اليوم بدء نصف الولاية الممددة لرجل القرار 1559. انه موعد مع نتائج الاخطاء المتراكمة التي ادت الى فرض الحالة الشاذة على اللبنانيين. انه موعد مع الخروج على الدستور والوفاق الوطني، والتناقض مع خصائص الكيان اللبناني.
انه موعد مع مصادرة الحريات العامة، والاعتداء على الحريات الخاصة.
انه موعد مع الضرب بعرض الحائط البقية الباقية من الاستقلال اللبناني.
انه موعد مع الفخ، ومع المراهقة السياسية!
يبدأ نصف الولاية الممددة بالقوة والقهر، متزامنا مع ذكرى الاستقلال الحادية والستين التي "استعرضها" اولياء الامر تحت زخات المطر وهم مستقيلون من واجباتهم الوطنية في المحافظة على الحرية والاستقلال. نعم الاستقلال. فلبنان المتحول من دولة مستقلة في الشكل الى دولة مستتبعة في الشكل والمضمون معا، يشهد على مصادرة صريحة لكل عناصر كينونته، وخصوصيته، وكرامة الانسان فيه. انه اسوأ مراحل التاريخ اللبناني الحديث. مرحلة لا يتردد معها اللبنانيون في الهزء بذكرى الاستقلال المهيض الجانح حيث وقف بعض المسؤولين يستعرضون هزاله وهزال الحالة الشاذة التي يتحركون من خلالها. ولا يتوانى بعضهم عن تهديد الاحرار في البلد بجحيم ينتظرهم، ان هم لم يعودوا الى "الخط القومي المستقيم". ان لبنان لا يعرف من الاستقلال سوى التسمية الواهية لبنان ليس بلدا مستقلا. انه بلد مصادر بأسره: بنظامه، بحكوماته، بمجالسه النيابية، بقضائه، باجهزته الامنية، بسياساته، باداراته، بديبلوماسيته، باحزابه، بنقاباته، باقتصاده، بثقافته، بعلومه، وخصوصا بانسانه وبمعناه العميق. لهذا كله لن نهنىء الدولة، ولا رجل القرار 1559 بذكرى الاستقلال.
في ذكرى الاستقلال لا بد لنا من ان نتوجه الى الاشقاء في سوريا لنقول لهم ان لبنان مستقلا وصاحب خصوصية يحترمها جيرانه، هو ذخر لسوريا وليس تهديدا لها. ان لبنان المستقل والعزيز الذي يدير اموره بحرية تامة بعيدا من تدخل اقرب القريبين، هو قوة لسوريا لا العكس. ولبنان المجتمع والدولة المتحرر من الوصاية، اي وصاية، هو مصدر حماية للموقع السوري في المنطقة فلا يكون نقطة ضعف يعبر منها الضغط الخارجي للنيل من الموقف القومي السوري على النحو الحاصل اليوم. ولبنان الدولة والحياة السياسية الحرة والممثلة بصدق لما يريده الشعب، هو لبنان قوي متحالف مع سوريا من موقع المقتنع بأن سوريا قوية ومنيعة وحليفة هي العمق الاستراتيجي للبنان، وبعده العربي الذي من دونه لا استقرار ولا ازدهار للبنان. ان سوريا معنية بالتفكير مليا بمعاني ذكرى الاستقلال هذه. وهي معنية ايضا بالتفكير العميق والمراجعة المتأنية لسياساتها في لبنان حيث يفترض فيها ان تدرك حجم المشكلة والعمل على المعالجة الايجابية لها بدلا من الايغال في سياسات من شأنها ان تلحق اضرارا جمة واعطابا دائمة في علاقاتها مع اللبنانيين. فلا "تظاهرة المليون" الموجّهة من الخارج للتهويل على الوطنيين، يمكن ان تنتشل العلاقات الثنائية من المأزق. ولا المبالغة في استهداف لبنانيين والتضييق عليهم في الداخل تنسي الناس ان الامور لم تعد قابلة للاستمرار وفق القواعد القديمة.
ان سوريا مدعوة من اشقائها اللبنانيين الضنينين بها وبسلامة العلاقات بين البلدين، الى الخروج من وحول الخلافات المحلية في لبنان، واعادة انتاج علاقات سوية بين بلدين مستقلين حقيقة وليس بالاقوال. وحدها عملية نقد ذاتي جدية تتلوها اجراءات تصحيحية لاطلاق سراح لبنان، تعيد لذكرى الاستقلال معناها، وللعلاقات اللبنانية السورية حياة جديدة مستمرة ومستقرة.
حبذا لو تسود لغة العقل!