بينما يستمر الجدل حول إرث المرأة، رفضت غالبية قراء "إيلاف" دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث والزواج.

إيلاف من القاهرة: لا تزال قضية الميراث تثير الجدل بالعالم الإسلامي في العصر الحديث، وحركت دعوة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، المياه الراكدة في هذه القضية من جديد، عندما أعلن في 13 أغسطس الجاري، بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية، أن "الإرث ليس مسألة دينية وإنما يتعلق بالبشر، وأن الله ورسوله تركا المسألة للبشر للتصرف فيها"، داعيًا إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وزواج المسلمة من غير المسلم.

وأشركت "إيلاف" القراء مباشرة في الجدل ضمن الاستفتاء الأسبوعي، وطرحت عليهم السؤال التالي: هل تؤيد المسعى التونسي إلى منح المرأة حقوقاً مساوية للرجل في الإرث والزواج؟ وخيّرتهم بين "نعم" و"لا".

شارك 3416 قارئًا في الاستفتاء، ورفضت الغالبية مقترح الرئيس التونسي، وتقدر بـ 1772 قارئًا، بنسبة 52% من اجمالي المشاركين، بينما أيدت الأقلية وتقدر بـ 1644 قارئًا المقترح، بنسبة 48%.

وحركت دعوة الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، المياه الراكدة من جديد في قضية ميراث المرأة، وقال في خطاب ألقاه بقصر قرطاج بمناسبة العيد الوطني للمرأة في 13 أغسطس الجاري: ''إذا فكرنا في التناصف فذلك لأن الدستور فرضه، لذلك يجب أن نذهب في هذا الاتجاه''، متابعًا: ''ولكن، لا أريد أن يعتقد البعض أنه حين نتجه نحو التناصف فإننا نخالف الدين وهذا غير صحيح''.

وشدد السبسي على ضرورة مراعاة دستور الدولة المدني والدين الإسلامي للتونسيين، وعدم القيام بإصلاحات تصدم مشاعر الشعب التونسي. وقال: ''ولكن، يجب أن نقول إن هناك اتجاهًا للمساواة بينهم في جميع الميادين''.

وتباينت ردود فعل المنظمات النسائية في مصر على دعوة المساواة في الميراث، فبينما التزم المجلس القومي للمرأة، الصمت، مشيرًا إلى "التزامه ببيان الأزهر باعتبار أن الميراث مسألة شرعية لا يمكن الاجتهاد فيها".

الخطاب الديني يجب أن يتطور

وأعلنت رئيسة اتحاد نساء مصر، الدكتورة هدى بدران، تأييدها للدعوة، وقالت إن الخطاب الديني يجب أن يتطور بتطور العصر ويراعي مقتضيات المرحلة الراهنة.

وأضافت لـ"إيلاف" المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث مطلوبة في العصر الراهن، مشيرة إلى أن أغلب الأسر المصرية تعيلها نساء، مما يطلب مراجعة مسألة أن يرث الرجل ضعف المرأة، لأنه المسؤول عن الإنفاق على الأسرة. وقالت إنه من المناصفة في الإرث أصبحت حقًا للنساء، لأن أغلب المصريات يَعُلن أسراً.

وفي المقابل، اعتبرت رباب عبده، نائب رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث، أن دعوة الرئيس التونسي "تتعارض مع صريح نص القرآن الكريم، وبخاصة في سورة النساء (للذكر مثل حظ الأنثيين).

ووصفت مطالبة السبسي بالمساواة، بأنها "مغازلة سياسية للكتلة التصويتية النسائية بتونس والتي يعول عليها الرئيس التونسي في السباق الانتخابي على المقعد الرئاسي في ديسمبر المقبل".

وأضافت لـ"إيلاف": "على الرغم من أن الشأن الداخلي لكل دولة هو أمر مصون لا يجوز المساس به، إلا أن تلك الخصوصية تتراجع حينما تتعارض مع صحيح النص القرآني، وهو الأمر الذي أثار حالة من الجدل بين المدافعين عن حقوق المرأة بمصر، والذين رأوا في هذا الطرح التونسي تعزيزًا لحقوق المرأة وانتصارًا لها وهو ما نتحفظ عليه ونرفضه فتعزيز حقوق المرأة لن يتحقق بمخالفة صحيح الشرع الذي أكد على قيمتها وحقوقها منذ أكثر من 1400 عام، وهنا يجب أن تكون نظرتنا لفكرة النهوض بأوضاع المرأة وتمكينها تمكينًا فعليًا بجميع المجالات لن يتحقق باتباع النموذج التونسي الذي سلك هذا المسلك لغرض سياسي".

وتصدت المؤسسات الدينية في مصر لدعوة السبسي، وقال شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في بيان رسمي، إن "النصوص إذا كانت قطعية الثبوت والدلالة معًا فإنها لا تحتمل الاجتهاد، مثل آيات المواريث الواردة في القرآن الكريم، والنصوص الصريحة المنظمة لبعض أحكام الأسرة؛ فإنها أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة بلا ريب، فلا مجال فيها لإعمال الاجتهاد، وإدراك القطعي والظني يعرفه العلماء، ولا يُقْبَلُ من العامَّةِ أو غير المتخصِّصين مهما كانت ثقافتهم".

"فكرة جامحة"

واعتبر شيخ الأزهر أن دعوة السبسي للمساواة بين الرجل والمرأة "فكرة جامحة"، وقال: "مثل هذه الأحكام لا تَقْبَلُ الخوضَ فيها بفكرةٍ جامحةٍ، أو أطروحةٍ لا تستندُ إلى قواعد عِلم صحيح وتصادم القطعي من القواعد والنصوص، وتستفزُّ الجماهير المسلمة المُستمسِكةِ بدينها، وتفتح الباب لضرب استقرار المجتمعات المسلمة، ومما يجبُ أن يعلمه الجميع أنَّ القطعيَّ شرعًا هو منطقيٌّ عقلًا باتفاقِ العلماءِ والعقلاء".

بينما رفض وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان دعوة زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، وقال: "الدعوات المطالبة بإباحة زواج المسلمة من غير المسلم ليس كما يظن أصحابها في مصلحة المرأة". وأضاف أن هذا الزواج "الغالب فيه فقد المودة والسكن المقصود من الزواج" إذ لا يؤمن غير المسلم بدين المسلمة وبالتالي "لا يعتقد تمكين زوجته من أداء شعائر دينها فتبغضه ولا تستقر الزوجية بينهما".

وتابع: "لذلك يسمح للمسلم بأن يتزوج "بالكتابية" (المسيحية أو اليهودية) ولا يسمح له بالتزوج ممن لا يعترف الإسلام بديانتهن".

كما تصدت دار الإفتاء المصرية لدعوة السبسي، وقالت في بيان صحافي، إن "أحكام المواريث لا تخضع للاجتهاد، ولا مجال لوجهة النظر الشخصية فيها، لأن الذي قدر نصيبَ كل وارث شرعا فيها هو الله سبحانه وتعالى، ونَصَّ على ذلك صراحة في آيات القرآن الكريم".

وأوضحت أن "القول إن الإسلام يورث الرجل على الإطلاق أكثر من الأنثى دعوى لا يُعتد بها، ففي مقابل 4 حالات فقط يرث فيها الرجل ضعف المرأة، نجد في المقابل أكثر من 30 حالة في الميراث تتساوى فيها المرأة مع الرجل أو ترث أكثر منه أو ترث هي ولا يرث هو".

وطالبت بـ"ضرورة عدم إقحام القضايا الدينية في السياسة، وعدم تدخل رجال السياسة في الدين، كما طالبت بعدم تدخل رجال الدين في السياسة، لأن ذلك يضر بالدين والسياسة معًا".