الرباط: وضع العاهل المغربي الملك محمد السادس أربعة ثوابت للدبلوماسية المغربية لحل قضية الصحراء. وأكد في خطاب وجهه اليوم للشعب المغربي بمناسبة عيد المسيرة الخضراء الـ 41، أن المغرب ملتزم بالانخراط في الدينامية الجديدة التي أطلقها أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وبالتعاون مع مبعوثه الشخصي للصحراء، هورست كولر، شريطة "احترام المبادئ والمرجعيات الثابتة، التي يرتكز عليها الموقف المغربي"، والتي لخصها العاهل المغربي في أربعة مبادئ هي :

أولا ، لا لأي حل لقضية الصحراء خارج سيادة المغرب الكاملة عليها، ومبادرة الحكم الذاتي، التي يشهد المجتمع الدولي بجديتها ومصداقيتها.

ثانيا، الاستفادة من الدروس التي أبانت عنها التجارب السابقة، بأن المشكل لا يكمن في الوصول إلى حل، وإنما في المسار الذي يؤدي إليه. لذا، يتعين على جميع الأطراف، التي بادرت إلى اختلاق هذا النزاع، أن تتحمل مسؤوليتها كاملة من أجل إيجاد حل نهائي له.

ثالثا ، الالتزام التام بالمرجعيات التي اعتمدها مجلس الأمن، لمعالجة هذا النزاع الإقليمي المفتعل، باعتباره الهيئة الدولية الوحيدة المكلفة رعاية مسار التسوية.

رابعا : الرفض القاطع لأي تجاوز، أو محاولة للمس بالحقوق المشروعة للمغرب، وبمصالحه العليا، ولأي مقترحات متجاوزة، للانحراف بمسار التسوية عن المرجعيات المعتمدة، أو إقحام مواضيع أخرى تتم معالجتها من طرف المؤسسات المختصة.

وشدد العاهل المغربي في خطابه على القول إن "الصحراء كانت دائما مغربية، قبل اختلاق النزاع المفتعل حولها، وستظل مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مهما كلفنا ذلك من تضحيات".

وقال الملك محمد السادس مخاطبًا الأمة المغربية "مند توليت العرش، عاهدت الله، وعاهدتك، على بذل كل الجهود، من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية، وتمكين أبناء الصحراء من ظروف العيش الحر الكريم. وقد كان نهجنا الثابت، هو التكامل والانسجام بين العمل الخارجي، للدفاع عن حقوقنا المشروعة، والجهود التنموية الداخلية، في إطار التضامن والإجماع الوطني".

وأكد العاهل المغربي عزمه على مواصلة العمل من أجل النهوض بتنمية المحافظات الجنوبية للمغرب، وقال: "كما أكدت أكثر من مرة، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي، في انتظار إيجاد الحل المنشود. بل سنواصل عملنا من أجل النهوض بتنمية أقاليمنا الجنوبية، وضمان الحرية والكرامة لأهلها. وفي هذا الإطار، سنواصل تطبيق النموذج التنموي الخاص بهذه الأقاليم، بموازاة تفعيل الجهوية المتقدمة، بما يتيح لساكنة المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم، والمساهمة في تنمية منطقتهم".

واشار العاهل المغربي إلى أن الخطة التنموية للمحافظات الجنوبية " ستجعل من الصحراء المغربية قطباً اقتصادياً مندمجاً، يؤهلها للقيام بدورها، كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكمحور للعلاقات بين دول المنطقة". وأوضح أن النموذج التنموي للمحافظات الصحراوية لا يمكن اختزاله "في الجانب الاقتصادي فقط، وإنما هو مشروع مجتمعي متكامل، يهدف للارتقاء بالإنسان وصيانة كرامته، ويجعله في صلب عملية التنمية. ومن هنا، فإنه يعطي مكانة خاصة للحفاظ على التراث الثقافي والحضاري الصحراوي. فنحن نعرف مكانته في قلوب ووجدان أهل المنطقة".

وأكد الملك محمد السادس حرصه على العناية بالثقافة الحسانية، والتعريف بها، "من خلال توفير البنيات والمرافق الثقافية، وتشجيع المبادرات والتظاهرات الفنية، وتكريم أهل الفن والثقافة والإبداع. وذلك على غرار كل مكونات الهوية المغربية الموحدة. إذ لا فرق عندنا بين التراث والخصوصيات الثقافية واللغوية بكل جهات المغرب، سواء بالصحراء وسوس، أو بالريف والأطلس، أو بالجهة الشرقية".

واشار العاهل المغربي إلى أن "العناية بالموروث الثقافي المحلي، لا تعني أبدًا التشجيع على التعصب أو الانغلاق، ولا يمكن أن تكون دافعًا للتطرف أو الانفصال، وإنما تجسد اعتزازنا بتعدد وتنوع روافد الهوية الوطنية، في ظل المغرب الموحد للجهات. فمسؤوليتنا الجماعية تتمثل في صيانة هذا الرصيد الثقافي والحضاري الوطني، والحفاظ على مقوماته، وتعزيز التواصل والتلاقح بين مكوناته، في انفتاح على القيم والحضارات الكونية، وعلى عالم المعرفة والتواصل".

وربط العاهل المغربي في خطابه بين تخليد ذكرى المسيرة الخضراء التي أبدعها والده الملك الحسن الثاني كوسيلة سلمية لاسترجاع الصحراء وتحريرها من المستعمر الإسباني، وبين الذكرى 60 لخطاب جده السلطان محمد الخامس في منطقة محاميد الغزلان على مشارف الصحراء، حيث استقبل شيوخ القبائل الصحراوية وتلقى بيعتها وعاهدها على العمل من أجل استكمال الوحدة الترابية للمغرب عبر تحرير الصحراء، وذلك في وقت كانت فيه الجزائر ما زالت لم تنل استقلالها.

وأشار العاهل المغربي إلى أن القاسم المشترك بين الحدثين "هو العهد الموصول، الذي يجمع العرش بالشعب، حول وحدة الوطن، وفي مقدمتها الصحراء المغربية".

وقال الملك محمد السادس "إن تخليد ذكرى المسيرة الخضراء، واستحضار خطاب محاميد الغزلان، مناسبة لاستلهام قيم الوطنية الصادقة، والوفاء لمقدسات الأمة، والتضحية في سبيل الوطن. فبفضل هذه القيم، وبفضل التعبئة الوطنية الجماعية، تمكن المغرب من استرجاع أقاليمه الجنوبية، ويواصل المضي قدماً في مسيرات التنمية والبناء".

وأضاف العاهل المغربي "ما أحوجنا اليوم لهذه القيم، وتجسيدها في المدرسة والأسرة والمجتمع، وفي كل المجالات، لرفع التحديات الداخلية والخارجية، التي تواجه بلادنا. ونوّد بهذه المناسبة، أن نعبر عن اعتزازنا بقواتنا المسلحة الملكية، وبالقوات الأمنية، بكل مكوناتها، وعن تقديرنا للجهود والتضحيات التي تبذلها، وعلى تجندها الدائم، تحت قيادتنا، للدفاع عن الوحدة الترابية للوطن، وصيانة أمنه واستقراره. كما نريدها فرصة سانحة لتجديد التزامنا، وتقوية التعبئة الجماعية، من أجل النهوض بالتنمية الشاملة بكل جهات المملكة، وخاصة بأقاليمنا الجنوبية، في ظل مغرب موحد، يضمن لكل أبنائه الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية".