يحقق القضاء التونسي في اتهامات وجهها دفاع سياسيين تعرضا للاغتيال إبّان حكم الإسلاميين، وتفيد الاتهامات المرفقة بأدلة بوجود تنظيم سريّ صلب حركة النهضة، مهمته التجسس واتلاف الوثائق التي تدين الجهة المشرفة على الاغتيالات.

مجدي الورفلي من تونس: طفا ملفّ الإغتيالات السياسية في تونس بعد ثورة 14 يناير 2011 وعلاقة حركة النهضة الإسلامية بها من جديد بعد ان كشفت هيئة الدفاع عن السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي اللذين تم إغتيالهما خلال حكم حركة النهضة بين سنتي 2011 و2013 عن وثائق ومعطيات تفيد بأن جهازا سريّا وخاصا صلب حركة النهضة، متورّط في الإغتيالين وهو ما دفع النيابة العامة في تونس الى فتح تحقيق بخصوص تلك المعطيات.

هيئة الدفاع عن السياسيين المغتالين خلال حكم حركة النهضة قدّمت للرأي العام ملفّا بعنوان "التنظيم الخاص لحركة النهضة بعد الثورة وعلاقته بالإغتيالات السياسية" تضمّن وثائق تفيد بأن تنظيما خاصّا صلب الحركة عمل خلال تلك الفترة على رصد ومتابعة معارضيها وقام بالتغطية على منفّذي الإغتيالات من خلال إخفاء ملفات قضائية ووثائق متعلّقة بقضية اغتيال بلعيد والبراهمي.

رئيس التنظيم على إتصال بالقيادات

وفق ما أفاد به عضو هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي المحامي نزار السنوسي لـ"إيلاف"، فإنّ المشرف على التنظيم الخاصّ والسرّي لحركة النهضة، ويُدعى مصطفى خذر ومسجون حاليا لمدة 8 سنوات بتهمة التلاعب بالوثائق، كان على إتصال مباشر بقيادات الصفّ الأول في النهضة بداية من رئيسها راشد الغنوشي ورئيس كتلتها النيابية بالرلمان حاليا ووزير العدل السابق نور الدين البحيري ورئيس الحكومة ووزير الداخلية السابق علي العريّض.

تمثّلت مهمّة المشرف على التنظيم السرّي لحركة النهضة، وفق السنوسي، أساسا في جمع معطيات ومعلومات عن معارضي النهضة وطمس كل الادلة التي تؤدّي للكشف عن منفّذي عملية إغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي والجهة التي تقف وراء الإغتيالين من خلال إخفاء وثائق وملفّات متعلّقة بالقضيّة تم حجزها لديه، ومن ثمّ وقع إخفاؤها من جديد في غرفة مغلقة في وزارة الداخليّة ولم يقع تسليمها للقضاء الى اليوم، وفق تأكيده.

يذكر أنه تم اغتيال الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد والمعارض لحركة النهضة شكري بلعيد أمام منزله في ضواحي العاصمة تونس يوم 6 فبراير 2013 بإطلاق النار عليه، وهي نفس الطريقة التي تم بها إغتيال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي، المعارض كذلك للإسلاميين، محمد البراهمي يوم 25 يوليو 2013.

النهضة تنفي

حركة النهضة الإسلامية ردّت على الإتهامات التي وجهتها لها هيئة الدفاع عن بلعيد والجبهة الشعبيّة، وهي إئتلاف معارض بين أحزاب يسارية وقومية كان ينتمي لها السياسيان اللذان وقع إغتيالهما، بالنفي قطعيّا لوجود أيّ جهاز سرّي صلبها وأي نشاط لها خارج إطار القانون المنظم للأحزاب وإعتبرت ان "الجبهة الشعبية" (معارضة) تستثمر في الإغتيالات السياسية للتغطية على فشلها وعجزها عن تقديم برامج جدية للتونسييّن.

القيادي في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي أكد في تصريح لـ"إيلاف" انه أشرف على الهيكلة والتنظيم صلب النهضة بعد ثورة يناير 2011 ولم يقع قطّ تشكيل اي جهاز او تنظيم سري خارج ما هو مُعلن ومطابق لقانون الاحزاب في تونس.

واعتبر ان ما صنّفته "الجبهة الشعبية" توريطا للنهضة في الإغتيالات، توظيف لملفّ بتّ فيه القضاء خلال حكم النهضة من خلال محاكمة وسجن مصطفى خذر الذي تقول الجبهة انه كان المشرف على التنظيم الخاصّ للنهضة.

وأضاف الجلاصي: "ليس لنا اي تنظيم سرّي ومن يتّهمنا فليتوجّه للقضاء... في كل الحالات نحن تعوّدنا مثل تلك الإتهامات بالوقوف وراء الإغتيالات وحتى المطالبة بحلّ حركتنا بتعلّة انها حزب غير مدني، لكن حزب النهضة سيتغاضى عنها وسيواصل تركيزه على البناء وإستكمال بناء المؤسسات الدستورية خلال بداية السنة السياسية خلافا لأحزاب الجبهة الشعبية التي لا عمل لها سوى تشويه النهضة وتحميلها مسؤولية إغتيالين هي أكثر من تضرّر منهما".

يُذكر ان حركة النهضة تخلّت عن الحكم عقب أزمة سياسية عصفت بالبلاد بسبب الإغتيال السياسي الثاني في 25 يوليو 2013، وتم تحميلها المسؤولية السياسية من طرف أغلب الأحزاب في تونس خاصة ان تحذيرات من الإغتيال وردت على وزارة الداخلية ولكن لم تقم حكومة النهضة آنذاك بتوفير الحماية للسياسي القومي محمّد البراهمي.

فتح تحقيق في الإتهامات والتهديد بالقتل

بالتوازي مع نفي حركة النهضة قطعيّا لتواجد تنظيم سرّي صلبها او إنتماء المشرف عليه لها، أعلنت النيابة العامة في تونس عن فتح تحقيق في الاتهامات التي وجهتها هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي بخصوص التنظيم السري وروابط مصطفى خذر المسجون حاليّا بحركة النهضة وعلاقتها بسرقة ملفات متعلقة بقضية اغتيالهما وإخفائها.

أعلنت النيابة العامة بالقطب القضائي لمكافحة الارهاب أنها فتحت تحقيقا في تهديد بالقتل تلقاه زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي إثر كشف المعطيات الجديدة في ملفّ الإغتيالات السياسية وإتهام حركة النهضة بالتورط فيها، وقد تم القبض على الشخص المشتبه به في تهديد قيادي بالجبهة الشعبية بالتصفية الجسديّة.

مساءلة وزيري الدفاع والداخلية

من جهة أخرى، تعمل الكتلة النيابية لائتلاف الجبهة الشعبية بالبرلمان (15 نائبا) على إعداد عريضة لطلب حضور وزير الدفاع ووزير الداخلية للبرلمان لمساءلتهما بخصوص المعطيات التي تم الكشف عنها.

يؤكد النائب عن الجبهة الشعبية عمّار عمروسية لـ"إيلاف" انه تم جمع أكثر من 80 توقيعا وسيقع بداية الأسبوع المقبل إيداع طلب مساءلة الوزيرين بصفة رسمية في مكتب البرلمان.

يُذكر ان وزارة الداخلية نفت قطعيّا على لسان ناطقها الرسمي تواجد اي غرفة مغلقة في مقرها في قلب الشارع الرئيسي في العاصمة تونس، وأكدت انها لا تحوز اي ملفات سرية في علاقة بالإغتيالات السياسية.
&
مطالبة بالكشف عن الحقيقة

إثر المعطيات التي كشفتها هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، طالب عدد من الاحزاب السياسية بضرورة الكشف عن صحة تلك المعطيات من عدمها خاصة ان حركة النهضة من الأحزاب الرئيسية في البلاد.

فقد طالب حزب "آفاق تونس" في بيان صدر عنه الخميس وإطلعت عليه "إيلاف" بالتعاطي مع تلك المعطيات بأسرع وقت ممكن وبكل استقلالية عن الأطراف السياسية وخاصة المشتبه في تورّطها في القضية.

واستغرب حزب "آفاق تونس" ما أسماه بـ"صمت الحكومة" إزاء ما قدّمته هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد من معطيات ووصفها بـ"الخطيرة"، مما أسفر عن فسح المجال امام التجاذب السياسي في علاقة بملفّ خطير ويمسّ مباشرة بالأمن القومي واستقرار الدولة ونظامها الجمهوري، ودعا الحكومة الى الكشف عن حقيقة الجهاز السري صلب النهضة.

تجدر الإشارة الى ان تونس تعيش حاليّا أزمة سياسية خانقة بسبب مطالبة كل الأحزاب السياسية تقريبا ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، برحيل حكومة يوسف الشاهد، في مقابل مساندة حركة النهضة لبقائها والإكتفاء بتعديل حكومي.