يشعر أكراد سوريا، الذين كانوا رأس حربة المعركة ضد تنظيم داعش، بأن حلفاءهم الغربيين "تخلوا عنهم" مع العملية التركية في عفرين، وينددون بعملية "تطهير إثني"، بينما يقف العالم "متفرجًا".

إيلاف: كتبت جمعية أكراد يتحدرون من عفرين، ويقيمون في أوروبا، في صحيفة "لوموند" الفرنسية أن "صمت المجموعة الدولية يساهم في الخطة المروعة التي دبرها (الرئيس التركي رجب طيب أردوغان). صمت يوازي القبول".

ساندناهم فتركونا
وناشدوا في رسالتهم الأسرة الدولية بالقول: "لا تتخلوا عن حلفائكم"، فيما طردت وحدات حماية الشعب الكردية من معقلها عفرين الأحد من قبل الجيش التركي وفصائل سورية معارضة مدعومة من أنقرة.

وتعتبر وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة "إرهابية"، بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردًا مسلحًا ضد تركيا، حليفة أساسية للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش في سوريا بقيادة واشنطن.

لكن رغم ذلك يقول خالد عيسى، الممثل الرسمي في فرنسا للإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا (روج آفا) إن "المقاتلين الذين حاربوا بشجاعة ضد داعش، هم أنفسهم اليوم متروكون لرحمة الجيش التركي"، منددًا بـ"تطهير إثني، تبقى القوى الكبرى متفرجة عليه".

انتماء المعتدي يحميه
شكلت خسارة عفرين ضربة قوية للأكراد السوريين الذين تعرّضوا للقمع في ظل حكم عائلة الأسد، لكنهم أعلنوا الإدارة الذاتية بحكم الأمر الواقع في مناطق شاسعة إثر النزاع الدائر في سوريا منذ 2011. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن حوالى 250 ألف مدني فرّوا من أعمال العنف في عفرين، وقتل عشرات آخرون، وكذلك حوالى 1500 مقاتل كردي.

لكن "بسبب انتماء المعتدي إلى حلف شمال الأطلسي فإن هذا الانتهاك المتكرر للقانون الدولي لن تتم المعاقبة عليه أبدًا"، بحسب ما قالت المجموعة الكردية في ألمانيا، حيث يقيم حوالى مليون كردي.

وقال ديدييه بييون مساعد مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية إن "عفرين تجسد بالشكل الأكثر وحشية ما نطلق عليها اسم السياسة الواقعية".

علق هذا الخبير الفرنسي في الشؤون التركية قائلًا إن "الغربيين، وخصوصًا الأميركيين، كانوا بالطبع راضين عن رؤية القوات الكردية السورية على الأرض تحارب تنظيم داعش. لكن أنقرة العضو في حلف شمال الأطلسي ستكون على الدوام أكثر أهمية من عفرين".

إحراج بغير مكانه
وتقول دوروثي شميت مسؤولة برنامج تركيا والشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن "عفرين تضع الغربيين في موقف محرج".

وتوضح الباحثة لوكالة فرانس برس أن "الالتزام إلى جانب الأكراد يعني دعم مستقبل سياسي للأكراد في سوريا، وخصوصًا روج آفا، لكن الغربيين لم يحسموا أبدًا هذه المسالة. بالتالي هذا سيعني الغوص مجددًا في النزاع السوري، في وقت يريد فيه كل العالم الخروج منه".

فقد حذرت واشنطن الاثنين أنقرة معبّرة عن "قلقها العميق" بعد السيطرة على عفرين. وعبّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضًا عن "قلقه العميق"، ودعا موسكو، الطرف الأساسي على الساحة السورية، "إلى بذل أقصى جهودها لوقف المعارك والخسائر المدنية".

تهديد يمس أوروبا
لكن ردود الفعل هذه لا ترقى إلى حجم المأساة الدائرة على الحدود التركية-السورية، كما يحذر الأكراد الذين يتهمون أنقرة بالتحالف مع الجهاديين للسيطرة على عفرين.

وحذرت جمعية الأكراد المتحدرين من عفرين من أنه "على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الأمر لا يتعلق فقط بأمن شعبنا، لأن سقوط عفرين يعني خلق بؤرة جهادية جديدة تهدد أمن باريس وبرلين ولندن".

وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أنه يعتزم توسيع نطاق الهجوم التركي إلى مناطق أخرى في شمال سوريا، بينها مدينة منبج الواقعة على بعد مئة كلم شرق عفرين.

أحلام أكثر من طموحات
مثل هذه المبادرة ستنطوي على مخاطر شديدة، لأن مئات العسكريين الأميركيين الذين يدعمون وحدات حماية الشعب الكردية في مواجهة الجهاديين ينتشرون هناك. 

لكن أحد المطلعين على هذا الملف يتساءل: "هل يملك أردوغان الإمكانات العسكرية لتحقيق الطموحات التي يعبّر عنها بشأن سوريا؟، أشك في ذلك".

يخلص ديديه بييون إلى القول "رغم تصريحات أردوغان الحربية، لن تتمكن تركيا من المضي كثيرًا أبعد من ذلك"، مشيرًا إلى أن المسألة الكردية على طول الحدود التركية -السورية "تتطلب سلوك طريق المفاوضات".