبطية، فرغم تعدد الجرائم الإرهابية ضد المسيحيين في عهد حكم السيسي، إلا أنه يعتبر الأفضل لهم من حيث حصولهم على عدد كبير من المقاعد في البرلمان، وخروج قانون بناء الكنائس، وحرص الرئيس على حضور أعياد الميلاد، وتولي الأقباط المناصب السياسية في الحكومة".

وطالب الناشط الحقوقي الحكومة بضرورة العمل جيدًا على الحد من حوادث الإرهاب ضد الكنائس، حيث سيصب ذلك نحو تحقيق المزيد من الوفاق بين السلطة والكنيسة، وما دون هذا سيؤدي ذلك في النهاية إلى انفجار الوضع وتراجع الكثير من شباب الأقباط عن دعم السيسي في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
&
&