يتفشى الفساد في الجيش العراقي بشكل واسع النطاق، ما قد يفرغ أي جهد للتسليح والتدريب من معناه، ويفسد المعركة ضد إرهاب داعش.


إعداد عبد الاله مجيد: يُعرف قائد عسكري في الجيش العراقي بلقب "ابو الدجاج"، لأنه يبيع جنوده لحوم الدواجن من تموينات الجيش، وآخر يُعرف بلقب "ابو العرق" بسبب عادته في احتساء الخمرة اثناء الواجب، وثالثٌ يُطلق عليه لقب "ابو الدفتر"، في إشارة إلى العملات الورقية العراقية من فئة 10 آلاف دينار لصيته السيئ في بيع رتبة ضابط إلى الجندي مقابل رشوة.

الفساد نخر القوات المسلحة

يقول ضباط ونواب عراقيون ومسؤولون اميركيون إن هؤلاء ليسوا إلا أمثلة قليلة على الفساد المتفشي في القوات المسلحة العراقية، بل إن القيادات العسكرية والأمنية الفاسدة نخرت القوات المسلحة العراقي ونهبتها حتى انهارت أمام مئات من مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في مناطق متعددة من العراق، لا سيما الموصل في حزيران (يونيو) الماضي، ثم تكريت.

وأنفقت الولايات المتحدة نحو 25 مليار دولار خلال 10 سنوات على تدريب وتسليح هذه القوات، إلى ما أُنفق عليها من خزينة الدولة العراقية وأموال الشعب العراقي، وهو أكثر بكثير.

واليوم، يهدد الفساد والمحسوبية في صفوف القوات المسلحة العراقية بتقويض المجهود الذي يبذله التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة داعش، في وقت قررت ادارة اوباما مضاعفة عدد العسكريين الاميركيين في العراق إلى 3000 جندي.

إلى داعش

طلبت وزارة الدفاع من الكونغرس أن يوافق على رصد 1,3 مليار دولار في ميزانيتها للعام 2015 لتسليح القوات العراقية، و24,1 مليون دولار لتسليح العشائر السنية، مؤكدة أن تسليح العشائر سيكون عن طريق الجيش العراقي.

لكن بعض الأسلحة التي وصلت إلى الجيش العراقي أخيرًا آلت بيعًا في السوق السوداء، أو غنيمة في أيدي داعش، كما اكد ضباط عراقيون. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن العقيد شعبان العبيدي، الضابط لبسني في القوات الأمنية العراقية والزعيم العشائري في الانبار: "قلتُ للاميركيين لا تعطوا سلاحًا عن طريق الجيش، ولا حتى قطعة واحدة، لأن الفساد متفشٍ في كل مفصل، ولن تروا أيًا منها".

"خمسين بخمسين"

ويقول ضباط ونواب عراقيون، بعضهم طلب عدم كشف اسمائهم، إن رواتب تُدفع في الجيش والشرطة "لمنتسبين اشباح لا وجود لهم"، اما اسماؤهم فزورها الآمر ليتقاسم رواتبها مع محاسيب لا يحضرون للدوام.

ويشكو الجنود العراقيون من تزويدهم بامدادات وأعتدة غير كافية، وبأسلحة رخيصة لأن قادتهم قبضوا رشاوى لدى التعاقد عليها أو سرقوا المعدات والامدادات. وقال العقيد العبيدي: "المفترض أن يحصل كل جندي على 100 طلقة لكنه لا يحصل إلا على 50، فيما يأخذ الضابط الخمسين الأخرى ويبيعها".

إزاء هذا الوضع، ينظر شيوخ العشائر والقادة المحليون في المناطق السنية بعدم ثقة عميق إلى الجيش الذي عملت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي طيلة سنوات على لغمه بالمحاسيب والمرتشين والفاسدين، وزرعه بالأتباع من دون اعتبار للكفاءة والمعايير المهنية أو الوطنية.

وجود المستشارين

لهذا السبب، طالب القادة السنة بتسليح ابناء العشائر الذين يقاتلون داعش ودفع رواتبهم بصورة مباشرة وليس عن طريق الجيش مشيرين إلى أن هذا ما كانت الولايات المتحدة تفعله مع مجالس الصحوة التي قصم مقاتلوها ظهر تنظيم القاعدة قبل سبع سنوات.

ويقول مسؤولون اميركيون إن العمل مع العشائر ومعالجة مشكلة الفساد في الجيش يقعان خارج نطاق مهمة المستشارين العسكريين الاميركيين الذي أُرسلوا إلى العراق. وأوضح مسؤول اميركي لصحيفة نيويورك تايمز: "الحد من الفساد ليس جزءًا من دور المستشارين، وليس هناك سبب للاعتقاد بأن وجودهم سيحد من هذا الفساد".

وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي أقال، أو احال على التقاعد، 36 ضابطًا كبيرًا بعدما أزكمت رائحة الفضائح والفساد في الجيش الانوف.

ولتشديد الرقابة والمحاسبة على السلاح، يشترط العبادي على كل مقاتل من ابناء العشائر التوقيع مقابل رقم التسلسل عن كل سلاح جديد، بحسب المتحدث باسم المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء رافد جبوري. لكن المشكلة أن ضباطًا من الجيش العراقي نفسه المنخور بالفساد هم الذي سينفذون هذه الاجراءات.

الارهاب الحقيقي

في هذا الشأن، قال حامد المطلك، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عن تحالف القوى الوطنية السنيك: "الفساد في الجيش هو الارهاب الحقيقي بل هو حتى أشد خطورة". ويدرك السياسيون العراقيون أن الفساد لا يقتصر على حفنة من كبار الضباط. وقال عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عن كتلة الفضيلة الشيعية عمار طعمة: "قلة فقط من كبار الضباط لا يطالهم الفساد".

ولاحظ عضو لجنة النزاهة النيابية عن كتلة "متحدون" السنية أن بيع رتبة ضابط وابتزاز المدنيين وشفط مال الدولة بتسجيل اسماء وهمية على قوائم صرف الرواتب كلها "ظاهرة مستمرة". ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الزوبعي قوله: "هؤلاء يجب أن يُعدموا فهم دمروا العراق، اما المستشارون العسكريون الاميركيون فمهمتهم لن تتكلل بالنجاح مع قادة عسكريين كاذبين".

وقال العقيد جويل رايبرن، الذي عمل مع الجيش العراقي ويعمل الآن مدرسًا في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن: "المالكي وحلفاؤه مع تزايد سيطرتهم على القوات المسلحة العراقية حلبوا ما كان يُنفق عليها من مال، وهناك ثمن محدد يدفعه من يريد أن يتولى منصبًا معينًا أو إدخال ابنه في الأكاديمية العسكرية".

ويقول نواب عراقيون بأسف إن الواسطات والعلاقات توفر حماية للمرتشي والفاسد ضد العقاب والمحاسبة. وأكد طعمة، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، أن من يريد أن يعاقب الضابط الذي سرق مثلا سيجد انه يتمتع بحماية سياسية داخل الحكومة "ولا يمكن عمل أي شيء للقبض عليه".

واضاف: "إن لهذا تأثيرًا على المعنويات عندما يرى الجندي قائده يختلس المال فيما يواجه هو كل المخاطر ضد داعش واحيانًا يقاتل طيلة أشهر بلا اسناد".