نفذ تنظيم "داعش" الإرهابي جريمة جديدة في حق العراق، اهتز لها العالم. وهذه المرة لم يذبح الارهابيون ولم يحرقوا بشراً، بل انهالوا بمعاولهم على آثار العراق العريقة ليحولوها ركامًا تذروه الرياح.


إسماعيل دبارة: لم يكتفِ تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) بالاعتداء على البشر، نحرًا وحرقًا وصلبًا وجلدًا ورجمًا ورميًا من شاهق، بل امتدت سلسلة اعتداءاته لتطال الجماد أيضًا.

وهذه المرة، دمر "الدواعش" في شمال العراق مجموعة لا تقدر بثمن من التماثيل والمنحوتات من العصر الآشوري القديم، فيما وصف بأنه ضرر لا يمكن حصره بجزء من التراث الإنساني.

ويبدو أنّ قرار الهدم الذي اتخذ حديثًا، يأتي حسب بعض القراءات ردًا على قرار أممي يقضي بمنع داعش ومن هم على شاكلته من المتاجرة بالآثار وكسب المال.

والآثار التي تم تدميرها الخميس، هي بالفعل ما لا يقدر "جهاديو" داعش على نقلها أو بيعها.

وأظهر شريط مصور نشره تنظيم "داعش" الخميس، قيام عناصره بتحطيم تماثيل وآثار يعود تاريخها الى آلاف السنين، مستخدمين مطرقات وآلات ثقب كهربائية، في مدينة الموصل في شمال العراق.

وفجر التنظيم مسجدًا أثريًا في وسط المدينة التي يسيطر عليها التنظيم "الجهادي"، منذ هجوم كاسح شنه في العراق في حزيران/يونيو.

داعش يدمّر متحف الموصل التاريخي

ويظهر الشريط، الذي يحمل شعار "المكتب الاعلامي لولاية نينوى" وتداولته حسابات موالية على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من التنظيم ينزعون أغلفة من النايلون عن تماثيل مختلفة الحجم، اضافة الى اخرى تنتصب على قاعدة رخامية ضخمة بارتفاع نحو مترين، وتماثيل نصفية أو وجوه اثرية معلقة على الجدران.

ويضم المتحف تماثيل وآثاراً من الحضارتين الآشورية والهلنستية، يعود تاريخها الى قرون قبل ميلاد المسيح.

"داعش" يحرق آلاف الكتب في الموصل والأنبار

وقام العناصر برمي التماثيل ارضًا وتحطيمها، واستخدام المطرقات لتكسير بعضها. كما استخدموا آلة ثقب كهربائية لتشويه تمثال آشوري ضخم لثور مجنح، يقع عند بوابة نركال في الموصل.

ويظهر في الشريط عنصر ملتحٍ من التنظيم امام تمثال ضخم، وهو يقول "ايها المسلمون، إن هذه الآثار التي ورائي انما هي اصنام واوثان لاقوام في القرون السابقة، كانت تعبد من دون الله عز وجل. انما ما يسمى بالآشوريين والاكاديين وغيرهم كانوا يتخذون آلهة للمطر وآلهة للزرع وآلهة للحرب، يشركون بالله عز وجل ويتقربون اليها بشتى انواع القرابين".

اضاف "النبي (محمد) ازال الاصنام وطمسها بيده الشريفة عندما فتح مكة".

اليونيسكو تطلب اجتماعا طارئا لمجلس الأمن

وقال خبراء إن الآثار المدمرة تشمل قطعًا اصلية، واخرى أعيد بناؤها من قطع مبعثرة، اضافة الى نسخ عن قطع اصلية موجودة في متاحف أخرى.

ويتألف متحف الموصل من ثلاث قاعات، الآشورية والحضرية (نسبة الى مدينة حضر التاريخية في شمال العراق)، والاسلامية. وفي حين بدا أن التماثيل هي من القاعتين الاوليين، لم يتضح مصير آثار القاعة الاسلامية.

وتشمل القطع آثارًا من الحقبتين الآشورية والبارثية، وتعود بعضها الى فترة ما قبل ميلاد المسيح. والقطع هي من الفترة الآشورية، ومن مدينة حضر التاريخية التي تقع وسط الصحراء على مسافة مئة كلم جنوب غرب الموصل.

عراقيون: تدمير مدينة الموصل كارثة ثقافية

وقال تشارلز جونز، وهو استاذ في جامعة بنسيلفانيا الاميركية عمل سنوات للحفاظ على التراث العراقي، لوكالة فرانس برس، "هذه هي +لحظة باميان+ بالنسبة اليهم (عناصر تنظيم الدولة الاسلامية)"، في اشارة الى تدمير حركة طالبان الافغانية في العام 2001، تمثالين أثريين ضخمين لبوذا.

واكد شهود ومسؤولون عراقيون واكاديميون، أن التنظيم فجر اليوم مسجد الخضر في وسط الموصل، والذي يعود تاريخه الى القرن الثاني عشر.

وقال استاذ الهندسة المعمارية العراقي احسان فتحي المقيم في الاردن، إن ما جرى "خسارة مؤسفة وارهاب ثقافي هائل".

مسيحيو العراق يكتفون بقداس وكنائسهم بالموصل صامتة

واعتبر فتحي أن دافع التنظيم المتطرف لتفجير المسجد هو أنه يضم ضريحًا، وهو ما يراه التنظيم بمثابة "شرك" في عبادة الله، انطلاقًا من تفسيره المتشدد للشريعة الاسلامية.

وسبق للتنظيم أن نشر صوراً على حسابات مؤيدة على موقع "تويتر"، تظهر تفجيره مزارات واضرحة اسلامية في مناطق يسيطر عليها في العراق.

وقبل سيطرة التنظيم على الموصل، كانت المدينة مزيجًا من الطوائف والقوميات، الا انها ومناطق محيطة بها باتت شبه خالية من سكانها المسيحيين والايزيديين، وغيرهم من الاقليات التي نزحت خوفًا من "الجهاديين".

ويعد الآشوريون احدى اقدم الطوائف المسيحية في الشرق الاوسط، وكانوا من الاقليات الدينية الاقدم التي اتخذت من شمال العراق موطنًا اساسيًا لها.

وخطف التنظيم المتطرف خلال الايام الماضية، 220 آشوريًا على الاقل من مناطق في شمال شرق سوريا، حيث يسيطر ايضاً على اراضٍ واسعة.

ويأتي تدمير الآثار بعد نحو اسبوعين من تبني مجلس الامن الدولي قرارًا يهدف الى تجفيف مصادر تمويل تنظيم الدولة الاسلامية، يشمل الحد من تهريب الآثار.

وفي الشريط الذي بث اليوم، يقول العنصر في التنظيم "لا نبالي (بتدمير الآثار)، وإن كانت بمليارات الدولارات".

وقال خبير الآثار الدكتور سامويل هاردي على مدونته التي تعنى بشؤون الآثار في مناطق النزاع، إن "الجهاديين "اقدموا على تدمير ما لا يقدرون على نقله أو بيعه.

وكتب على المدونة "ما يظهره هذا الشريط فعلاً هو انهم مستعدون لتدمير الاشياء التي لا يمكنهم شحنها أو بيعها".

إلى ذلك، طلبت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو"، عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن الدولي.

وقالت مديرة المنظمة ايرينا بوكوفا في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه إن "هذا الاعتداء هو اكثر بكثير من مأساة ثقافية، هذا ايضاً شأن امني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع في العراق".