كشف المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن ارتفاع ملحوظ في نسبة وطبيعة تعاطي المخدرات في محافظة صلاح الدين في غرب البلاد مقابل إجراءات حكومية لا ترقى إلى معالجة هذه الظاهرة ومنع إنتشارها.

إيلاف: أشار المرصد إلى أن الأحداث التي شهدتها محافظة صلاح الدين وعاصمتها تكريت (125 كم شمال غرب بغداد) في منتصف عام 2014 عندما سيطر تنظيم داعش عليها تسببت في تفاقم الأزمة، واسهمت في توسيع انتشار الإتجار وتعاطي المخدرات، خاصة لدى فئة الشباب.

قالت شبكة الرصد إن "المؤسسات الحكومية في المحافظة تفتقر إلى الآليات المناسبة لمواجهة ظاهرة التعاطي والإتجار بالمخدرات، التي أخذت تسير نحو الازدياد أمام تجاهل الحكومة الإتحادية".

مروّجو المخدرات في حماية جهات متنفذة
أوضح المرصد في تقرير نشره على موقعه الالكتروني الأحد، وتابعته "إيلاف"، "يبدو أن الجهات المروّجة للمخدرات تحظى بدعم وحماية جهات متنفذة، وأنها تعمل بحرية كبيرة"، لكنه لم يكشف بالتحديد من هي هذه الجهات.

وقالت سحر النعيمي، وهي رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة صلاح الدين، إن "هناك دعوات إلى تشكيل لجنة تضم جهات حكومية عدة تعمل بإشراف ودعم المجلس، تسعى إلى الحدّ والقضاء على ظاهرة الإتجار وتعاطي المخدرات، إلا أن هذه اللجنة لم تحظَ بالتبني الحقيقي من مختلف الجهات القادرة على مواجهة الأزمة". وأشارت إلى عدم وجود أرقام حقيقية للمتعاطين في المحافظة، ولا حتى في عموم العراق، وهذا ما يؤخّر عمليات رصد تلك الظاهرة التي تعمل في الظلام".

تعتقد النعيمي أن "ضعف الرقابة الصحية على المذاخر والصيدليات أسهم في زيادة انتشار تناول الأدوية والعلاجات المخدرة، وأن جماعات نافذة تمتلك سلطة كبيرة تعمل على حماية ودعم تجارة المخدرات في المحافظة بمختلف أنواعها".

أضافت أن "مدير شرطة إحدى الأقضية في المحافظة قدم استقالته من منصبه بعد ضبطه عصابة تعمل على الإتجار بالمخدرات، لكن تبيّن في ما بعد أن جهات نافذة تقف خلفها، مما دفعه إلى الإستقالة، لعدم إستطاعته فعل أي شيء".

من جانبه، قال ضابط مسؤول في وحدة تجارة المخدرات في محافظة صلاح الدين للمرصد، مفضلًا عدم ذكر اسمه، إن "معظم المتعاطين للمواد المخدرة يتناولون مادة (الكرستال) التي تشبه إلى حد كبير مادة (ملح الليمون) التي تستخدم في التوابل". وبيّن أن "نسبة ضئيلة تعتمد على تناول الحبوب والأدوية المخدرة، التي تصنع نشوة قريبة من تلك التي تقوم بها المخدرات، وهذا ما يعقد القضية، لأن الكثير من المتعاطين لديهم مبررات لإستخدامها كعلاجات للأمراض".
&
وأكد الضابط "عدم وجود أرقام عن أعداد المتعاطين للمواد المخدرة في المحافظة، إلا أن هناك مدنًا وأقضية تزداد فيها نسبة المتعاطين".. لكنه أوضح أن "قضاء (الطوز) يتصدر قائمة الترتيب، حيث تزداد نسبة تعاطي مادة (الكريستال)، تليه مدينة سامراء، حيث يعتمد المتناولون على الأدوية المخدرة في هذين القضاءين، فيما يتذيل قضاء الشرقاط سلسلة الأقضية التي تضم متعاطين للمخدرات".

قال أيضًا إن "هناك جهات متنفذة تدعم وتحمي الإتجار بالمواد المخدرة على مختلف أنواعها، مما يجعل عملية التعامل مع هذه الظاهرة أمرًا بالغ الصعوبة، وهذا ما ساهم في انتشار الإتجار والتعاطي على مساحة شاسعة من المحافظة".

صيدليات تبيع أدوية مخدرة
وأشار الضابط المتخصص في مجال مكافحة المخدرات إلى "وجود نسبة كبيرة من الصيدليات ومذاخر الأدوية تعمل على بيع الأدوية المخدرة للمتعاطين، لقاء أموال مضاعفة لأسعارها الحقيقية، مما ساعد على انتشار الأدوية المخدرة واستخدامها كمواد تعاطي بدلًا من المخدرات".. معللًا ذلك بأن معظم العاملين في مجال البيع والإتجار داخل الصيدليات هم من غير المتخصصين.

وشدد على ضرورة فرض وزارة الصحة تعليمات صارمة تدعو إلى ضرورة أن يكون جميع العاملين في المذاخر والصيدليات من المتخصصين، وأن لا يتم صرف أي دواء ما لم تكن هناك وصفة طبية ترسل من قبل أحد الأطباء، وليس الاعتماد على قصاصات ورقية أو الاستجابة لرغبة المشترين".

شكا الضابط من "عدم وجود مختبرات خاصة لكشف المخدرات، مما يضطرنا لإرسالها إلى مختبر في العاصمة بغداد، وهذا ما يؤخر موعد الكشف عنها، إضافة إلى تعرّض النتائج إلى تلاعب بسبب تأخر المدة الزمنية لها".
&
قوانين لم تحد من انتشار المخدرات
وكشف المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن وجود 23 متهمًا بجرائم التعاطي والإتجار أو الترويج للمخدرات في محافظة صلاح الدين، تم إصدار أحكام قضائية بحقهم، فيما تمت إحالتهم على دور الإصلاح المختصة.

وقال إن "قانون مكافحة المخدرات رقم (68) لسنة 1965 الذي كان نافذا قبل العام 2003 اضافة الى القانون الجديد وهو قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 حظرا الإتجار وتعاطي المواد المخدرة أو تصنيعها أو إنتاجها بأي شكل من الأشكال".

تحذير
وأوضح المرصد العراقي لحقوق الإنسان أن "الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية المشكلة بموجب القانون لم تقم بالدور المطلوب منها حتى الآن، على الرغم من الصلاحيات الواسعة التي منحت لها".

وحذر من أن "خطر المخدرات يداهم المجتمع العراقي، وبات يضرب فئة الشباب بشكل كبير، وما موجود من إجراءات حكومية لا يرتقي وحجم الكارثة، التي من الممكن أن تكبر وتتسع رقعتها الجغرافية والإستهلاكية خلال السنوات المقبلة".

وكان رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي سابقًا حاكم الزاملي قد عزا عمليات التهريب وانتشار المخدرات إلى "سطوة المليشيات" والأحزاب المتنفذة على المنافذ الحدودية، داعيًا إلى القيام بـ"حملة عسكرية حقيقية لبسط هيبة الدولة" على جميع المنافذ.

يذكر أن تجارة المخدرات راجت في العراق بعد أحداث عام 2003 جراء التراخي الأمني الذي ساد في تلك الفترة، وفي عام 2017 بعد انشغال الدولة بمواجهة تنظيم داعش والإرهاب أصبحت المخدرات مصدر تمويل لكثير من الشخصيات السياسية والحزبية لما تدرّه من أموال ضخمة. &
&
وكان يتم تصنيف العراق من الدول النظيفة في مجال تعاطي المخدرات حتى الغزو الأميركي عام 2003، لكنّ تقريرًا لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات قد أكد أخيرًا تحوّل العراق إلى محطة ترانزيت لتهريب المخدرات من إيران وأفغانستان نحو دول الخليج العربي، محذرًا من وجود مؤشرات إلى تحوّله تدريجيًا إلى بلد مستهلك، في حال عدم التصدي لانتشار تجارة المخدرات وتعاطيها في البلاد.
&